الوساطات الإيرانية بين الحلفاء العراقيين مستمرة

الوساطات الإيرانية بين الحلفاء العراقيين مستمرة

08 مارس 2016
الشارع تحول إلى عامل ضغط إضافي(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

تصاعدت حدة الخلافات بين قادة التحالف الوطني (الحاكم في العراق) على خلفية التعديلات الحكومية المرتقبة حتى باتت تنذر بتفككه من جهة والإطاحة برئيس الوزراء حيدر العبادي من منصبه من جهة ثانية. أما تلويح زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، باقتحام المنطقة الخضراء، فتؤكد مصادر متقاطعة لـ"العربي الجديد" أن الأمر لا يتعدى التهديدات التي اعتاد عليها المشهد السياسي في العراق ما بعد الاحتلال الأميركي.

وتبذل واشنطن وطهران منذ أيام جهوداً حثيثة لمحاولة رأب الصدع داخل التحالف الوطني أو ما يعرف بـ"البيت الشيعي"، إذ يتفق الطرفان على دعم العبادي في المرحلة الحالية خشية أن تؤدي تطورات الأزمة إلى انهيار الحكومة أو اقتتال بين مليشيات الحشد الشعبي التي انقسمت هي الأخرى في مواقفها بين مؤيدة للصدر أو مؤيدة للحكومة. وتسود خشية من أن تصبّ الأزمة في صالح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وبما يعرقل جميع الخطط المعدة لمحاربته في العام 2016.

اقرأ أيضاً: الوساطات الإيرانية تعجز عن حلّ خلافات "التحالف الوطني" العراقي

وفي سياق الوساطة الإيرانية، وصل وفد إيراني رفيع، أمس الثلاثاء، إلى بغداد بعد وصوله يوم الاثنين إلى النجف وزيارة الأماكن الدينية في المدينة. وتؤكد مصادر قيادية في التحالف الوطني لـ"العربي الجديد" أن الوفد يضمّ شخصيات مقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي، ومن المقرر أن يعقد لقاءات موسعة مع كتل التحالف لرأب الصدع وإيجاد حل للمشكلة.
ويصف عضو بارز في التحالف الوطني الاجتماع الأخير لقادة التحالف بـ"السيئ"، مشيراً إلى أن "اجتماع كربلاء (الذي بدأ مساء الأحد الماضي واستمر حتى أول من أمس الاثنين) جاء بنتائج عكسية ووسع الخلاف بين الكتل". ويعرب المصدر نفسه عن أمله "في جولة مباحثات جديدة مع وصول الوفد الإيراني، الذي باشر بلقاء القادة كل على انفراد"، لكنه يشير إلى أنه "من غير المتوقع أن يكون اللقاء الجامع (يشمل قيادات التحالف) خلال اليومين المقبلين".

في غضون ذلك، يؤكد القيادي البارز بالتحالف الوطني، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" من بغداد، أنه يتعين على الجميع التيقن "أنه لن يتم اقتحام المنطقة الخضراء من قبل الصدر وأتباعه. وهذا ما تأكد لنا من مصادر خاصة أخذت ضمانات من الصدر بعدم اللجوء إلى مثل تلك الحماقة"، على حد وصفه. ويلفت المصدر إلى أنه "في حال انتهاء المهلة البالغة 45 يوماً، والتي حددها زعيم التيار الصدري بدون أن تلبى مطالبه، فإنه قد تتحول تلك المطالب من حكومة بلا محاصصة طائفية وحزبية، كما ينادي الآن، إلى سحب الثقة عن العبادي وإقالته وتشكيل حكومة جديدة".
ويطالب الصدر حالياً بحكومة يرأسها العبادي لكن بوزراء مستقلين غير تابعين للأحزاب والكتل السياسية، في حين تصر كتل أخرى بالتحالف على أن يكون الوزراء مرشحين من الأحزاب والكتل السياسية بالبرلمان التي فازت بالانتخابات. من جهتها تطالب كتلة المواطن، بزعامة عمار الحكيم، بحكومة جديدة بما فيها رئيس الوزراء وتكون من التكنوقراط أو استبدال الوزراء الفاشلين فقط على أن يقدم العبادي للكتل ما يثبت فشل الوزراء الذين تمت تسميتهم أصلا بناء على ترشيحات الكتل السياسية.

ويضيف المصدر نفسه لـ"العربي الجديد" أنّ "الحوار لا يزال مستمراً، لكن حتى لو تم الاتفاق فلن يعود كل شيء إلى ما قبل الأزمة"، مشيراً إلى أن التغييرات المتوقعة في الحكومة قد تشمل رئيس الوزراء أيضاً في حال تعقد المشهد ولم يتم التوصل الى تسوية. ويعرب المصدر عن اعتقاده بأن "الصدر هو الطرف الأقوى حالياً لقدرته على الأرض في تحشيد الناس وإثارة الشارع (خصوصاً في المحافظات الجنوبية) ضد الحكومة وباقي أعضاء التحالف. وضع يجعل الحوار معه ضرورياً حتى مع دعم الإيرانيين والأميركيين للعبادي" على حد قوله.
من جهته يقول عضو التيار الصدري، حسين البصري، لـ"العربي الجديد" إن "المهلة المحددة للحكومة ونتائج عدم تطبيقها معروفة، كما وضحّها بيان السيد الصدر، وهو دخول الخضراء واقتلاع الحكومة من أساسها. لكن حتى اذا افترضنا التوجه لسحب الثقة عن حكومة العبادي، فإن التيار لديه أربعون مقعداً بالبرلمان ولديه حلفاء من السنة والأكراد والمستقلين وقادر على أن يغير الوضع ديمقراطياً"، على حد قوله. ويتابع البصري: "لا أحد من قادة التحالف يعلم ما يجري. الشعب يموت جوعاً أو حرقاً بالتفجيرات والناس يهربون عبر بحر ايجة تاركين بلادهم، وآخرون يموتون على جبهات القتال ضد داعش وأحزاب السلطة في رغد يعيشون بأموال العراقيين"، على حد قوله.

بدوره يصف القيادي في كتلة الصدر البرلمانية، رسول الطائي، خلال حديث مع "العربي الجديد" إصلاحات العبادي، سواء التي أعلنها سابقاً أو الجديدة التي يسعى للقيام بها، بأنها "حبر على ورق"، قبل أن يضيف: "الجميع بات يدرك أن جرس انتهاء حكومات الوكالات والمحاصصة الطائفية والحزبية التي قادت العراق للهاوية قد قرع، ولا يمكن التراجع عن أقل من مطلب الإصلاح وإنهاء الوضع الحالي". ويشير الطائي في حديثه إلى أن "صبر المواطنين بدأ ينفذ ولم نلمس شيئاً من صلاحيات رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ الإعلان عنها في العام الماضي". ويتهم الطائي "حكومة العبادي بأنها بدأت تدار بالوكالة، وتحديداً وزارتي المالية والتجارة"، على حد قوله.

في هذه الأثناء، لم تدم فترة "الهدنة الإعلامية" بين الكتل في وسائل الإعلام المحلية ببغداد أكثر من ثماني ساعات بعدما كان قادة الكتل قد اتفقوا على وقف التصريحات العدائية. وهاجم عضو كتلة المواطن، محمد اللكاش، حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي في تصريحات أدلى بها لتلفزيون محلي عراقي. واعتبر أنّ "حزب الدعوة يتحمل المسؤولية الشرعية والأخلاقية والتاريخية في فشل مشروع الشيعة في بناء دولة عصرية وحضارية"، على حد قوله. اتهامات دفعت حزب الدعوة الى الرد عليه عبر بيان رسمي، مشيراً إلى أنّ "الحزب سيقيم دعوى قضائية ضد اللكاش"، ومعتبراً أن "اتهاماته ليست إلا محاولة للتستر على الفاسدين في كتلته".

وفيما تستعر نار الخلافات داخل التحالف الوطني تكتفي الكتل السنية والكردية بدور المتفرج بانتظار ما ستؤول إليه الأزمة سواء لجهة اتفاقهم على تعديل جزئي أو شامل للحكومة يطاول رئيس الوزراء نفسه. يقول القيادي في التحالف الكردستاني، حمة أمين، لـ"العربي الجديد" إن "الأكراد ينتظرون ما تسفر عنه تلك الخلافات، لكن بالنسبة لنا فلن نشارك بأي حكومة اتحادية ما لم يكن تمثيل الأكراد فيها ما لا يقل عن 20 في المئة"، على أن تأتي بعدها باقي الملفات العالقة بين بغداد وأربيل.

من جهته، يؤكد اتحاد القوى العراقية، الممثل أن شروطه ترتبط بالتفاهمات التي سيتم التوصل إليها بين كتل التحالف الوطني. يقول أحد أعضاء "الاتحاد"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا كانت الحكومة الجديدة حكومة تكنوقراط حقيقية ولا تنتهج توزيع حصص الوزارات حسب الطائفة أو العرق والحزب فلن نضع العصا بالعجلة وسنترك الأمور كما هي، حتى لو كان تمثيلنا صفراً في الحكومة. لكن إذا كان غير ذلك فسنطالب بتمثيل يعادل وجودنا بالبرلمان".
في غضون ذلك، يقول المحلل السياسي، أحمد عبد السلام، لـ"العربي الجديد" إن "توافق كتل التحالف بشكل مباشر وبدون وسيط بات صعباً للغاية". ويعتبر أنّ "الوفد الإيراني الذي وصل، فضلاً عن الضغوط الأميركية قد لا تكون ذات فائدة كبيرة ما لم يتم إقناع المرجع الديني علي السيستاني بالعودة إلى مشهد اليد العليا التي ترعى هذا التحالف وتوقف الخلافات بين كتله وتلزمها برؤية جديدة من المؤكد أنها ستصب لصالح الشعب العراقي"، على حد قوله.

اقرأ أيضاً الصدر يطمئن البعثات الدبلوماسية في حال اجتياح "المنطقة الخضراء"

المساهمون