الغرب والحدث التركي: قلق على إنجيرليك والمصالح لا الديمقراطية

الغرب والحدث التركي: قلق على إنجيرليك والمصالح لا الديمقراطية

22 يوليو 2016
جدل حول مستقبل عضوية تركيا في الحلف الأطلسي(ياسين بلبل/الأناضول)
+ الخط -
يبدو "القلق الغربي" سمة سياسية وعسكرية تجاه محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. فقد بدا واضحاً بأن "القلق" على حالة الحليف العسكري في حلف شمال الأطلسي، هي السمة الغالبة. لكن القاعدة العسكرية "إنجيرليك" تبدو كحجر الزاوية في النقاشات الغربية، السياسية والبحثية والإعلامية، بعد أيام من فشل الانقلاب.

تتركز مسألة "القلق" حول دور قاعدة إنجيرليك الجوية، بعد كشف تورط مسؤولين عسكريين أتراك في محاولة الانقلاب، واعتقالهم فيها. وبلغ القلق ذروته، حول السلاح النووي فيها تحديداً، حين تحدثت مجلة "فورين بوليسي" يوم الاثنين الماضي، عن سيناريو يفترض بأن ألمانيا ربما تكون المكان الأفضل لنقل هذا السلاح. ففي تلك القاعدة، تنشر الولايات المتحدة بين 50 و70 قنبلة "بي 61"، من ضمن اتفاق أبرم في خمسينيات القرن الماضي، بين دول حلف الأطلسي، وهو ما يؤكده تقرير لمركز الأبحاث الدفاعية السويدي في استوكهولم. ويقول باحثون في المركز الأميركي للأسلاحة النووية و"اتحاد العلماء الأميركيين"، إن "فشل الانقلاب قد يدفع إلى التفكير بسحبها من القاعدة". ويرى الباحث في المركز، هانس كريستيانسن، في مقابلات صحافية متلفزة في الدنمارك، ومع صحيفة "غادريان" البريطانية، أن "تطورات الوضع السياسي-الأمني خلال الأسابيع الماضية باتت في حالة تغير اليوم". وما يطالب به هؤلاء الباحثون هو أن يستمع صناع القرار لما يعتريهم من قلق. ويقول كريستيانسن في هذا الصدد: "إذا ما تم إقرار سحب القنابل النووية من تركيا، فإنه لن يعاد نشرها بل شحنها نحو أميركا، فالقواعد في إيطاليا تحتوي ذلك النوع من السلاح". وذلك كله رغم الغموض الأميركي حول وجود سلاح نووي في إنجيرليك.

حتى أسابيع ماضية، كان الخبراء والباحثون يعبرون عن قلق من تطورات الأوضاع في المنطقة، لا سيما مع تمدد الهجمات في تركيا، وتوتر الحالة العسكرية في العراق وسورية. وربط بعضهم بين تلك "الحالة القلقة" وإمكانية تعرض القاعدة العسكرية في إنجيرليك في جنوب البلاد لهجمات تؤدي إلى "انتشار الأشعة النووية". وبعد فشل محاولة الانقلاب، عادت الأصوات لترتفع، معتبرة أن "الوضع خطير ولا يمكن الاحتفاظ بسلاح ذري في القاعدة". يذهب العقيد الركن في الأكاديمية الدفاعية الدنماركية، لارس غرامر لارسن، إلى اعتبار أن "الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تتطور نحو مزيد من عدم الاستقرار. فالوضع في تركيا فوق كل ذلك غير مستقر، ويمكن أن نصبح أمام فوضى عارمة في المنطقة".

الملاحظ في بعض النقاشات وجود تفكير سياسي يعتمد مقاربة طائفية للوضع في المنطقة. في هذا الصدد، يتحدث لارسن عن "ضرورة وجود قوة سنّية فاعلة في المنطقة". أما الهدف فيتمثل في نظر لارسن، بـ"إيجاد توازن بين القوة الشيعية المتزايدة والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".

برود في التخاطب و العلاقات
في المقابل، وعلى الرغم من عضوية تركيا في الحلف الأطلسي منذ عام 1952، وفتحها قاعدة إنجيرليك أمام التحالف الدولي ضد "داعش"، وتوقيعها اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي حول اللاجئين، مع وعود برفع التأشيرة عن مواطنيها لدول "شينغن"، إلا أن محاولة الانقلاب كشفت عن أن أجواء العلاقات التركية-الأوروبية والتركية-الغربية لا تزال ملبدة بسحب سوداء وتتسم بالبرودة. بعد أيام من فشل الانقلاب، برزت مواقف غربية متناقضة، لم تخفف من التوتر والريبة حتى عند الأتراك، ملوحة بمسألة العضوية في حلف الأطلسي.


ويتذرع الغرب بتصريحات بعض الأتراك حول احتمال إعادة العمل بأحكام الإعدام، ليفتح نار وسائله الإعلامية، والحزبية، بتوافق بين أقصى اليمين واليسار، ولا سيما في دول شمال أوروبا، وللتعبير عن "القلق من الاعتقالات وتوجهات بالانتقام". ويعترف كثيرون بأن رجل الدين فتح الله غولن المتهم بالوقوف خلف الانقلاب "بات يشكل صداعاً في العلاقة الأميركية-التركية، وبالتالي، الغربية-التركية". في هذا السياق، لم يتردد مراسل صحيفة "بوليتيكن الدنماركية، أندرس يريكو، بالقول، يوم الثلاثاء الماضي: "إذاً، نحن ندعم الانقلابيين والدكتاتوريات".

مراهنة على "واقعية أردوغان"
من جهة أخرى، يدرك الغرب بأن حاجته لتركيا، ولا سيما قاعدة إنجيرليك، التي يجري استخدامها على نطاق واسع من قبل التحالف الدولي ضد "داعش"، لا يمكن تعويضها، إذ إنها البلد المسلم الوحيد العضو في الحلف الأطلسي وغير هامشية.

ولعل تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أتت لتؤكد مدى توتر العلاقات بين أنقرة والغرب. ففي ردة فعله على محاولة الانقلاب الفاشلة، أعرب كيري عن "الأمل في استمرار الاستقرار والسلام في تركيا"، من دون التطرق لكلمة الديمقراطية، ما فُهم كموقف "ناعم" إزاء الانقلاب. وهو موقف قرأه الأتراك بأنه لا يتناسب والتحالف الاستراتيجي بين البلدين. وعزز شكوك الأتراك في هذا الصدد، بيان الانقلابيين على قناة "تي أر تي"، فجر يوم السبت الماضي، حول ضرورة "إعادة الاحترام الدولي الذي فقدته حكومتنا". جملة لم تمر على كثيرين من متابعي علاقة واشنطن بأنقرة، لا سيما في البيئة السياسية التي كانت تظهر نقداً لحكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لـ"ترددها في الاشتراك بشكل كلي في التحالف الأميركي ضد داعش"، رغم استخدام واشنطن قاعدة إنجيرليك.

لا شك في أن إعادة التذكير الغربي بأنه "لا يمكن القبول بعضوية الأطلسي لدولة غير ديمقراطية ولا تحترم سيادة القانون"، في غمرة التوقيفات والفصل من الوظائف الواسعة في تركيا، والانفتاح على إعادة العمل بأحكام الإعدام إضافة للمطالب بتسليم غولن، تفتح أيضاً أسئلة كثيرة عما إذا كانت تركيا الأطلسية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، المحكومة بقبضات انقلابية عسكرية، كانت ديمقراطية وتحتكم لدولة القانون؟

هذا السؤال النقدي يطرحه هذه الأيام خبراء غربيون مختصون في شؤون تركيا والشرق الأوسط، من منطلق أن "تركيا اليوم ليست تركيا الأمس، ولسنا في سبعينيات تشيلي والسلفادور وجمهوريات الموز"، على ما يقول سياسي برلماني، من يمين الوسط، في كوبنهاغن، وعمل في السابق كباحث في قضايا الشرق الأوسط في واشنطن، رداً على سؤال "العربي الجديد" حول "تناقض الموقف الغربي من الديمقراطية والتردد في اتخاذ موقف حاسم وجماعي". ويعتبر هذا السياسي، المعروف بنقده لـ"الإسلام السياسي"، أن مشهد الارتباك الغربي "سيؤجج، على المستويين القريب والمتوسط، الشكوك عند شعوب المنطقة، في أن بعض أطراف الغرب كانت تدعم الانقلاب، وبالتالي ستثار الكثير من الأسئلة حول الكثير من مواعظنا عن الديمقراطية ورفض الديكتاتورية، التي تولد الكثير من التطرف". ويضيف: "لكن ثمة حاجة متبادلة ستدفع أيضاً لمراجعة عميقة، تحت تأثير مشهد الشعب التركي في الشوارع والساحات، بحيث يعيد الغرب التأكيد على احترامه لخيارات الشعوب". وأعرب المصدر نفسه عن ظنّه بأن أنقرة "تعرف كيف تتصرف في الكثير من الأسئلة المثارة، رغم أن الحديث المتكرر في تركيا عن عودة العمل بالإعدامات ليس هو القضية المركزية. أردوغان يعرف ما هي القضية، بحكم دراسته للأعمال، فهو سيناور ويصل إلى تسويات".

تبدو الخلاصة السياسية والعسكرية في الموقف الغربي إزاء الحدث التركي مبنية على أساس لعبة المصالح، مع بعض الشكليات المتعلقة بالقلق حول حقوق الإنسان، وفقاً لما يختم به هذا السياسي البرلماني في كوبنهاغن.

المساهمون