التطوير الشكلي لأقسام الشرطة المصرية: مناورة لتبييض السمعة

التطوير الشكلي لأقسام الشرطة المصرية: مناورة لتبييض السمعة

02 يوليو 2020
يتعرّض السجناء لانتهاكات عدة من قبل الشرطة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت وزارة الداخلية المصرية، الأحد الماضي، عما سمّته خطة تطوير أقسام الشرطة، وحددت أربع محافظات هي القاهرة والجيزة والإسكندرية وجنوب سيناء لهذه الخطة، مشيرة إلى أنّ التطوير سيشمل جميع أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية في المستقبل، وأنه يأتي بالتزامن مع ذكرى 30 يونيو/ حزيران، السابعة. ووفق مراقبين حقوقيين، فإنّ هذا التطوير هو شكلي فقط، ولا يشمل إجراء أي تحديث أو تغيير في السياسات والانتهاكات الممنهجة داخل هذه الأقسام، التي كثيراً ما شهدت تعذيباً لمواطنين، لا بل قُتل بعض المتهمين داخلها.

وخلال ست سنوات هي فترة حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى حد الآن، شهدت أقسام الشرطة انتهاكات عديدة. فخلال عامه الأول، 2014، أكد تقرير لـ"المجلس القومي لحقوق الإنسان" عام 2016 عن الانتهاكات التي تمارَس ضد المحتجزين في مراكز الاحتجاز، وفاة عشرات الموجودين رهن التحقيق في هذه المراكز وأقسام الشرطة، موضحاً أنّ وزارة الداخلية نفسها أعلنت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014، أنّ عدد الضحايا هو 36، إلا أنّ أرقام جمعيات حقوق الإنسان رجّحت أنّ الرقم ما بين 80 و98. وأكّد التقرير أيضاً تعرّض العديد من السجناء لاعتداءات لفظية وجسدية من قبل أفراد الشرطة، فضلاً عن العديد من الانتهاكات التي يتعرضون لها بما يمسّ حقوقهم، لافتاً إلى أنّ "ظاهرة الوفيات داخل أماكن الاحتجاز التي كانت قد اختفت تماماً، عادت مرة أخرى". ورصد التقرير أبرز هذه الانتهاكات، ومنها في قسم المطرية بمحافظة القاهرة، الذي يشتهر بـ"السلخانة" نظراً لكثرة حالات الوفيات والتعذيب داخله، حيث شهد في 26 فبراير/ شباط 2015 وفاة الشاب مصطفى إبراهيم محمود (28 عاماً)، بعد تعرضه للتعذيب داخل القسم، وهو سجين جنائي.


شهدت أقسام الشرطة انتهاكات عديدة خلال فترة حكم السيسي

وفي 25 فبراير 2015، توفي داخل القسم نفسه محامٍ يدعى كريم حمدي، وذلك بعد 48 ساعة من القبض عليه بزعم مشاركته في تظاهرات معارضة للنظام الحالي. وقد أكدت أسرته وجود آثار تعذيب وضرب على جثمانه، منها كسور بكفه وتورم في وجهه وجروح برأسه. وفي 25 فبراير 2015 كذلك، توفي المعتقل عماد أحمد العطار (42 عاماً)، إثر تعرضه للتعذيب داخل قسم المطرية.

كذلك، توفي 4 متهمين خلال شهر واحد عام 2015 داخل قسم دار السلام بالقاهرة، وحينها قامت لجنة الطب الوقائي بفحص الاشتراطات الصحية داخله، لتجد أن 35 متهماً يقبعون في حجرة فيما حجرة أخرى فيها 12 متهماً، ونصيب الفرد من المساحة نصف متر تقريباً، والحمامات الموجودة غير صالحة للاستخدام، ومصدر لانتقال الجراثيم والعدوى بين المحتجزين، فضلاً عن تعطل المراوح فيما الشفاطات تعمل بصورة غير منتظمة، والشبابيك مسدودة بالأتربة، ونسب الأوكسجين في الحجر غير مطابقة للمعدل الطبيعي.

وفي 29 مارس/ آذار 2015، توفي متهم داخل قسم شرطة الهرم، واتهم أهالي المتوفى ضباط القسم بتعذيبه حتى الموت لإجباره على الاعتراف بالاتجار بالمخدرات، في حين قالت الشرطة إنّ المتهم ابتلع لفافة حشيش أدت لوفاته. وكان قد توفي في التاريخ نفسه متهم آخر بقسم عين شمس بالقاهرة.

وفي 9 إبريل/ نيسان 2015، توفي متهم داخل قسم شرطة بولاق الدكرور، فيما توفي متهم آخر في 15 إبريل بقسم شرطة مصر القديمة بالقاهرة.

وفي العام 2014، وتحديداً في إبريل 2014، توفي المتهم محمد السيد عبد الفتاح داخل مركز شرطة كرداسة، وأرجع تقرير الطب الشرعي سبب الوفاة لتعرض المتهم لإصابات عدة بعموم الجسم والرأس، فضلاً عن كسور بالأضلاع ونزيف بعموم الأنسجة بالجسم، بسبب الركل بالأيدي والأقدام، والضرب بماسورة بلاستيكية أو جسم صلب.

وفي 4 أغسطس/ آب 2014، لفظ شاب أنفاسه الأخيرة داخل قسم شرطة أول أكتوبر، أثناء قضائه مدة الحبس الاحتياطي، وقبلها بيوم توفي متهم داخل قسم شرطة المعادي، بعد إصابته بغيبوبة جراء مرض السكر، فيما تأخر ضباط القسم في إسعافه ليفارق الحياة نتيجة الإهمال. وفي 6 أغسطس 2014، توفي متهم بقضية "خلافات جيرة" أثناء تجديد حبسه بسبب توقف عضلة القلب، وقد تعرض للإعياء داخل قفص الاتهام بقسم شرطة تابع للمطرية بالقاهرة، نقل على أثره لمستشفى منشية البكري، ليفارق الحياة قبل أن يصل. وفي اليوم نفسه، قام أحد ضباط الشرطة بمركز أبو المطامير بمعاونة بعض الأمناء بضرب متهم بوحشية، كاد على أثرها أن يفقد حياته، لينتقل من القسم إلى المستشفى مصاباً بشلل نصفي أفقده السيطرة على الجزء الأسفل من جسده.

من جهتها، نظرت بعض المحاكم في مصر في دعاوى قضائية بحق بعض المسؤولين الأمنيين بتهمة ممارسة التعذيب وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. ففي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أيّدت محكمة النقض، وهي أعلى محكمة جنائية للمدنيين في مصر، حكماً على أحد ضباط الشرطة بالسجن المشدد 7 سنوات، فضلاً عن السجن 3 سنوات لـ5 أمناء شرطة آخرين لتعذيبهم مواطناً حتى الموت داخل أحد أقسام الشرطة. كما قضت بتغريم وزير الداخلية بـ1.5 مليون جنيه (نحو 93 ألف دولار)، تمّ دفعها غرامة لأسرة الضحية كتعويض عن عدم قيام وزارة الداخلية بمنع هذه الانتهاكات. ويُعَدّ هذا الحكم واحداً من عدة أحكام قضائية نهائية غير قابلة للطعن صدرت ضدّ ضباط في الشرطة، على خلفية اتهامهم بممارسة التعذيب وغير ذلك من أشكال سوء المعاملة للموقوفين، بما يتسبب بإصابتهم بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة. كذلك تنظر المحاكم المدنية في آلاف الدعاوى المرفوعة ضد وزارة الداخلية للمطالبة بالتعويض لإغفالها عن وقائع التعذيب أو سماحها بحدوثها.


تعرّض العديد من السجناء لاعتداءات من قبل أفراد الشرطة أدت في بعض الأحيان للوفاة

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أحالت نيابة حوادث جنوب الجيزة 8 ضباط شرطة إلى محكمة الجنايات بتهمة اغتصاب شاب وتعذيبه حتى الموت، عندما كانوا يمارسون الضغوط عليه للاعتراف بارتكاب جريمة قتل وسرقة. ونسبت النيابة للمتهمين في القضية، تهم حجز الموقوف بطريقة غير قانونية من 13 فبراير إلى 6 مارس 2017، وتعريضه للتعذيب لحمله على الاعتراف بارتكاب الجريمة، إذ قيّدوه وعلّقوه وضربوه باستخدام عصي وصواعق كهربائية، وجرّدوه من ملابسه، وتسببوا له بإصابات أودت بحياته. وكان بين المدّعى عليهم كبير المحققين في قسم شرطة الهرم، وكبير التحريين، وثلاثة معاوني مباحث، وأمينا شرطة، وقد اتُّهِموا جميعاً باغتصاب الشاب الموقوف وضربه حتى الموت.

وفي 22 مارس 2017، قضت محكمة جنايات الجيزة بمعاقبة معاون مباحث بالسجن 5 سنوات ونائب مأمور بالحبس سنة، و4 أمناء شرطة "سابقين" بالحبس لمدة 3 سنوات، بتهمة الاحتجاز غير القانوني للمحاسب سعد سعيد وتعذيبه حتى الموت، داخل قسم شرطة الجيزة. ومن المقرر أن يتم تأييد هذه الأحكام بعد الاستئناف والطعن بها.

وفي 23 مايو/ أيار 2017، رفضت محكمة النقض الطعن المقدَّم من ضابطَين وأمينَي شرطة أدينوا بالسجن 3 سنوات في قضية تعذيب محتجز بقسم السيدة زينب بالقاهرة، بعدما تمت إدانتهم بضربه وسحله وتعذيبه حتى فارق الحياة داخل الحجز، وذلك بعد تدخّل الشرطة لفض مشاجرة بالقوة بين المحتجزين. وفي 12 فبراير 2017، رفضت محكمة النقض الطعن المقدَّم من ضابط شرطة صدر ضده حكم بالسجن 5 سنوات، بتهمة تعذيب المواطن السيد الكسبري حتى الموت بمركز شرطة رشيد بمحافظة البحيرة. فعندما طلب الكسبري من الضابط أن يُريه إذن النيابة الذي يخوّله وعناصر شرطة آخرين دخول وكالة السيارات المملوكة منه، اعتدوا عليه، ونزعوا ملابسه، وسحلوه، ثم اقتادوه إلى الزنزانة حيث توفي.

وكانت منظمة "العفو الدولية" قد وصفت في أغسطس 2019 التعذيب في مصر "بالكابوس"، الذي تتنوع وسائله ما بين التعذيب الجسدي بشكل مباشر، مثل: الضرب والصعق بالكهرباء والتعليق من اليدين أو القدمين، أو بشكل غير مباشر، مثل: الحرمان من تناول الطعام أو من النوم أو من الزيارة أو الحبس الانفرادي لفترات طويلة، أو التهديد بخطف وتعذيب أفراد الأسرة.


وصفت منظمة "العفو الدولية"  التعذيب في مصر "بالكابوس"

ووثّقت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" خلال عام 2016، 830 حالة تعذيب، من بينها 159 واقعة تعذيب في أقسام الشرطة، و101 حالة تعذيب في مقر جهاز أمن الدولة الذي تديره وزارة الداخلية، إضافة إلى 35 واقعة بمعسكرات قوات الأمن، و6 وقائع في المؤسسات العقابية. ومثّل الطلاب النسبة الأكبر من ضحايا التعذيب، الذي شمل أيضاً 115 حالة كانت من نصيب المهنيين من معلمين ومهندسين وأطباء وإعلاميين ومحامين. ولم تقتصر الانتهاكات على التعذيب فقط، وإنما شملت أيضاً الإهمال الطبي، إذ ترفض إدارات السجون طلبات العلاج الطبي لسجناء يعانون من أمراض السرطان والقلب والسكري، وهو ما أدى إلى وفاة العشرات منهم، وذلك كله في ظلّ غياب التفتيش القضائي على مراكز الحجز.

تلك بعض الانتهاكات التي حدثت داخل أقسام الشرطة المصرية التي زادت ميزانيتها من أموال المصريين هذا العام حوالي 8 مليارات جنيه عن العام الماضي، إذ وافق البرلمان أخيراً على موازنة وزارة الداخلية والقطاعات التابعة لها للعام المالي الجديد 2020/ 2021، والتي بلغت 59.8 مليار جنيه، مقابل 51.5 مليار جنيه في موازنة العام 2019/ 2020، بينما خصص للشرطة المصرية وفق موازنة "مصلحة الأمن والشرطة" مبلغ 36 مليار جنيه.