الفلوجة أزمة تتسع لحكومة

الفلوجة أزمة تتسع لحكومة

03 يونيو 2014

دمار في الفلوجة بعد قصف من الجيش (فرانس برس)

+ الخط -
منذ بدأ الهجوم الحكومي على محافظة الأنبار عموماً، ومدينة الفلوجة بشكل خاص، قبل أكثر من خمسة أشهر، كانت تحليلات لمتابعين للشأن العراقي تؤكد على أن هدف الحملة انتخابي بحت، كونها جاءت قبيل موعد الانتخابات التشريعية في نهاية إبريل/نيسان الماضي، خصوصاً وان الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، كانت تعلم جيداً أن أي هجوم على الأنبار، بداعي محاربة تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية، سيؤدي إلى تفكك المشهد الانتخابي، وانقسام سنة العراق بين مؤيد للانتخابات والمشاركة فيها ورافض، وذلك ما حصل، ناهيك عن عملية التحشيد الطائفي التي استفاد منها المالكي في حملته الانتخابية، حيث أظهر نفسه حامياً للدين والمذهب، كما جاءت في لافتاته الانتخابية.
ويبدو أن سيناريو خلط الأوراق في الأنبار الذي انتهجه المالكي، نجح، وقطف ثماره، تصويتا كبيراً، لصالح قائمته التي حصلت على 92 مقعداً برلمانيا، وابتعد عن أقرب منافسيه بشكل كبير.
وعلى الرغم من انتهاء الانتخابات، وبدء مشاورات تشكيل الحكومة، فإن الحاجة إلى "أزمة الفلوجة" ما زالت قائمة لدى كثيرين من شركاء الأزمة، وشركاء العملية السياسية أيضا، حيث شنت القوات الحكومية نحو 40 هجوما على المدينة، بغرض استعادة السيطرة عليها.
تسير المشاورات الجارية، الآن، بين مختلف فرقاء العملية السياسية لتشكيل حكومة جديدة، ببطء، فائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي والفائز بالانتخابات، لا يبدو أنه مستعجل على ولادة الحكومة الجديدة، فعلى الرغم من تحفظات أغلب الكتل الفائزة على تمديد ولاية ثالثة لنوري المالكي، فإن ائتلافه أصر على تقديم المالكي مرشحاً لرئاسة الحكومة الجديدة.
في حين لا يبدو أن أطراف القوى الشيعية الأخرى الفائزة بالانتخابات، وتحديداً كتلة المواطن بزعامة عمار الحكيم، وكتلة الأحرار بزعامة مقتدى الصدر، قادرة على أن تباشر مشاوراتها مع بقية الكتل الفائزة، بعيداً عن كتلة المالكي، خصوصاً وأن الأخير، على ما يبدو، يمتلك الكثير من أوراق الضغط على خصومه.
كل المؤشرات تؤكد أن هناك تبايناً واضحاً في الآراء حيال نوري المالكي، مرشحاً لولاية ثالثة، تبايناً داخل البيت الشيعي، امتد، بطريقة أو بأخرى، إلى البيت السني، خصوصاً بعد أن ظهرت آراء تؤكد إمكانية عودة المالكي إلى ولاية ثالثة "في حال استجاب لمطالب المحافظات الست المنتفضة"، بينما ما زال الأكراد عند موقفهم الرافض ولاية ثالثة للمالكي، وكما عبر عن ذلك كفاح محمود، مستشار مسعود البارزاني، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، في تصريح له منشور على موقع الجزيرة نت.
ويبدو تباطؤ المفاوضات، أيضاً، متأتياً من معركة الفلوجة، وما يدور في المدينة، يريد المالكي أن يقدم المدينة قربانا لولايته الثالثة، وهو يشن الهجوم تلو الآخر على الفلوجة، بغرض السيطرة عليها وطرد المسلحين، ومن ثم فرض نفسه على الجميع، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة الذي تمكن من طرد فلول ما يسمى "دولة العراق والشام الإسلامية" التي يدعي المالكي وإعلامه أنها تسيطر على المدينة. في حين تنتظر أطراف أخرى هزيمة المالكي في الفلوجة، من أجل هزيمته في مشاورات تشكيل الحكومة، وخلعه من كرسي الحكم الذي يجلس عليه منذ نحو تسعة أعوام.

الأزمات في العراق يفتعلها في الغالب الساسة وأحزابهم، طالما أنها تخدم أجنداتهم، ولا مكان للوطن، أو المواطن، في حساباتهم، فليست المرة الأولى التي تذهب فيها الفلوجة ضحية تلك الحسابات السياسية، ففي العام 2004، إبان الحرب الأميركية على المدينة، كانت الانتخابات أيضا على الأبواب، والجميع كان يطالب تلك القوات، ومعها الحكومة المؤقتة، بتأجيل الهجوم على المدينة، إلى ما بعد الانتخابات، غير أنهم لم يسمعوا لأحد، وشنوا هجومهم الثاني على المدينة، الامر الذي انعكس على التصويت والمشاركة في الانتخابات في المناطق العربية السنية.
ويؤكد ربط الحكومة الجديدة وتشكيلها بما يجري في الفلوجة من معارك ومحاولات كل طرف من الأطراف المتحاربة هناك، الجيش وثوار العشائر، للسيطرة والاستمكان، يؤكد مجدداً على أن لا أزمة في العراق، إلا وراءها ساسة وأحزاب ومسؤولون، لا أزمة من دون تلك الحسابات الضيقة التي تحكم العراق، وتتحكم برقاب أبنائه، فلقد أفصحت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية عن أرقام مخيفة للنازحين والمهجرين من محافظة الأنبار، وصلت إلى أكثر من مليون شخص، بينهم نحو 70 ألف عائلة من الفلوجة وحدها.
الفلوجة، إذن، أزمة تتسع لتشكيل حكومة، بغض النظر عن معاناة أهلها، فلقد وصل الحال بأهلها إلى أن يبيعوا ما تبقى لهم من متاع منازلهم، من أجل أن يقيموا أودهم، ويضمنوا بقاء أطفالهم على قيد الحياة، بينما لا تزال سلحفاة المصالح السياسية تسير ببطء، على حساب دماء الأبرياء وحياتهم، كعادتها.
 
 
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...