العرب يفسدون البناء الأفريقي؟

العرب يفسدون البناء الأفريقي؟

28 يونيو 2014

رؤساء الدول في قمة الاتحاد الافريقي (يونيو 2014/الأناضول)

+ الخط -

ألا يفسد العرب البناء الديمقراطي أفريقياً؟ كثيراً ما تسبب العرب في مشكلات لأفريقيا، نظراً لخلافاتهم وصراعاتهم، سواء البينية أو مع إسرائيل، وألقوا بثقل همومهم على قارة مغلوب على أمرها. ويبدو أنهم يريدون استنساخ تجربتهم "الناجحة" في جعل جامعة الدول العربية جسداً بلا روح، بمحاولة إجهاض بعض إصلاحات الاتحاد الأفريقي التي لم يستقر أمرها بعد.

لا جدال في أن دولاً غير ديمقراطية لا يمكنها، وبأي حال، أن تبني مؤسسات إقليمية تقوم على المبادئ الديمقراطية، كما تؤكد ذلك تجربة الاتحاد الأفريقي. ففي قمة منظمة الوحدة الأفريقية في الجزائر في 1999، أقرت الدول الأفريقية، ولأول مرة، في تاريخ القارة التي تسجل رقماً قياسياً في عدد الانقلابات العسكرية مبدأ رفض الانقلابات وانتقال السلطة بطرق غير مشروعة. طبعاً، بالنظر للإرث الثقيل للقارة في هذا المجال، يعبر الإقرار بهذا المبدأ عن تحول تاريخيٍ في مقاربة الأفارقة للحكم ولبناء الدولة، حتى وإن كانت جل أنظمة دول أفريقيا (عرفت نحو 100 انقلاب منذ 1952) التي أقرته خرجت من رحم الانقلابات العسكرية. ومن ثم، تولي المقاربة الجديدة وجهها نحو المستقبل، مع العفو عما سبق، واشتراط عدم العودة إلى ممارسات الماضي.

وعلى أساس هذا المبدأ، أدانت المنظمة الأفريقية الانقلاب العسكري في جزر القمر ورفضته، وتم بعدها تكريس هذا المبدأ في الميثاق التأسيسي للاتحاد الأفريقي، الموقع عليه في يوليو/تموز 2000، ليصبح من المبادئ التي تأسس عليها الاتحاد، حيث جاء في المادة الرابعة من هذا الميثاق: "إدانة ورفض التغييرات غير الدستورية". وتطبيقاً لهذا المبدأ، جمد الاتحاد الأفريقي عضوية خمس دول: موريتانيا وغينيا ومدغشقر ومالي ومصر، مشترطاً عودة الشرعية الدستورية عبر تنظيم انتخابات ديمقراطية.

وتعزيزاً لمبادئ الديمقراطية قارياً، تبنى الاتحاد "الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد" في 2007. ولم يدخل هذا الميثاق حيز التنفيذ إلا في فبراير/شباط 2012 بسبب مماطلة الدول الافريقية في التصديق عليه. ويمنع هذا الميثاق من قادوا الانقلابات تولي مناصب سياسية، والترشح للانتخابات. حيث ينص في مادته 25 (فقرة 4) على أنه "لا يجوز لمرتكبي التغيير بطرق غير دستورية المشاركة في الانتخابات السياسية التي تجري لاستعادة النظام الديمقراطي، أو تولي مناصب المسؤولية في المؤسسات السياسية للدولة". وينص في فقرته الخامسة من المادة نفسها على أنه يمكن إحالة من قاموا بتغيير غير دستوري إلى القضاء المختص للاتحاد الأفريقي.

وبما أن الرئيس الموريتاني الحالي، محمد ولد عبد العزيز، قاد انقلاباً عسكرياً ليُنظم بعده انتخاباتٍ على المقاس لتولي الحكم لم تطاله أحكام هذه المادة، لأن الميثاق لم يدخل حيز التنفيذ بعد، كان من المفروض أن تطال الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، الذي قاد انقلاباً عسكرياً، ونظم هو الآخر انتخابات على المقاس لتولي الحكم (لو أن الانقلابيين نظموا انتخابات على المقاس، ورشحوا شخصاً غير قائد الانقلاب، لعادت مصر إلى الاتحاد الافريقي من الباب الواسع، عملاً بقواعد الاتحاد). إلا أن الاتحاد الأفريقي رفع تعليق عضوية مصر، ليزكّي بذلك ليس فقط الانقلاب العسكري، منتهكاً المادة الرابعة من ميثاقه التأسيسي، بل وليزكّي، أيضاً، انتخاباتٍ محسومة النتيجة سلفاً، منتهكاً بذلك المادة 25 (فقرة 4) من الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد.

لكن، لماذا غيّر الاتحاد الأفريقي موقفه من مصر، منتهكاً المبادئ التي يقوم عليها، ويقول بها، ملحقاً الضرر بمصداقيته؟ أولاً: لا يمكن لدول غير ديمقراطية محلياً أن تبني مؤسسات ديمقراطية إقليمياً، ففاقد الشيء لا يعطيه. ثانياً: التوافق الإستراتيجي بين قوى عربية على مواجهة رياح التغيير في المنطقة العربية، بدعوى محاربة الإسلاميين والإرهاب. حيث تستفيد مصر الانقلابية من مساندةٍ مشرقيةٍ، تتمثل في بعض دول الخليج، وبالتحديد السعودية والإمارات التي تستغل قوتها المالية لـ "شراء الذمم" افريقياً، ومساندة مغاربية تتمثل في الجزائر التي تذرعت بالاتحاد الأفريقي، لتبرير موقفها من الانتفاضة في ليبيا، لكنها لعبت دوراً مؤثراً لرفع الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية مصر، حيث استثمرت نفوذها السياسي في القارة لاستمالة دول افريقية، لدعم عودة مصر الانقلابية إلى الاتحاد، ضاربة عرض الحائط المبادئ التي يسعى الاتحاد إلى تكريسها. هكذا ذهبت الجهود الافريقية، لأزيد من عقد، لإرساء المبادئ الديمقراطية في القارة أدراج الرياح.

بسبب هذا النفوذ المزدوج العربي-الآسيوي (الخليجي) والعربي-الافريقي (الجزائر)، فضلاً عن الاعتبارات الأفريقية، ينتهك الاتحاد الأفريقي مبادئه المؤسسة. وفي هذا سابقة خطيرة على أكثر من صعيد، فهذا الموقف يشجع كل من ينوي الانقلاب على الحكم المنتخب، أو على الحكم الانقلابي أصلاً، على تنفيذ نواياه. ويثبت أن الاحتكام إلى القوة في دول القارة يبقى سيد الموقف، وأنه لا يمكن لدول المنطقة أن تعيب، أو تلوم غيرها. كما أن الإقرار بالمبادئ الديمقراطية نصاً، وعدم العمل بها في الحياة اليومية على مستوى الاتحاد الافريقي، ما هو إلا استنساخ على المستوى الإقليمي لديمقراطية الواجهة المتجذرة محلياً.

بالطبع، تستفيد أنظمة افريقية من هذه الانتكاسة الديمقراطية، على مستوى المبادئ، لكن الأفارقة يخسرون ديمقراطياً بفقدانهم هذا الكابح، الناشئ، للاستحواذ على السلطة بالقوة، ويكونون، بالتالي، ضحايا صراعاتٍ عربيةٍ بينيةٍ، لا ناقة ولا جمل لهم فيها. وتصبح إفريقيا مسرحاً لتجليات صراعات عربيةٍ بينيةٍ، يبقى أحد مصادرها عدم الحسم في العلاقة بين المدنس والمقدس، بالاحتكام إلى الديمقراطية، لا إلى الأيديولوجية الدينية (سواء الرسمية أو المعارضة، ولا إلى الأيديولوجية العسكرية. وهذا ما يزيد إشكالية العلاقة بين المدني والعسكري، عربياً وأفريقياً، تعقيداً.