الغنوشي والسبسي... حوار شيخين عن بُعد

28 سبتمبر 2014
قواعد الحزبين ترفض أي تقارب بينهما (فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن الحوار بين زعيم حزب "نداء تونس"، الباجي قايد السبسي، وزعيم حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، بات يشكل معياراً هاماً لقياس حالة الاستقرار في الحياة السياسية التونسية، إذ يجمع متابعون على أهمية الرجلين وتأثيرهما، مستبعدين إمكانية التقارب بينهما في الوقت نفسه.

ويعود الحوار بين "الشيخين"، كما يحلو للتونسيين مناداتهما، بعد فترات من الانقطاع، وإن كان في معظم الأحيان حواراً عن بُعد، على شكل رسائل يوجهها أحدهما إلى الآخر، لتتوالى الردود بينهما على امتداد أيام تشغل الرأي العام في تونس، وتطلق العنان لتأويلات التقارب والتباعد بين الرجلين والحزبين، كما يحدث منذ أيام.

ومن الواضح أن الشيخين نفسيهما يدركان أنهما يمثلان عاملاً مهماً في استقرار الساحة التونسية. وقد سعيا، على امتداد سنوات ما بعد الثورة، لمحاولة الحدّ من الصراع الكبير الذي تقوده حركتاهما بشكل واضح. صراع كاد يؤدي إلى مواجهة سياسية حقيقية، بلغت ذروتها بعد اغتيال مؤسس حزب "التيار الشعبي"، النائب محمد البراهمي.

وبعدما قاد السبسي "جبهة الإنقاذ"، التي كانت تدعو إلى إسقاط حكومة "الترويكا" بقيادة "النهضة"، وحلّ المجلس التأسيسي، لم يُنزع فتيل الصراع بين الطرفين، إلا خلال الحوار الوطني الذي جمع فرقاء الساحة السياسية التونسية، وفي مقدمتهم الشيخان.

وبدأ الخلاف بين "النهضة" والسبسي بعد انتخابات 2011، وسط تسريبات غير رسمية بوجود وعد من "النهضة" بمنح رئاسة الجمهورية للسبسي (الذي كان يرأس الحكومة آنذاك). ولكن دعم "النهضة" لتشكيل المنصف المرزوقي، ائتلاف "الترويكا"، حوّل العلاقة إلى صراع علني مفتوح، ودفع بالسبسي إلى إنشاء حزب جديد هو حركة "نداء تونس".

وعلى الرغم من أن هذا كان العنوان العريض للصراع الذي أخفى كثيراً من الجزئيات والتفاصيل الخلافية، فإن كثيرين توقعوا أكثر من مرة الالتقاء والتحالف بين الحزبين، بدفع من الشيخين، علماً أن قواعدهما الشعبية تعارض هذا التقارب.

وقد بادر الغنوشي، في حوار تلفزيوني، إلى توجيه رسالة إلى السبسي، يدعوه فيها إلى عدم الإنصات إلى "الأصوات المتطرفة" (اليسارية)، داخل حركته، "التي تدعو إلى التفرقة وتقسيم التونسيين"، على حد تعبيره. وجاء رد السبسي بعد فترة طويلة، قبل يومين، لينفي وجود "متطرفين في حركته"، ويؤكد أن "المتطرفين موجودون في حركة النهضة وإن خفتت أصواتهم في الفترة الأخيرة".

كلام رد عليه الغنوشي، بشكل غير مباشر، خلال تقديم حزبه برنامجه الانتخابي، فشدد على أن "النهضة" حزب "ضد الإقصاء وقانون العزل السياسي، وقد منعت قانون تحديد سن المترشحين للرئاسة" (لتمكّن السبسي من خوض الاستحقاق)، داعياً إلى "عدم تقسيم التونسيين تحت عناوين الحداثة/ الرجعية، والإسلاميين/ العلمانيين". عندها أيضاً، سارع السبسي إلى الردّ بأن حركته لن تتحالف مع "النهضة"، إلا إذا أعلنت تنصّلها من جماعة "الإخوان المسلمين".

آخر جولات الحوار بين "الشيخين"، وردت في حوار صحافي للغنوشي، قبل أيام، حين رد على سؤال حول انتهاء "شهر العسل" مع السبسي، بالقول: "لم أتأخر في تلبية دعوته إلى الحوار، وذهبت الى باريس من أجل ذلك، على الرغم من نصيحة كثيرين لي بالعدول عن الفكرة حتى لا يُساء تأويلها".

وأضاف الغنوشي أن "السبسي صديق، ولم يصدر منه ما يسيء إليَّ، وقد أوضح في حواره أنه لم يقصد بعبارة الإسلام السياسي، في خطابه الأخير، حركة النهضة، بل أنصار الشريعة والمتطرفين، وانا سعيد بهذا التوضيح الذي يمنعُ ذوي النفوس المريضة والاستئصاليين من تحريف كلامه واستغلاله لتسميم الأجواء في البلاد".

وفي حين لفت الغنوشي إلى "وجود تباين في بعض المواقف" مع السبسي، إلا أنه أكد أن "العلاقة أساسها الاحترام"، موضحاً أن "جهات عديدة راهنت وتراهن على توتير العلاقات بين الأحزاب والشخصيات الوطنية، أو إخراجها من سياقها، بإثارة شبهات حول صفقات مزعومة مع السبسي ومع الأستاذ (أحمد نجيب) الشابي ومع الرئيس المنصف المرزوقي وغيرهم".

ويرى متابعون أن "هذا الحوار عن بُعد"، سيتواصل بين الرجلين لفترة أخرى، قد تمتد حتى الانتخابات التشريعية، أواخر الشهر المقبل، وستحدد نتائجها شكْل هذا الحوار ومضمونه بالنسبة للرئاسيات، مستبعدين إمكانية التحالف السياسي أو الانتخابي بين الطرفين، بسبب الفروقات الكبيرة بين توجهاتهما، والخلافات المبطنة والمعلنة بين قواعدهما، كذلك تلك الكامنة بين مسؤولي "الصف الثاني" في الحزبين، كما يحدث بين عبد اللطيف المكي، من "النهضة"، ومحسن مرزوق، من "النداء".

لكن إمكانية هذا الالتقاء، بحسب المتابعين، تبقى قائمة في المجلس النيابي المقبل، وخصوصاً بعد دعوة الغنوشي الصريحة والمباشرة إلى تشكيل الحكومة المقبلة، بين "الأحزاب الكبرى"، في إشارة إلى التشارك في إدارة البلاد خلال الفترة المقبلة، وإن كان ذلك مرهوناً بطبيعة النتائج الانتخابية.

المساهمون