تقسيم ليبيا: ورقة ضغط بيد السياسيين

تقسيم ليبيا: ورقة ضغط بيد السياسيين

10 نوفمبر 2014
التقسيم يحتاج لسنوات من الاقتتال الداخلي(عبد الله دومة/فرانس برس)
+ الخط -

لا تنفك دعاوى التقسيم تظهر في ليبيا عند كل استحقاق سياسي يواجه البلاد بعد ثورة السابع عشر من فبراير/شباط 2011، بوصفه آخر طرق علاج الأزمات المستفحلة شرقاً وغرباً وجنوباً.

إلا أنّ التحذير هذه المرة جاء على لسان المبعوثين الدوليين إلى ليبيا، بعد حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الليبية قبل أيام؛ والذي قضى بعدم دستورية المادة الحادية عشرة من التعديل الدستوري السابع، الذي على أساسه جاءت المرحلة الانتقالية الثالثة بمجلس النواب الليبي. والأخير أصبح خارج اللعبة السياسية كون قانون انتخابه غير دستوري.

كذلك أبدى بعض أعضاء مجلس النواب الليبي المنحل في طبرق شرقي ليبيا، تحذيراً مماثلاً تماهياً مع التحذير الأممي والدولي، وكأن ليبيا كانت فقط تنتظر حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا لتذهب إلى التقسيم.

طرف آخر هدد أيضاً، بعد قرار المحكمة، بإغلاق المرافئ النفطية والسعي وراء تقسيم ليبيا، هو إبراهيم الجضران الذي ينحدر من مدينة أجدابيا غربي بنغازي، وسبق له أن أغلق الحقول والمرافئ النفطية الليبية لمدة سنة تقريباً، مما كبد الاقتصاد الليبي مليارات الدولارات وساهم في ارتفاع عجز الموازنة العامة الليبية وتخفيض ميزانية الخدمات. والأخير تبحث له لجنة أمنية عليا مصرية، يترأسها مباشرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن دور.

لكن الملفت أن قائد عملية الكرامة التي انطلقت في بنغازي في السادس عشر من مايو/أيار الماضي، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ليس انفصالياً. بمعنى أنه لو أنهى سيطرته على بنغازي، فإنه سيتجه إلى طرابلس لمحاولة استرجاعها بقوة السلاح من قوات "فجر ليبيا" التي سيطرت على طرابلس وطردت حلفاء حفتر المقربين وهم كتائب القعقاع والصواعق والمدني من الزنتان، وما يعرف بجيش القبائل من ورشفانة.

وبحسب معلومات من مصادر خاصة حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن دولة الإمارات طلبت من السفير الليبي في الإمارات، عارف علي النايض، عقد لقاءات مع شيوخ قبائل من بني وليد في تونس، لتزويدهم بالسلاح والمال اللازمين لتكوين مليشيات من قبيلة الورفلة القاطنة في منطقة بني وليد جنوبي العاصمة الليبية طرابلس، والتعاون مع باقي كتائب القعقاع والصواعق وجيش القبائل لحصار طرابلس والدخول إليها من محاور عدة.

وبحسب خبراء عسكريين، فإن مشروع التقسيم، لو طرح بشكل جدي، فعلى الداعين له الإجابة عن سؤال كيفية ضمّ الزنتان في الجبل الغربي لمشروع دولة برقة في شرق ليبيا، إذ إن هناك مدناً في غرب ليبيا لا تدين بالولاء لهذا المشروع التقسيمي. وبذلك لن تكون الزنتان منضوية تحت إقليم برقة، أي تركها في حال جدية هذا المشروع تواجه مصيرها في غرب ليبيا.

كما أن زعيم حزب تحالف القوى الوطنية محمود جبريل، المقيم في الإمارات منذ أكثر من سنة، لا يهدف إلى تقسيم ليبيا بالشكل الذي تدعو إليه بعض الأصوات في مجلس النواب الليبي المنحل، أو أصوات أخرى فيدرالية يعتبرها البعض متطرفة نوعاً ما. فإحدى عيني جبريل على بنغازي والتي يقود فيه حليفه حفتر حربه، والأخرى على العاصمة طرابلس، والتي لها رمزية كبرى محلياً ودولياً.

ولذلك يعتقد بعض المحللين أن ورقة التقسيم التي نادت بها بعض الأصوات داخل ليبيا جاءت كردة فعل متهورة على حل مجلس النواب الليبي بقرار من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الليبية، وأنها تهدف إلى الضغط بها كورقة تفاوض سياسية مع الوسطاء الدوليين، والذين تركوا الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات من خلال تصريحات وبيانات لا تدل على الاعتراف بشكل واضح، أو احترام قرار المحكمة العليا الليبية.

وأشار دبلوماسي عربي، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ "العربي الجديد" إلى أن هناك كلاماً يدور في الأوساط الأميركية والأوروبية حول تقسيم ليبيا، إلا أنه حتى الآن لا توجد تصورات جاهزة حول هذه الفكرة التي لم تكتمل بذورها لدى دوائر صنع القرار الأميركي والفرنسي تحديداً، نظراً لأن مدن ومناطق شرق ليبيا مقطعة بطريقة لا تسمح بخلق دويلة صغيرة في شرق البلاد وترك حلفائها في غرب ليبيا لمصيرهم المجهول.

ووفقاً لمختصين في الجغرافيا السياسية، فإن جنوب ليبيا الذي تحاول فرنسا مدّ نفوذها إليه وإقامة وقاعد عسكرية قريبة منه، لن يستفيد شيئاً من مشروع تقسيم ليبيا إلى دويلات صغيرة رغم امتلاكه ثروات أولية هائلة، بسبب عدم وجود منفذ بحري له، إلا إذا عاد مشروع فزان الكبرى والذي يمتد من الجنوب وحتى سرت حيث المنفذ البحري الأقرب والأوحد له على العالم الخارجي. وهو ما يعني أن هذا المشروع يحتاج إلى سنوات من الاقتتال الداخلي حتى تتضح معالمه وتُرسم حدوده.