30 سبتمبر 2024
انتصر البيض للسود .. لماذا لا ينتصر الإسرائيليون لفلسطين؟
لاحظ متابعو مظاهرات الولايات المتحدة، التي انتقلت من مدينة مينيابوليس إلى معظم مدن أميركا، وإلى عواصم عديدة، تنوع المشاركة فيها. فلم يعد المتظاهرون المطالبون بالمساواة ووقف قمع الشرطة الأميركية من ذوي البشرة السوداء فقط، بل هم من كل العناصر التي تشكل سكان الولايات المتحدة، وليس غريباً أن غالبية المشاركين هم من الأميركيين البيض، الأمر الذي وضعهم في مواجهة مباشرة مع الشرطة الأميركية التي يهيمن عليها البيض أيضاً. ولذلك نتجت من تلك الاحتجاجات ظاهرة مهمة، قد تغير كثيراً في صنع القرار الداخلي الأميركي.
قد يتساءل بعضهم: لماذا ينشط البيض في أميركا لنصرة السود، فيما لا نرى، بتلك النسب الواسعة، أمراً شبيها في أوساط الإسرائيليين واليهود لنصرة الفلسطينيين؟ في الحالتين، هناك أنظمة وأعراف وتطبيقات عنصرية واضحة. قد تكون الأنظمة الإسرائيلية في ما يتعلق باليهود أكثر وضوحاً في عنصريتها تجاه غير اليهود في إسرائيل وفي الأراضي المحتلة من التي في أميركا ضد السود. وقد يقول بعضهم إن ما فجّر عمليات الاحتجاجات هو الفيديو المصوّر لقتل شرطي أميركي أبيض، جورج فلويد الأسود، ولكن هناك فيديوهات عديدة مماثلة لمقتل فلسطينيين بدم بارد، ولم ينتج منها تغيير عميق في رد فعل الإسرائيليين أو اليهود تجاه الفلسطينيين. واعتبر آخرون أن نجاح الاحتجاجات الأميركية موجهةٌ، بصورة غير مباشرة، ضد الرئيس الأميركي، ترامب، وسياساته الشعبوية المنفرة، وأن جريمة مقتل فلويد فجّرت الغضب الموجود على هذا الرئيس الذي ساهمت سياساته في تقسيم الشعب، بدل توحيده. وينطبق الأمر نفسه على رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، المتهم بالفساد، والذي يعمل ليل
نهار على تفرقة السكان وتقسيمهم. فإذا كانت المسببات مماثلة، فما تفسير النتائج المختلفة؟
معروفٌ أن نصوص الدستور الأميركي تدعو إلى المساواة، وتضمن حرية الرأي. قد يقول بعضهم إن السياسة الأميركية تجاه السود، ومنها استمرار العبودية مدة طويلة، ووضع قوانين تحدّ من حرية السود للتصويت، إضافة إلى التمييز الواضح في تطبيق القانون، كلها أدت إلى العنصرية التي وُثِّقَت عبر السنوات. وعلى الرغم من الاختلاف بين النصوص الدستورية والتطبيق، إلا أن وجود دستور يضمن العدالة أمر مميز في أميركا، ولا وجود لدستور في إسرائيل، والقوانين التي يجري سنّها منذ قانون العودة الخاص باليهود عام 1950 إلى قانون يهودية الدولة الذي أُقرَّ عام 2018 كلها عنصرية، أقرّها البرلمان (الكنيست)، وشرعنتها المحاكم الإسرائيلية، بما فيها المحكمة العليا.
فعلى الرغم من غياب الدستور والقوانين الحامية للشعب، هناك عناصر أخرى يمكن التطرّق إليها، في محاولة تفسير غياب مشاركة يهودية وإسرائيلية واسعة، نصرة لحقوق الشعب الفلسطيني. فدولة إسرائيل مبنية أصلاً على أساس عنصري، تستغل اعتبار اليهود شعب الله
المختار، لتبرّر أن لهم حقاً إلهياً في أرض فلسطين منذ آلاف السنين. صحيحٌ أن الأميركيين عندما أسَّسوا دولتهم اعتمدوا على مبادئ وقيم دينية، إلا أنهم قمعوا حقوق السكان الأصليين، فما كان مقبولاً عام 1776 عند قيام الولايات المتحدة وما هو مقبول في القرن العشرين والواحد والعشرين أمران مختلفان. وعلى الرغم من ذلك، حرصت مؤسسة أميركا على الفصل بين الدين والدولة، فيما تصر إسرائيل على وجود حقوق خاصة لليهود، وترفض مبدأ المواطنة الكاملة للسكان كافة.
طبعاً هناك أسباب وأخطاء ذاتية فلسطينية، يجب ألّا يجري التهرب منها، فغياب الوحدة الوطنية أضرّ القدرة على اتخاذ مواقف ورؤية جماعية، وهو غياب يسبق الانقسام الراهن، فهناك غياب للمشاركة الحقيقية لكل الفلسطينيين، على الرغم من أن العمل الوحدوي كان موجوداً فترة قصيرة إبّان الانتفاضة الأولى، إلا أن قيادات منظمة التحرير خطفت الأمر (بموافقة الشعب
آنذاك)، ولا تعود إلى الشعب بصورة حقيقة منذ ذلك الوقت. كذلك سبّب غياب الاستراتيجية المتفق عليها تردد عديدين من مناصرة الشعب الفلسطيني، فالانتقال من موقف الدولة الديمقراطية العلمانية (غاب عنه وضوح مصير مئات آلاف من اليهود المهاجرين الموجودين
في فلسطين) إلى موقف حل الدولتين، ثم عودة بعضهم إلى حل الدولة الواحدة، أثّر سلباً بقدرة استقطاب الطرف الآخر.
وهناك عدم اتفاق على الأساليب المقبولة للنضال أضرّ في محاولة استقطاب الطرف الاسرائيلي، خصوصاً في ما يتعلق بعدم الوضوح والتساهل في التعرّض للمدنيين الإسرائيليين. قد يقول بعضهم إن التظاهرات الأميركية حالياً أيضاً تشهد عمليات سرقة وتخريب، لكن قيادات السود كانت واضحة وصارمة في رفض كلي لتلك الأعمال، فيما حاولت قياداتنا تبرير الأعمال ضد المدنيين.
ما يحدث في الولايات المتحدة زلزال سياسي مهم، قد يجلب، في نهاية المطاف، فوائد ملموسة لدعم الحق الفلسطيني. ولكن إن كنا فعلاً نبحث عن أسباب عدم وجود وضع مماثل عندنا، فإن الأمر يتطلب منا نظرة داخلية، وقراراً جدّياً بالوحدة والاتفاق على رؤية واضحة، ومتفق عليها، ثم العمل على استراتيجية نضال وأساليب مقاومة، تستطيع أن تجلب نتائج ملموسة، ولا تضرّ المصلحة العامة، كما أضرت الانتفاضة الثانية المسلحة بكل إنجازات الانتفاضة الأولى الشعبية.
معروفٌ أن نصوص الدستور الأميركي تدعو إلى المساواة، وتضمن حرية الرأي. قد يقول بعضهم إن السياسة الأميركية تجاه السود، ومنها استمرار العبودية مدة طويلة، ووضع قوانين تحدّ من حرية السود للتصويت، إضافة إلى التمييز الواضح في تطبيق القانون، كلها أدت إلى العنصرية التي وُثِّقَت عبر السنوات. وعلى الرغم من الاختلاف بين النصوص الدستورية والتطبيق، إلا أن وجود دستور يضمن العدالة أمر مميز في أميركا، ولا وجود لدستور في إسرائيل، والقوانين التي يجري سنّها منذ قانون العودة الخاص باليهود عام 1950 إلى قانون يهودية الدولة الذي أُقرَّ عام 2018 كلها عنصرية، أقرّها البرلمان (الكنيست)، وشرعنتها المحاكم الإسرائيلية، بما فيها المحكمة العليا.
فعلى الرغم من غياب الدستور والقوانين الحامية للشعب، هناك عناصر أخرى يمكن التطرّق إليها، في محاولة تفسير غياب مشاركة يهودية وإسرائيلية واسعة، نصرة لحقوق الشعب الفلسطيني. فدولة إسرائيل مبنية أصلاً على أساس عنصري، تستغل اعتبار اليهود شعب الله
طبعاً هناك أسباب وأخطاء ذاتية فلسطينية، يجب ألّا يجري التهرب منها، فغياب الوحدة الوطنية أضرّ القدرة على اتخاذ مواقف ورؤية جماعية، وهو غياب يسبق الانقسام الراهن، فهناك غياب للمشاركة الحقيقية لكل الفلسطينيين، على الرغم من أن العمل الوحدوي كان موجوداً فترة قصيرة إبّان الانتفاضة الأولى، إلا أن قيادات منظمة التحرير خطفت الأمر (بموافقة الشعب
آنذاك)، ولا تعود إلى الشعب بصورة حقيقة منذ ذلك الوقت. كذلك سبّب غياب الاستراتيجية المتفق عليها تردد عديدين من مناصرة الشعب الفلسطيني، فالانتقال من موقف الدولة الديمقراطية العلمانية (غاب عنه وضوح مصير مئات آلاف من اليهود المهاجرين الموجودين
وهناك عدم اتفاق على الأساليب المقبولة للنضال أضرّ في محاولة استقطاب الطرف الاسرائيلي، خصوصاً في ما يتعلق بعدم الوضوح والتساهل في التعرّض للمدنيين الإسرائيليين. قد يقول بعضهم إن التظاهرات الأميركية حالياً أيضاً تشهد عمليات سرقة وتخريب، لكن قيادات السود كانت واضحة وصارمة في رفض كلي لتلك الأعمال، فيما حاولت قياداتنا تبرير الأعمال ضد المدنيين.
ما يحدث في الولايات المتحدة زلزال سياسي مهم، قد يجلب، في نهاية المطاف، فوائد ملموسة لدعم الحق الفلسطيني. ولكن إن كنا فعلاً نبحث عن أسباب عدم وجود وضع مماثل عندنا، فإن الأمر يتطلب منا نظرة داخلية، وقراراً جدّياً بالوحدة والاتفاق على رؤية واضحة، ومتفق عليها، ثم العمل على استراتيجية نضال وأساليب مقاومة، تستطيع أن تجلب نتائج ملموسة، ولا تضرّ المصلحة العامة، كما أضرت الانتفاضة الثانية المسلحة بكل إنجازات الانتفاضة الأولى الشعبية.