تضامن مع إضراب الأسرى

تضامن مع إضراب الأسرى

11 مايو 2017
+ الخط -
ربما ليس تضامناً، فنحن أسرى أيضاً، لكن التحدّي هو الذي يستأهل الانتباه، حيث كيف يمكن أن تواجه عدواً مدججاً بكل الأسلحة، ويحظى بالتفوق العسكري، وأنت في السجن؟ هذا هو التحدّي في وضعٍ فلسطينيٍّ منهار، وعربيٍّ يعاني من وطأة الهجوم المضاد على الثورات من كل الأطراف والدول، عربية وعالمية. الثورات التي فتحت الأمل واسعاً، وعلى الرغم من اليأس الذي يعتري كثيرين ممن شاركوا فيها، لم تنته بعد، فقد كسرت كل جبروت، وفتحت الطريق لتغييرٍ كبير، على الرغم من كل ما نراه الآن، وما تعانيه من عجزٍ سياسي، ووحشيةٍ تتصاعد.
ربما كان يبدو أن فلسطين تنتهي، وأن الاهتمام بها يتراجع، ويتلاشى، ولقد فكّر بعضهم أن الثورات العربية هي السبب، على الرغم من أن "تراجع القضية الفلسطينية" بات واضحاً مع نهاية الانتفاضة الثانية، ومأزق المفاوضات التي باتت أُلهيةً تتلهى بها نخبٌ استفادت من وجود السلطة الفلسطينية، وليس أمامها سوى أن تستمرّ السلطة، ولكي تستمرّ لا بد من التلهي بالمفاوضات. إن ما فرض تلاشي "القضية الفلسطينية" هو ما جرى قبل اتفاقية أوسلو (إعلان المبادئ) ومعها خصوصاً، حيث انتهت المقاومة المسلحة، وأصبح قادتها سلطةً خاضعةً لدولة الاحتلال. وبات الأمر يتعلق بمفاوضاتٍ فارغةٍ من أجل تحسين وضع هذه السلطة، على أمل الوصول إلى "دولةٍ مستقلة"، في وضعٍ كانت الدولة الصهيونية تعمل بشكل حثيث للسيطرة على الأرض، وتوسيع الاستيطان، وعزل السكان الفلسطينيين.
وفي هذا المسار، كانت القضايا الجوهرية قد أصبحت من الماضي، وأن الأمر بات يتعلق بـ 20% من فلسطين، ومن سكانها الأصليين. وكان التكيّف مع كون فلسطين هي الضفة الغربية وقطاع غزة هو الهمّ الذي يلاحق السلطة، مع أن الهمّ الصهيوني كان يشتغل على فكّها إلى كانتونين، وتكريس الانفصال بين كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بدأ الصراع على السلطة قبل أن تتأسس دولة، وقبل أن ينتهي الاحتلال.
في ظل كل هذا الوضع "القاتم"، يحاول من ضحّى من أجل تحرير فلسطين، ومن عانى من الاحتلال، ومن السجون، أن يعلي من وضع القضية، كي لا تذهب إلى الهامش. لا شك أن مطالب الأسرى المضربين عن الطعام تتعلق بوضعهم في السجون، وبالظروف التي يعانون منها، خصوصاً من يخضع لسجنٍ إداري، والأحكام الطويلة، لكن الحالة ذاتها تذكّر ليس بالظروف الصعبة التي يعيشها هؤلاء فقط، بل كذلك بواقعة الاحتلال والوجود الصهيوني، وباستلاب الأرض وطرد السكان، وأسر من يقاوم من أجل وطنه. الإضراب محاولةٌ لتحقيق ظروف سجنٍ أفضل، لكن مغزاه أبعد من ذلك، لأنه يعيد طرح القضية الفلسطينية التي نسيتها السلطة التي قامت على أساس اتفاق أوسلو، و"تقادمت" بالنسبة للفصائل التي لم يعد لها فعل حقيقي سوى الدفاع عن النظام السوري، وهو يدمر سورية ويقتل الشعب السوري. فقد باتت "في حدود أوسلو"، على الرغم من أن بعضها يرفض "أوسلو"، وبات "نضالها" من أجل "دولة مستقلة" كذلك، لكن على 20% من فلسطين، الأرض والسكان. وهي "تناضل" من أجل "إنهاء الانقسام" بـ "فاعلية".
في كل الأحوال، ظهر خلال السنتين الأخيرتين أن النضال الفلسطيني الحقيقي خرج من مكان آخر، فقد بدأ الشباب الفلسطيني "انتفاضةً" ضد الاحتلال، من خلال التظاهر ضده، نجح في القدس وضواحيها حيث لا سلطة فلسطينية، وفشل في مناطق السلطة نتيجة الإرهاب الذي مارسته، لكن هذا النشاط أظهر مدى الاحتقان الكامن لدى الشباب الفلسطيني، لكن الذي "يخاف" بعد من الصدام مع السلطة، بالضبط لحرصه على ألا يتحوّل الصراع إلى فلسطيني فلسطيني، مع أن الاحتقان سوف يدفع إلى تمرّد أكبر بالضرورة.
والآن، يبدأ الأسرى نضالهم ضد الاحتلال، وهي معركة على الرغم من طابع مطالبها، تمثّل التحدي ضد الوجود الصهيوني بالأساس. ليس أمامنا سوى دعم إضراب الأسرى، وإعادة الوهج إلى القضية الفلسطينية. .. وفلسطين لديها من يقاتل من أجلها.