تخطئ "النهضة" إن فعلت.. وإن لن تفعل!

05 سبتمبر 2014

حركة النهضة في تونس ..مسؤولية في المرحلة الانتقالية

+ الخط -

بمجرد دخولك مطار تونس قرطاج، ينتابك شعور مختلف، تسري قشعريرة مؤلمة ومفرحة في اللحظة نفسها، وتعتلي شفتيك ابتسامة مشرقة، بينما يعتصر قلبك ألماً. هذه مشاعر إحدى المشاركات في ربيع مصر، والذي ما لبث أن دخل في شتاءٍ، شاركت فيه جميع القوى السياسية، على اختلاف تياراتها الفكرية. نعم، نشعر بسعادة من أن التونسيين فعلوها، بينما لا يتوقف القلب عن الألم لحال مصرنا!

لكي تفهم ما وراء المشهد السياسي التونسي، عليك أن تختار أين تسكن في تونس العاصمة، وقد يساعدك نُزل دار المدينة في قلب المدينة القديمة، وعلى بعد دقيقتين من جامع الزيتونة، أن تختلط بالمواطنين التونسيين، وتستمع إلى رؤيتهم، بل حكمتهم بشأن ما يجري في تونس.

فبينما تنشغل الأحزاب السياسية ومؤسسات عديدة للمجتمع المدني، للاستعداد للانتخابات البرلمانية المزمع انطلاقها في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014، ينشغل المواطنون والمواطنات في التفكير بمن سيحرك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراكدة في البلاد إلى الأمام، بما يتناسب مع احتياجاتهم.

التونسيات والتونسيون لا يعبأون كثيراً بما يجري في أروقة الحجرات السياسية المغلقة، ويرون أن كل الأحزاب السياسية تتحمل المسؤولية في تردّي الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية والأمنية في بلدهم. على الجانب الآخر، تجد فصيلاً من السياسيين ووسائل الإعلام يحمّل حزب النهضة، وحده، كل المسؤولية فيما هو غير إيجابي في المرحلة الانتقالية في تونس.

تسمع وتقرأ تصريفات فعل أخطأ: أخطأت، وتخطئ، وستخطئ، ملتصق دائماً بحركة النهضة إذا فعلت هكذا وهكذا.. فلقد أخطأت عندما دخلت العملية السياسية، وأخطأت عندما تحاورت مع الحركات السلفية، وهي من فتح لهم المجال، لما يقومون به، اليوم، لأنها كانت تتمنى أن يكونوا لها ظهيراً انتخابياً، وستخطئ إذا لم تغلق الجمعيات الأهلية التابعة لها، أو إذا وقفت في وجه الإغلاق الأمني لجمعيات أهلية عديدة أخطأت، عندما تولت الحكومة..وهكذا. وقد تسمع همساً عن براجماتية "النهضة" ودورها في إنجاح الحوار الوطني، إلا أن هكذا جملة تراها مذيلة بـ"تحت ضغوط كبيرة من الداخلي والخارجي والإقليمي، وليس عن اقتناع نهضاوي"!

لي رؤية مغايرة. يخطئ حزب النهضة، أو أي حزب سياسي في تونس، إذا ما قرر أن يحصد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة، معتمداً على رصيد ارتفع، أو يُظن أنه ارتفع في الفترة الماضية، لأن الواقعية السياسية تفرض أن من ستكون له أغلبية البرلمان سيتحمل الجزء الأكبر من أعباء المرحلة الانتقالية التي جاءت، بعد فترة طويلة من الاستبداد، تم فيها تصحير الساحة السياسية من ذوي الكفاءات، في فهم دولاب مؤسسات الدولة، وكيف تعمل، ناهيك عن حجم الأعباء الاقتصادية التي ترضخ لها تونس، والتي لا يمكن أن تنتهي، أبداً، من خلال قروض من هنا أم هناك، وإنما تتطلب عمليات جراحية في الهيكل الاقتصادي، بكل أجنحته، والمجتمعي لدفع البلاد من مرحلة الركود والاستهلاك إلى الإنتاج!

إذن، من يتصدّر بأغلبيته، وإن كان يستطيع، عليه أن يتحمل التركة الثقيلة وحده، ولأنه لا يمتلك المعرفة الكافية والوافية، فسقوطه سيكون سريعاً ومدوياً. تخطئ "النهضة" إذا فهمت أن المراحل الانتقالية يمكن إدارتها بمفردها. وبالتالي، إذا تخلت عن مقاربة التشاركية الإسلامية العلمانية في إدارة البلاد، سواء في الجناح المؤسساتي التشريعي أم التنفيذي.
كانت المقاربة الغربية في دفع دول الربيع العربي نحو الانتخابات مخطئة بحق، لأن المراحل الانتقالية التي تتسم بحالة من عدم الثقة بين الجميع، ومن الجميع باتجاه الجميع في مجتمع يتعرّف على نفسه وعلى تعدديته من جديد، لا يمكن أن تُدفع باتجاه الانتخابات، أولاً، والتي تُدخل الجميع في التنافسية الحزبية القائمة على الأيديولوجيا، والتي تزيد هذه الفترة إرباكاً وارتباكاً!

إلا أن دخول تونس إلى هذه العملية وخروجها، حتى الآن، بأقل الخسائر مقارنة بمن حولها من دول الربيع العربي يدفع نحو ضرورة تبنى الجميع لمقاربة التوافقية والتشاركية والإدماجية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية كافة.

تخطئ جميع القوى السياسية التونيسية في اعتمادها على المقاربة الأمنية في التعامل مع الملف السلفي المسلح، باعتبارها المقاربة الوحيدة الناجعة للقضاء على الفكر التكفيري المسلح، خصوصاً وأن المنطقة العربية تمر بمرحلة خطيرة على المستوى الفكري، أكثر منه على المستوى الحركي. ويخطئ من يعتقد أن القضاء على الحركات المسلحة يتم باستخدام القوة المفرطة، لأن تلك الحركات ذات طبيعة مشرومية، تعمل بشكل شبكي وليس هرمياً، وبإمكانات متعددة. وبالتالي، ترك المقاربة الحوارية تحت الضغوط الداخلية والخارجية، مع الحركات السلفية المستخدمة للعنف يحتاج إلى المراجعة، فالفكر التكفيري لا يتغير إلا بمقاربةٍ حوارية فكرية، وليس بمقاربة أمنية وفقط!

تخطئ الأحزاب السياسية العلمانية والإسلامية، إذا ناصرت العملية الأمنية، لتجفيف المنابع بغلق الجمعيات الأهلية، من دون أن يكون هناك معايير واضحة، وإجراءات شفافة تخضع لها عملية غلق هذه الجمعيات، لأن الدولة المستبدة لا تستخدم سوى الغلق، ولا يمكن الادعاء أن الفكر الاستبدادي للدولة التونسية قد انتهى مع سقوط زين العابدين بن علي. وتفتح الموافقة، اليوم، على غلق الجمعيات التي تنتمي إلى تيار فكري مختلف، تحت أي دعوى، الباب على مصراعيه إلى استخدام هذه المقاربة في وجه الجمعيات كافة غداً. وقبول أي طرف بإقصاء الآخرين المختلفين عنه، اليوم، يعني إقصاءه هو بالمنهجية نفسها غداً. وليس ما حدث في مصر بعيداً، فقبول الحركات العلمانية لتنكيل مؤسسة الدولة بجماعة الإخوان المسلمين أدخلهم جميعا تحت طائلة هذا التنكيل.

وبالتالي، قد يكون مناسباً، الآن، أن يطرح كل تيار في تونس الأسئلة المؤلمة على نفسه، من دون أن يوجهها فقط لخصومه، رافعاً لواء الشفافية الفكرية: هل يقبل كل تيار أيديولوجي تونسي بالمختلف معه، هل يقوم كل تيار بمراجعة فكرية حقيقيةٍ، حول رؤيته تجاه المختلفين عنه، وبمدى سماحه لهم في الحراك في الفضاء العام؟

قد يكون مفيداً للجميع في تونس، وليس فقط حزب النهضة، أن يعتمد منهجية مختلفة في رؤيته الأمور والقضايا، خصوصاً وأن الوضع في تونس، وإن كان يبدو هادئاً، إلا أن طبيعة المرحلة الانتقالية تجعل الغليان دائماً تحت السطح، وقبوله للانفجار قريب، في سياق إقليمي ودولي ملتهب بتعقدية شديدة الخطورة. وبالتالي، قد تكون المقاربة التوافقية في وضع قواعد العملية السياسية والاقتصادية الحل الأفضل، حيث تضمن، في طياتها، ثقة الجميع في قواعد هذه العملية، في وقت لا يثق فيه الجميع إلا في ذاته المفردة، وليست الجمعية!

EB663898-3457-459C-B1E2-A40FE222DCB7
نجوان الأشول

كاتبة مصرية، رئيسة المركز العربي لتحويل النزاعات والتحول الديمقراطي، باحثة دكتوراه في الحركات الاجتماعة والإسلامية بالجامعة الأوروبية، عملت باحث دكتوراه في المعهد الألماني للدراسات الدولية. تنشر مقالات بالعربية والانجليزية.