تفاصيل مكالمة أردوغان التي أسقطت انقلاب تركيا

21 يوليو 2016
ساهمت المكالمة بإسقاط الانقلاب (باراك كارا/Getty)
+ الخط -
يتوزع الفضل في إسقاط محاولة الانقلاب التي ضربت تركيا ليل 15 - 16 الجاري، بين كثيرين. فللشعب الذي دافع بصدره العاري عن مكتسباته الديمقراطية، دور. وللأحزاب المعارضة التي رفضت الانقلاب رغم خصومتها السياسية للحزب الحاكم نصيب، وكذا للجيش والشرطة والقوات الخاصة... بيد أن للإعلام دوراً وأهمية خاصين، فما قامت به بعض الوسائل الإعلامية العربية، فضلاً عن جلّ الوسائل التركية، كانت له أدوار مركبة، إن بدأت عند مواجهة الإعلام العربي والعالمي الذي تبادل التهاني بسقوط الدولة التركية وتثبيت الشعب والتفافه حول الشرعية والديمقراطية، لا ينتهي الدور عند الحدث الأهم برأي كثيرين، أي ظهور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ببث مباشر، وإن عبر "الموبايل"، بعد ما أشيع عن مقتله أو اعتقاله من قبل الانقلابيين الذين ذهبوا بثلاث مروحيات، لموقع قضائه عطلة نهاية الأسبوع، في مرمريس. 


وربما يتفق كثيرون، أنّ ما فعلته الصحافية التركية، هند فيرات، إنما كان له الدور الأبرز في
 قلب الموازين، عبر إقناع الرئيس التركي بالظهور، وإجراء لقاء مصور على الهاتف، في لحظة، ربما كانت الأكثر خطورة على الدولة التركية، والأكثر ترقباً، داخل تركيا وخارجها.

ونقلت وسائل إعلامية عن الصحافية فيرات أن الهاتف الذي أجرت به الاتصال مع الرئيس أردوغان كان هاتفها الشخصي، الذي ظلت تحمله طوال تلك الليلة، وتم اللقاء بعد الاتصال مرتين مع مساعد الرئيس، حسان دوغان.

يوم عادي ولكن
وقالت الإعلامية هند فيرات، إن يوم الانقلاب، الجمعة، كان اعتيادياً، إذ كانت عائدة إلى منزلها بعد انتهاء مناوبتها، عندما رنّ هاتفها وقال مصدرٌ إخباري لها "هند، شيء غريب يحدث، غريب جداً.. الجنود ينزلون إلى الشارع". ثم تبعه اتصال من مدير تحرير غرفة أخبار أنقرة ساق نفس المعلومات، فاتصلت مع المدير العام ودار حوارٌ مماثل بينهما، ثم تحدث معها مصدرٌ إخباري آخر قائلاً: "هند، الجنود أوقفوا 15 شرطياً في إسطنبول وجمعوا أسلحتهم، لذا اذهبي لغرفة الأخبار، الليلة غريبة". ما دفعها كردة فعل أولى للكتابة عبر "واتساب" لمجموعة غرفة الأخبار بأنقرة، تخبرهم بالذهاب للمكتب فورًا، ولتضع ابنتها في بيت والدتها، وتتواصل مع مصادر خلال عودتها للعمل.
وتضيف أن "بعض السياسيين لم يكونوا على علم بالأمر، لكنّ مصادر أمنية أخبرتها بأمور عدة، وعندما دخلت غرفة الأخبار كانت مشاهد الجنود على جسر البوسفور ظاهرة على الشاشة، فجلست أمام الكاميرا منقطعة الأنفاس وبدأت بالحديث عن أنقرة، مستندةً إلى مشاهدات ميدانية من مراسلي محطتها المتوزعين في المراكز الرئيسية والحساسة بالعاصمة أنقرة، قبل أن يحدث ما وصفته بالكارثة، وهو بدء إطلاق النار من المروحيات على الناس".
وتشير، غير مخفية ما أصابها من قلق، إلى أن غرفة الأخبار قريبة جداً من المجمع الرئاسي، لذا كانوا يشعرون بالذعر كلما ألقت الطائرات قنابلها، وأنها كانت تتصل خلال الاستراحة مع مصادر إخبارية، بينهم مسؤولون رئاسيون.

التحضير للقاء
وقالت المذيعة التركية في محطة "سي إن إن تورك"، والتي دخلت عالم الشهرة من بابه الواسع، وكذا هاتفها، الذي جرت عبره المكالمة، والذي أعلن رجل أعمال سعودي دفع 250 ألف دولار ثمناً له، إنّ الرئيس التركي كان في تلك اللحظة في مرمريس، وتحدثت إلى اثنين من مساعديه التنفيذيين، فقال أحدهم، حسان دوغان، إن "الرئيس سيدلي ببيان للصحافة"، فنقلته
كخبرٍ عاجل، لكن بعد مرور ساعة لم يكن هناك من بيان، فعاودت الاتصال بدوغان مرة أخرى، وقالت له "هناك الكثير من المزاعم عن أن الرئيس لم يدلِ ببيان" وسألته إن كانوا بخير أم لا، فأجابها بأنهم قد أدلوا ببيان عبر برنامج بيرسكوب، فردت الصحافية "لكن ما من أحد على علم به، فلتدلوا ببيان آخر لسي إن إن ترك".
لكن الرئيس ومن معه، كانوا خارج الفندق بسبب الهجمات عليه، لذا لم يكن هناك كاميرا أو معدات بث أو سيارة تابعة للتلفزيون، لذا عرضت عليهم إجراءه عبر الهاتف، فسأل الرئيس أردوغان، ثم عاد وسألها إن كان لديها برنامج "سكايب" أم لا، فقالت له "دعنا نجريه عبر برنامج فيس تايم" فاتصلوا بها فورا وشاهدت الرئيس على الشاشة، وصاحت بالمحررين من الاستوديو حيث تجلس، تخبرهم بأن الرئيس على الهاتف وعليهم الإسراع.
ووصفت حالتها حينذاك، قائلةً "كانت يداي ترتجفان وكنت منفعلة وقلقة جداً على الوضع في بلدي". أطفأت المايكروفون الخاص بها لجعل صوت الرئيس أردوغان مسموعاً... وبدأ اللقاء.



اتصال التحوّل
لا تخفي المذيعة هند فيرات أن اتصال "فيس تايم" كان الأكثر أهمية خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، وتؤكد: "نعم، كان بالطبع اللحظة الأكثر أهمية. لكن بالإضافة لذلك، فحتى تلك اللحظة لم يكن أحدٌ قد شاهد الرئيس وكان هناك ادعاءات أيضاً فيما إذا كان حياً أم لا. الناس شاهدوا
وسمعوا أردوغان من الهاتف. نداؤه لإنقاذ وتثبيت الديمقراطية غيّر الصورة بأكملها. نعم كانت نقطة التحوّل".
ولدى سؤالها إن كانت خائفة من أن يتسبب الاتصالان اللذان وصلاها في انقطاع أهم محادثة في تاريخها المهني، قالت "نعم تحدث معي أمورٌ غريبة، تصور كنت على الهاتف مع أهم شخصية في ذلك المساء، فيما كان الجيش يحاول تنفيذ انقلاب، وبدأ هاتفي بالرنين".
وتشرح أن الاتصال الأول، كان خبراً عاجلاً أيضاً، هاجم محاولو الانقلاب جهاز المخابرات الوطني في وقت سابق، فاتصلتُ مع متحدث باسم الجهاز، نوح يلماز، وفي تلك اللحظة عاود الاتصال بي، لكن التوقيت كان خاطئاً، خشيت من انقطاع المحادثة إن قمت برفض المكالمة، ثم قمت برفضها.
أما الاتصال الثاني كان من أحد صديقاتي، تونا، التي لم تكن تشاهد التلفاز في تلك اللحظة بسبب عطلٍ فني في منزلها، وكانت تتصل لتسألني إن كنت بخير أم لا، وأصبحت صديقتي تونا مشهورة جداً بعد ظهور اسمها على الشاشة.



أأنت بخير أمي؟
وحول ما حدث لابنتها التي أودعتها لدى أمها، تقول هند واصفة شعورها بعد انتهاء الاتصال الهاتفي "كنت متأثرة بابنتي نيهير، البالغة من العمر 11 عاماً. في تلك الليلة تحدثت معها عدة مرات. كانت مذعورة وتبكي. في كل مرة تقول: هل أنت بخير أمي؟ متى ستنتهي القنابل وأصوات الطائرات؟ متى ستعودين للمنزل؟"، مضيفة أنها سألتها أيضاً: "ماذا يعني انقلاب؟ أليس هؤلاء جنودنا؟". وأضافت أنها كانت متأثرة بهذه الكلمات، وكانت عالقة في ذهنها وهي تتحدث مع الرئيس على الهاتف، وتسأل نفسها "لم نواجه مثل هذه الأشياء في عالمنا اليوم".

أجل كنت خائفة
ولم تخفِ فيرات، خوفها تلك الليلة، بل عندما كانت الطائرات تحلّق فوقهم وكانوا ينزلون للملاجئ، كانت تتساءل "يا إلهي، هل يحدث هذا بالفعل؟"، وأن الوضع كان مهزوزاً للغاية فأخبرت مراسليهم بالعودة لمنازلهم على شكل مجموعات، وكذلك فعلت هي، فيما بقي مدير
التحرير ومحرر وموظفان من القسم الفني في الملجأ، مشيرةً إلى أنها "صلّت وتمنّت نهاية الكابوس تلك الليلة وأن تعود الأمور لطبيعتها". وأشارت إلى خوفها من عقاب الانقلابيين، الذين اقتحموا بعد الاتصال مع الرئيس بساعات الاستوديو، رغم أنها لم تسمعهم قالوا أي شيء عنها، موضحةً أنها "أدت عملها وستفعل ذلك مجدداً إن حدث ذلك اليوم أيضاً. وأنها أرادت أن تترك لطفلتها وطناً بديمقراطية قوية"، واصفةً الديمقراطية والحرية، بالضروريات كالماء والهواء.
وتؤكد الإعلامية التركية في نهاية حديثها، أنها لم تتلقّ اتصالاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد تلك المكالمة، في حين تلقت اتصالات كثيرة من سياسيين ومواطنين أتراك وأصدقاء، وتلقت ورداً من أحدهم، كما تلقت الكثير من الرسائل النصية من دول كثيرة، منها السعودية وقطر ومصر، وأن رجل أعمال سعودياً عرض 250 ألف دولار لشراء هاتفها، بعد أن تمت تسميته على موقع "تويتر" بهاتف الحرية.