السرطان والترياقُ السُّوريّ

السرطان والترياقُ السُّوريّ

30 مارس 2016
+ الخط -
يمكن أن يصبح المرضُ عادة يومية، تنتشر في الأجساد التي أنهكتها الآلام منذ زمن، فأصبحت لا تفرّق بين الآلام وزمان حدوثها، فالجسم الضعيف يملكُ أبواباً مفتوحة دوماً لشتى الأمراض.
الجسد السوري هو المريض الذي سأعاينه اليوم في موضوعي، سأكشف عن آلامه التي حلّت به، وربّما أجد العلاج لهذا الجسد الذي أعياه طريق الحرية.
كان المريض يقبع في زنزانةٍ ذات قضبان غير مرئية، فالنظام السوري كان حريصاً على إخفاء الاستعباد الذي يُمارسه على هذا الشعب قدر المستطاع، وعلى الرغم من أنّه أفلح في ذلك سنين عديدة، إلا أنّ الشعب السوري هو الوحيد الذي يرى ذلك الظلم جليّاً في حياته اليومية.
لا تخفى على أحد حملات الاعتقال التي كان يقوم بها النظام بحقّ أبناء هذا الشعب، ممّن يحمل فكراً سياسياً أو دينياً أو لأسباب أخرى في قاموس النظام الخفيّ عن الشعب.
لم تكن الثورة السورية مفاجئة لفئاتٍ كثيرة من الشعب، خلافاً للمفاجأة الكبيرة التي أذهلت العالم كله، والتي لم يجدوا لها تفسيراً في البداية، لظنّهم أنّ هذا الشعب يعيش في حالة وفاق وتلاحم مع القيادة الموجودة والجهات الأمنية العاملة في الدولة.
هي ثورة إذاً، تلك التي شهدت فصولاً ومواقف عديدة، حيث أنّ أبناءها تداعوا لها بسلميّةِ وطهارة كما قلوبهم، بيدَ أنّ النّظام كان له كلامٌ وردود أخرى، ساهمت، بشكل تدريجي، بتغيير أسلوب أبناء الثورة في تحقيق مطالبهم والمضيّ في طريق حرّيتهم.
أصبحت المعركة عسكريةً بامتياز بين النظام وفصائل كثيرة مقاتلة تشكلت من أطياف ذلك الشعب المكلوم، وكما كلّ حربٍ كان لها خسارات وانتصارات، آمال وآلام، وبقيت الثورة...
عند حدوث الضجيج، يُمكنُ لأي شخص أن يتكلّم من دون أن يلاحظه أحد، وهذا ما فعلته تنظيمات مقاتلة للدخول إلى هذه الأرض، وبناء هيكلها وتشكيلاتها، لتكون منطلقاً جديداً لها لتحقيق أهدافها التي تحطّم في كلّ بلدٍ تذهبُ إليه.
"داعش" ذلك الرجل الصامت الذي استغلّ كل هذا الضجيج، فكان يعيش هدوءاً أكسبه الوقت لترسيخ أساساته وتدعيم ركائزه في المنطقة، الركائز التي اعتمدت في غرسها على شعارات تجذب الشباب الثائر، والذي يغار على دينه وأمته المسلمة. لذا، أكسبها ذلك قوّة جذب كبيرة، إضافة إلى الخبرات والإمكانات التي يملكها العناصر القدماء بحكم خوضهم معارك عديدة في الشيشان وأفغانستان والعراق وأخيراً في سورية.
عمل "داعش" على مهاجمة المناطق النفطية في سورية والعراق، لتجعل لها قوة مالية تُساعدها في تغطية تكاليف المعارك التي تخوضها ضدّ أعدائها من جهة، وحرمان الخصوم بعض الإمكانات المالية التي يعتمد عليها في اقتصاده.
بعدها عمد "داعش" إلى مهاجمة الطرف المنتصر من كل معركة (سيكون منهكاً وإن كان منتصراً)، لتحسم المعركة لمصلحتها، وهذا ما لاحظناه من الغدر الذي مارسه "داعش" في الشمال السوري، وحديثاً ما يحدث في الجنوب السوري من غدر لمجموعات داعش المنتشرة هناك بحقّ الفصائل الجنوبية.
وفي المناطق الخارجة عن سيطرتها، شكل "داعش" خلايا نائمة له، مهمّتها أن تحضّر الأرضية المناسبة لهذا الكيان أن يدخل تلك المناطق بشكل مباغت لساكنيها. وبهذا ضمّ مساحات واسعة من الأراضي السورية على وجه الخصوص، ووصلها بمناطق نفوذها في العراق.
ساعد هذا كله "داعش" لتكون رقماً صعباً في المعادلات السياسية واتفاقات الدول الكبرى لمستقبل المنطقة.
الجسد السوري اليوم ممتلئ بأورام داعشية، حالت بينه وبين حريّته، ليغدو ضعيفاً غير قادرٍ على مواجهة أي عدوّ جديد، فالبطل المُثخن بالجراح يمكن لطعنة جبانٍ أن تقتله، لذا يجب العمل على جمع القوى التي أخلصت له، وعملت على دفع الأذى عنه في بوتقةٍ واحدة، وتوجيه العمل لاجتثاث الأورام الداعشية، واحدة تلوَ الأخرى، والحفاظ على تماسك بقية الجبهات، وإعادة البناء الفكري للشعب السوريّ في كلّ المناطق، خصوصاً التي كانت تحت سيطرة داعش، وغسل العقول التي تلطخت بالأفكار الداعشية، وإبدالها بأفكار الإسلام الحقيقيّ وتعاليمه، إضافة إلى العمل على بناء نواة واحدة للثورة تجمع التشكيلات السياسية والعسكرية كافة، وترسيخ التوافق فيما بينها، ورصّ الصفوف فيما بينها، لمنع دخول أي تدخلات أو تجاوزات لأي طرفٍ.
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
C741516E-C8ED-4D4F-BB6F-58114ABA9CAD
أيهم أبا زيد (سورية)
أيهم أبا زيد (سورية)