أيام معدودة وينطلق العرس الرياضي الكبير، الأكبر في العالم على الإطلاق، ليس على مستوى كرة القدم فحسب؛ بل على مستوى مفهوم الرياضة الشامل بشكل عام، إذ تقام الألعاب الأولمبية في مدينة ريو البرازيلية في الخامس من شهر آب/أغسطس، وحتى الخامس والعشرين من الشهر ذاته.
وقبل انطلاق هذا الحدث العالمي الضخم، يضع "العربي الجديد" أمام قرائه الكرام لمحة مختصرة عن تاريخ الأولمبياد، وكيف نشأ وكيف وصل حتى يومنا هذا، باعتباره إرثاً رياضياً لا يمكن ذكره بسطور، بل بكتب ومجلدات ضخمة نظراً لأهميته وامتلائه بالأحداث التاريخية.
1896 أثينا..مهد الألعاب
ولدت فكرة تجميع الألعاب والمسابقات في حدث واحد في قديم الزمان وقبل الميلاد، وأقيمت الألعاب قديما في مدينة أوليمبيا في اليونان، من القرن الثامن قبل الميلاد وحتى القرن الخامس الميلادي، لكن في عام 1870 خرجت الفكرة من عقل رجل الأعمال اليوناني ايفانغيلوس زاباس، خاصة أن بلاده مهد الرياضة عبر مدينة أولمبيا العامرة بالآثار، ليتم تجهيز بعض الملاعب القديمة بها؛ بيد أنها لم تلق صدى واسعاً أو لقيت جدلا واسعا وأحاطتها المشكلات من كل حدب وصوب، كضعف الإمكانات المالية وغيرها من الأسباب بعد إقامة أكثر من تجمعات رياضية وقتها إلا أن ظهر البارون بيار دو كوبرتان.
هذا الشخص المؤثر كان سببا لنجاح وظهور الفكرة تماما على أرض الواقع، إذ عمل سنوات عدة على تحسين المستوى الرياضي في فرنسا وبعد دراسة عميقة لأثار مدينة أولمبيا وكونه محبا للرياضة، اقترح كوبرتان إحياء المباريات من جديد، وبدأ بالعمل الشاق المضني لإقناع الدول المعترضة بوجهة نظره القائمة على أسس إحياء الألعاب الأولمبية من جديد وتطوير الإنسان وتحسينه وارتقائه عقليا وأخلاقيا وبدنيا.
نجح البارون في مساعيه ونظم مؤتمرا عالميا في حزيران/يونيو 1894 تحدث فيه عن الرياضة، وقام بتشكيل لجنة أولمبية دولية ترأسها اليوناني ديمتريوس فيكيلاس، وكوبرتان نائبا لتحديد مكان إقامة الألعاب الأولمبية الحديثة فوقع الاختيار على المدينة التاريخية أثينا في العام 1896، وجاء اختيارها تكريما لليونان لأنها مهد الألعاب ثم تم كتابة الميثاق الأولمبي.
وبعد دراسات مستفيضة في ظل الأزمات المالية حينها وإقناع الملك جورج وولي عهده عبر اليوناني فيكيلاس لدعم الفكرة والمسابقات، أعلن الملك افتتاح أول ألعاب أولمبية حديثة في شهر إبريل/نيسان من عام 1896 على ملعب "باناثينايكون" الذي بني قديما، لكن تاجر القطن اليوناني الثري المقيم في الإسكندرية المصرية، جورج أفيروف، قدم المال لتجديد الملعب لإقامة المنافسات.
وتضمن برنامج الألعاب مسابقات صيفية شارك فيها حوالي 280 رياضيا، كلهم من الذكور مثلوا نحو 13 دولة وتنافسوا في مسابقات المصارعة، والدراجات، والجمباز، وألعاب القوى، والسباحة، والرماية، والتنس، ورفع الأثقال والسلاح، كما تضمنت الرياضات التي شملتها الألعاب 43 مسابقة واقتصرت على الألعاب الفردية.
وشهدت الأولمبياد الأولى - حسمتها أميركا بـ 19 ميدالية - اهتماماً جماهيرياً كبيراً وحظي الفائزون ببعض الجوائز العينية، إذ توجوا بأكاليل من الغار وبميداليات من فضة تكريما لجهودهم، لتتواصل سلسلة الأولمبياد والإثارة والتشويق بعد ذلك العام، والتي عززت العلاقات بين الدول بشكل مؤثر.
1900 فرنسا البخيلة وأولمبياد الـ 5 أشهر!
وتواصلت الفكرة لتقام الدورة الثانية في عام 1900 في العاصمة الفرنسية باريس، والتي جاءت تكريما لصاحب الفكرة والمجهود الكبير ومؤسس الألعاب الحديثة البارون بيار دو كوبرتان، رغم أن التوقعات كانت تشير لإقامتها في مهد الألعاب اليونان، ولم يكن الفرنسيون كرماء كثيرا على الدورة، ولا على ابنهم المؤسس، ذلك أن المنافسات شهدت أحداثا غريبة، وتنظيما سيئا، لأنها أقيمت وسط انشغال الفرنسيين بالمعرض العالمي، كما أن باريس لم تعطها ذاك الاهتمام رغم قوة الدولة وامتدادها عالميا برئاسة الرئيس إميل لوبيه.
وغاب الاهتمام بالحدث من كل الجوانب وامتد للأماكن والملاعب التي استضافت الأحداث الرياضية على الرغم من مشاركة ما يقارب 997 رياضياً بينهم 22 امرأة من 24 بلدا لأول مرة، ومنها من انضم للألعاب الرياضية كإسبانيا وايطاليا وكندا وهولندا وبسبب الإهمال استمر الاولمبياد 5 أشهر منذ أيار/مايو وحتى تشرين الأول/أكتوبر!
ورغم ذلك شهدت الدورة مشاركة السيدات ويسجل التاريخ أن البطلة الأولمبية الأولى هي إنكليزية وتدعى تشارلوت كوبر التي حصدت ذهبية الفردي في التنس، والفضية في الزوجي المختلط مع رجينالد دورثي، وفي حين حلت فرنسا أولى في ترتيب الميداليات برصيد 26 ذهبية رغم أن التنظيم السيئ كما يعتقد أضاع الأرقام القياسية المسجلة فيها.
1904 أولمبياد أميركي بحت
تواصلت الألعاب الأولمبية بإقامة الدورة الثالثة في مدينة "سانت لويس" الأميركية في العام 1904 وهي التي شهدت العديد من الأحداث، لكنها تزامنت أيضا مع المعرض الدولي كذلك فكانت الألعاب هامشية وسط المعرض وإخباره وأنشطته فيما شهدت مشاركة مهولة من أصحاب الأرض الذي تجاوز عددهم المشاركين من مختلف الدول.
شهدت الدورة تلك مشاركة 650 رياضيا منهم 533 أميركيا والبقية مثلوا 12 بلدا، بينهم 6 سيدات والسبب الغياب الأوروبي الكبير نظير تكاليف السفر لبلاد "العم سام" آنذاك، ومع ذلك تواجد من القارة الاوروبية مشاركون مثلوا ألمانيا والمجر وبريطانيا والنمسا وسويسرا واليونان بإشراف دو كوبرتان رئيس اللجنة الأولمبية الدولية.
ومن المنافسات التي أقيمت في تلك النسخة، الملاكمة وكرة الماء والتجذيف والغولف والروكي والتنس ورفع الأثقال والمصارعة والجمباز وألعاب القوى والسباحة والغطس والرماية بالسهم والمبارزة وكرة القدم.
وتصدرت الولايات المتحدة جدول الميداليات بـ 78 ذهبية، تلتها ألمانيا وكوبا وكندا (4) ميداليات فقط، لكن ملاعب المسابقات تميزت بقياسات مختلفة كثيرا عن المعهودة حاليا أو التي أدرجت في الدورات اللاحقة. فقد نظمت مسابقات ألعاب قوى على مضمار جامعة واشنطن حيث الخط المستقيم فيه يقارب الـ 200 م. وأجريت سباقات السباحة في بحيرة اصطناعية.
1906 أثينا تستضيف دورة "غير رسمية"
تعاطت اللجنة الأولمبية الدولية برئاسة بيار دو كوبرتان بذكاء مع مطالبات اليونانيين وملكهم جورج باعتماد أثينا عاصمة أولمبية مدى الحياة حيث تقرر تنظيم دورة واحدة عام 1906 في أثينا مجددا وهي التي نجحت في النسخة الأولى وفي الذكرى العاشرة لإعادة إحياء الألعاب الأولمبية، غير إن نتائجها لم تسجل رسميا في سجل الدورات الأولمبية العادية ما دفع اليونانيين عن إلغاء الفكرة من رؤوسهم.
وأجريت المباريات والمسابقات من 22 نيسان/ابريل إلى 2 أيار/مايو بمشاركة 877 رياضيا و7 رياضيات من 20 بلدا، وهي الشاهدة على مشاركة عربية أولى من خلال مصر وفي النسخة تلك أثبت اليونانيون بحق أنهم أهل لتلك الألعاب، لأنها شهدت نجاحا منقطع النظير ويحسب لها أنها أول دورة تشهد استعراض الفرق وعروض حفلة الافتتاح وتصدرت فرنسا الترتيب، تلتها الولايات المتحدة ثم اليونان.
1908 لندن وإثارة المنافسات
حملت دورة ألعاب 1908 في لندن العديد من المشاهد الخالدة في الذاكرة فهي السباقة في تسجيل أكبر عدد من المشاركين بالنظر للدورات السابقة، فقد شارك أكثر من ألفي رياضي ورياضية يمثلون 22 دولة، وكانت سباقة أيضا في نتائجها المثيرة والهامة وعابها أنها شهدت سيطرة الحكام الإنكليز عليها وعدم انحيازهم للمتسابقين بشكل عام لصالح أبناء بلدهم.
وشهدت الدورة صراعا شرسا بين البريطانيين والأميركيين كقوتين عظميين، لكن أصحاب الأرض حسموا الصراع بالتتويج بأكبر قدر من الميداليات برصيد 56 ذهبية و48 فضية و37 برونزية، وحلت الولايات المتحدة ثانية (23-12-11) والسويد ثالثة.
وبدأت الدورة ترسخ أسماء الأبطال في السجلات الأولمبية، مثل السباح الأميركي شارل دانيال، والسباح الإنكليزي هنري تايلور "الأعجوبة المائية"، وبرز الأميركي هاري بوتر في الوثب العالي وغيرهم كثر، وشملت الدورة مسابقات الملاكمة والدراجات والجمباز وألعاب القوى والزوارق الشراعية واللاكروس والركبي والرماية وكرة المضرب والرقص على الجليد وكرة القدم والمصارعة وكرة الماء والتجذيف واليخوت والسباحة والغطس والبولو والكريكت والقوس والنشاب، والمبارزة والهوكي على العشب.