التونسيون والانتخابات .. من الحماس إلى الحيرة

التونسيون والانتخابات .. من الحماس إلى الحيرة

27 يوليو 2014

تونسي يسجل اسمه في سجل الناخبين (يوليو/ 2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

أخيراً، اضطرت الهيئة المستقلة للانتخابات في تونس إلى التمديد، في آجال نهاية تسجيل الناخبين، لأن نسبة الذين سجلوا من التونسيين بقيت ضعيفة، ولم تتجاوز ربع المواطنين الذين لم ينتخبوا يوم 23 أكتوبر/تشرين أول 2011. وهذا الإقبال المحدود دفع بمجلس الحوار الوطني إلى الانعقاد، أكثر من مرة، وتقدم، أخيراً، بتوصية ألح فيها على ضرورة تمكين التونسيين من فرصة إضافية، عساهم يدركوا أهمية المحطة التي تنتظرهم، بعد أشهر قليلة، وتتعلق بانتخاب برلمان ورئيس جديد للبلاد.
ويتعلق السؤال الذي شغل الجميع في تونس بالأسباب التي تقف وراء عزوف قطاع واسع من التونسيين، عن إبداء الرغبة، أو الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المقبلة التي ستكون حاسمة، نظراً لأنها ستنهي وضعية المؤقت، وستبني مؤسسات دائمة ومستقرة.
من الواضح أن عموم التونسيين أصيبوا بخيبة أمل في نخبتهم السياسية التي سيطرت على المشهد بعد الثورة، وملأت الساحات ووسائل الإعلام بأصواتها ووعودها واحتجاجاتها. وعلى الرغم من جعجعتها، إلا أن الحصاد كان ولا يزال ضعيفاً. فأحزاب الترويكا أضعفتها تجربة الحكم، بما في ذلك حركة النهضة، التي على الرغم من محافظتها على قاعدة انتخابية مهمة، إلا أنها أصبحت مثار شك ورفض جزء آخر من التونسيين الذين سبق وأن منحوا أصواتهم، لكنهم، الآن، لا يخفون تأكيدهم بأنهم لا ينوون تكرار ذلك في الانتخابات المقبلة.
وبالنسبة لبقية الأحزاب، بما في ذلك حزب نداء تونس، يصعب حالياً القول إنها كسبت ثقة أغلب التونسيين، على الرغم من الإشارات المتكررة التي ترسلها استطلاعات الرأي المتتالية. صحيح أن هذه الأحزاب تعتبر المستفيدة من فشل منافسيها الذين أساءوا اختيار التوقيت المناسب لمزاولة السلطة، غير أنه، عملياً، لا تزال هذه الأحزاب تحتاج إلى توفير شروط أخرى، لضمان ثقة التونسيين في قدرتها على توفير البدائل المقنعة لناخبين، يريدون حلولاً عاجلة لمشكلاتهم المزمنة.
التمديد في عملية تسجيل الناخبين قد يسمح بإضافة عدد آخر من المواطنين، لكنه من المستبعد أن يغير شيئاً كثيراً في ميزان القوى الانتخابي. فالتونسيون مشغولون أصلاً بعيد الفطر، وبحرارة الصيف، والتفكير في العودة المدرسية التي ستلتهم ما تبقى من ميزانية العائلة، إلى جانب ارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة الدينار.
لا أحد يمكنه أن يتنبأ بسلوك التونسيين الانتخابي. فالمؤكد أن الحماس السابق الذي عكسته الانتخابات السابقة قد تراجع كثيراً. كانت تلك لحظة أمل استثنائية في مسيرة شعبٍ، يريد أن يبني مستقبلاً مغايراً. أما اليوم، فإن الواقعية السياسية تفرض نفسها على الجميع. ومن أبرز المخاطر التي تشغل أذهان الجميع تتمحور حول السؤال: هل إن الذين يقفون وراء الأحداث الإرهابية التي هزت البلاد، في أكثر من مناسبة، كان آخرها ما وقع في مطلع شهر رمضان، سيتركون المواعيد الانتخابية المقبلة تمر بسلام، أم أن جهودهم ستتكثف من أجل إجهاض هذه الخطوة الحاسمة في مسار الانتقال السياسي؟
 يقول الأصوليون ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهو قول ينطبق على المرحلة الراهنة التي تمر بها تونس. لقد أجمعت كل القوى السياسية والمدنية على القول بضرورة قيام وحدة وطنية صلبة لحماية الانتخابات المقبلة، لأنه، من دون ذلك، فإن المسار الانتقالي برمته مهدد بالانهيار الكامل، وهو انهيار إذا ما حصل، لا قدر الله، فلن يخلف وراءه إلا المجهول.       

 

 

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس