الحاجة لقرار فلسطيني مستقل

15 ديسمبر 2017
+ الخط -
بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، تتسارع ردود الفعل الشاجبة من كل حدبٍ وصوب. في الشرق الأوسط، يمتلئ المشهد السياسي والإعلامي بأصحاب الدعوات إلى الرد على هذه "الصفعة" الأميركية. لكن هل يمكن للفلسطينيين أن يأملوا ببلورة رد سياسي وشعبي موحد، يؤكدون بواسطته أن استعادة حقوقهم ليست وهماً، وأن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، لا تزال ممكنة؟
ثمّة قناعة لدى أوساط فلسطينية وعربية ودولية واسعة بأن الدفاع عن القضية، والمواجهة من أجل انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، كانا ويكونان في أفضل وضع ممكن، إذا حافظت القيادة السياسية الفلسطينية على قرارها الوطني المستقل. وحدها الاستقلالية مكّنت منظمة التحرير الفلسطينية من العودة إلى الداخل، ومن التحرّك والمناورة والنضال، انطلاقاً من أرضٍ لها سيادة، ولو منقوصة، عليها، بدلاً من الاتكال على أنظمة عربية وإقليمية عاجزة، أو متاجرة بالقضية الفلسطينية. وحدها الاستقلالية إذاً تعطي الفلسطينيين أملاً ولو ضئيلاً في إمكانية تعطيل مفاعيل القرار الأميركي، ومنع فرض أمر واقع جديد عليهم. وأمام الفلسطينيين فرصة، تكاد تكون تاريخية، تتمثل في الإجماع الدولي الواسع ضد قرار الإدارة الأميركية بشأن القدس. صحيح أن التفريط بهذا الإجماع سيكون بمثابة خطأ لا يغتفر، لكن يتوجب الضغط على الدول التي أعلنت رفضها القرار، لا سيما فرنسا، لكي تنتقل من الإدانات الكلامية إلى أفعال ملموسة، في مقدمتها الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومسار السلام، رداً على قرار ترامب.
وإنْ كان مطلوباً من الفصائل الفلسطينية أن تتجرأ وترفض وتوقف تدخلاتٍ خارجيةٍ في شؤون 
المقاومة ضد الاحتلال، وضد الدعم الأميركي الأعمى لسياسات هذا الاحتلال، فإنّ المطلوب من جميع اللاعبين الإقليميين احترام حاجة الفلسطينيين الدائمة للاستقلالية، والكف عن التدخل في شؤونهم، وعن استخدام قضيتهم ورقة لصالح أجندات أخرى.
ولعل إيران المستهدف الأول في هذه الدعوة، فبدلاً من أن يحترم النظام الإيراني القرار الوطني الفلسطيني المستقل، يقوم، عبر وسائل إعلامه وحلفائه في الإقليم، باستغلال النقمة الشعبية، ويراهن على انجذاب شعبي تلقائي نحو سقف سياسي مرتفع، أعلى من الذي ستلتزم به السلطة في رام الله ومنظمة التحرير. وفجأةً، في هذا السياق، تحوّل جنوب لبنان إلى صندوق بريد، لتوجيه رسالة عن جهوزية عسكرية تحت راية جهادٍ يُدار من إيران، ويربط بين زوال دولة الاحتلال الإسرائيلي وقيام "دولة الإسلام" ونظام ولاية الفقيه. ولا تبدو دوافع هذا التصرف مرتبطةً بمصلحة القضية الفلسطينية، بقدر ما هي مرتبطة بهيبة إيران المبنية على ميثولوجيا الانتصارات، فنظام هذا البلد، بواسطة "الحرس الثوري" وتحديداً "فيلق القدس"، حقق انتصارات عسكرية ضد "داعش"، وضد معارضي النظام السوري. وقد يجد قادة إيران، بالتالي، أن تلك الهيبة هي المستهدفة بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لأن الجمهور الفلسطيني والعربي سيتساءل كيف تنتقل واشنطن إلى جولة جديدة من جولات استباحة القدس وأرض فلسطين، في زمن انتصارات "فيلق القدس" في الإقليم؟ لذلك، يبدو استعراض القوة، في الإعلام، ومن جنوب لبنان، محكوماً بحساباتٍ إيرانيةٍ بحتة قد تقود إلى مجازفة، مع أن لتصرفٍ كهذا تبعات سياسية على الساحة الفلسطينية الداخلية. فمن شأنه أن يحرج القيادة الفلسطينية، وأن يفشل مساعي الفصائل لصياغة رد موحد على سياسة ترامب، في إطار إنهاء الانقسام واستكمال المصالحة، مع أن إيران قادرة على المساهمة في تشجيع الفلسطينيين على تعزيز وحدتهم واستقلاليتهم، ومساندتهم بما يتوافقون عليه للمواجهة، من دون أي تدخلاتٍ في شؤونهم.