البروباغندا السعودية الإماراتية: ابتزاز وشتائم وتزوير

"تويتر" في السعودية (فايز نور الدين/فرانس برس)
25 يوليو 2020
+ الخط -

في ظل الهجمة التي تشنّها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على البلاد المناوئة لمشروعهما والشعوب والتنظيمات والمجتمعات المدنية التي تعارض سعيهما إلى إنهاء وجود الثقافة الديموقراطية في دول عربية وإقليمية عدة، يعتبر الإعلام والعلاقات العامة أحد أهم أسلحتهما وأبرزها.

وقد نظم المسؤولون السعوديون والإماراتيون استراتيجية كاملة في العلاقات العامة والإعلام استهدفت دولاً ومنظمات وأفراداً، لابتزازهم أو تشويه صورتهم وإسقاطهم من الوعي الشعبي عبر وصمهم بالإرهاب تارة أو اتهامهم بالسعي إلى "تخريب البلدان العربية الآمنة" تارة أخرى.

وتنوّعت هذه الاستراتيجيات بين اختراق المواقع ووكالات أنباء إخبارية إلكترونية كما حدث مع "وكالة الأنباء القطرية" (قنا) عام 2017 التي استخدمتها الرياض وأبوظبي عذراً لإطلاق حملة حصار دولة قطر والتصعيد السياسي الذي رافقها، وتأسيس مليشيات إلكترونية، والتلاعب بترجمات الدراسات السياسية التي تعدها مراكز الأبحاث العالمية، وتمويل إعلاميين ومغردين خليجيين وتجنيدهم لشتم جهات معينة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعد المليشيات الإلكترونية، المعروفة بـ "الذباب الإلكتروني"، أبرز هذه الاستراتيجيات التي تتبع بشكل مباشر "الديوان الملكي" السعودي، ويتولى إدارتها وتنظيمها المستشار السابق فيه سعود القحطاني الذي أقيل من منصبه، إثر جريمة قتل الصحافي السعودي والكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018.

وبينما كان الغرض من المليشيات الإلكترونية، في بداية نشأتها، إخفاء الانتقادات الداخلية السعودية التي سيطرت على وسائل التواصل الاجتماعي في زمن العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، والمطالبة برفع الرواتب وتحسين الأجور في البلد الذي يسبح فوق بحر من النفط، تحولت نحو مهاجمة الناشطين الحقوقيين والمعارضين السعوديين، وحتى العاملين في القنوات الإخبارية التي لا توافق نهج المملكة السياسي.

تركز حسابات الذباب الإلكتروني السعودية على تشويه سمعة المعارضين والناشطين الحقوقيين

وركزت هذه المليشيات الإلكترونية على محاولة تتبع الحياة الشخصية لمذيعي قناة "الجزيرة" القطرية أو الناشطين المعارضين للنظام السعودي، إضافة إلى مشاركتها في الهجوم على رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، في حملة وُصفت بالمضحكة، بعد تحالفها مع اليمين الكندي. كذلك أيّدت المليشيات الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب، وحاولت إسقاط القضية الفلسطينية من محيطها العربي بالتوازي مع سياسات السعودية الخارجية في المنطقة.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وتملك الإمارات العربية المتحدة "ذباباً إلكترونياً" خاصاً بها، يركز غالباً على اهتمامات ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن زايد التي تستهدف التدين الإسلامي التقليدي و"جماعة الإخوان المسلمين" والمعارضة الإماراتية في الخارج، والشأن الأهم، وهو التدخل المصري في ليبيا وانتقاد الدور التركي في حماية حكومة الوفاق المعترف بها دولياً.

لكن هذا لا يعد النشاط الإلكتروني الوحيد للسعودية والإمارات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتمثل النشاط الآخر في مغردين رسميين ومشاهير من كلا البلدين يتبعان بشكل مباشر الجهات الحكومية الرسمية، أي "الديوان الملكي" في السعودية ومكتب محمد بن زايد في أبوظبي. وهؤلاء يسربون معلومات لا تريد السلطات الرسمية وضعها في بيانات رسمية، أو يكتبون آراء تطعن في شرف وسمعة المخالفين وأهاليهم نيابة عن الجهات الرسمية التي يمثلونها. أحد أبرز أولئك المغردين هو الإماراتي حمد المزروعي الذي يعتبر الناطق شبه الرسمي باسم محمد بن زايد في "تويتر"، إذ تخصص في شتم خصوم الإمارات، حتى إنه سبب توتراً في العلاقات بين الخارجية الكويتية والإماراتية، وفق ما أكدت مصادر خاصة لـ "العربي الجديد"، بسبب محاولته التدخل في السياسة الداخلية الكويتية مرات عدة.

مصادر أكدت لـ "العربي الجديد" أن الإماراتي حمد المزروعي حاول التدخل في الشؤون الكويتية الداخلية

وكانت شركة "تويتر" قد أوقفت أكثر من 88 ألف حساب على منصتها، لانكبابها على "تضخيم الرسائل الإعلامية للحكومة السعودية"، وفق بيان لها في شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 2019. ويدير هذه الحسابات الموظف في "الديوان الملكي" السعودي، أحمد الجبرين المطيري، عبر شركة تدعى "سماءات". ويعتبر الجبرين واحداً من المطلوبين للمباحث الفيدرالية الأميركية بعد الكشف عن قيامه بالتجسس على موقع "تويتر"، عبر موظف سعودي قام برشوته للإيقاع بالناشطين المعارضين.

كذلك تتلاعب السعودية والإمارات في الدراسات التي تقوم مراكز الأبحاث الغربية بإخراجها، وتحاولان تحويرها وفق الأهداف السياسية للبلدين، عبر تغيير كلمات أو فقرات في هذه الترجمات، أو وضع عناوين مغايرة لما تقوله هذه المراكز وإعادة تصديرها في القنوات الإعلامية والصحف المملوكة لهما داخل بلديهما وخارجهما. وتتولى السفارتان السعودية والإماراتية في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة محاولة تحييد جزء كبير من الصحافيين ومنعهم من مهاجمة الرياض وأبوظبي وإثارة مشكلات حقوق الإنسان داخلهما، أو التستر على قضايا الفساد السياسي، أو حثهم على مهاجمة قطر وتركيا وخصومهما في المنطقة.

وعمدت المملكة إلى تشويه النسخة العربية من صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، محولة إياها إلى صحيفة سعودية صفراء، فيما حوّلت الإمارات "سكاي نيوز العربي" التي تملك حق بث نسختها العربية إلى قناة إماراتية شبه رسمية من دون أي استقلالية.

ابتُكرت شبكة وهمية من الكتّاب لتلميع صورة الإمارات والهجوم على قطر وتركيا

لكن أحدث الاستراتيجيات السعودية الإماراتية الإعلامية التي تسببت في فضيحة كبيرة هو ما كشف عنه موقع "ديلي بيست" الذي أفاد بوجود شبكة تضم 19 شخصية وهمية تتولى كتابة تقارير سياسية وإخبارية وتحليلات استراتيجية خاصة بالمنطقة، في عدد من المواقع الغربية الحقيقية أو الوهمية التي ليس لها وجود أصلاً. وكشفت الموقع، في تحقيق مطول نشر في 7 يوليو/تموز الحالي، أن الشخصيات الوهمية التي تخصصت في الهجوم على قطر وتركيا، وانتقاد الدور التركي في ليبيا، ومديح الإمارات وتصويرها كدولة مثالية، هي غير حقيقية، وملفاتها في موقع "لينكد إن" مزورة، وصورها مسروقة ومعدلة بواسطة برامج متخصصة ومتقنة.

وتعيد السعودية والإمارات تدوير هذه المقالات التي تكتبها شخصيات وهمية في صحفهما داخل وخارج البلاد بوصفها مقالات كُتبت بواسطة "صحف عريقة ومواقع إخبارية غربية مرموقة المستوى"، وهو أمر تشير إليه صحيفة "عكاظ" دوماً ومجموعة "أم بي سي". وفي السياق نفسه، عمدت السعودية إلى إنهاء استقلالية قنوات "أم بي سي" النسبية وتحويل نشرات الأخبار فيها وحتى البرامج الترفيهية إلى مجرد أدوات مهمتها تكرار الدعاية السعودية الرسمية، ما سبب نفوراً كبيراً من المجموعة التي كانت ناجحة في وقت مضى.

يذكر أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، استولى على مجموعة "أم بي سي" الإعلامية من الأمير عبد العزيز بن فهد وشريكه وليد الإبراهيم، بعد احتجازهما في فندق "ريتز كارلتون" بتهم الفساد، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، مع الإبقاء على الإبراهيم مديراً فيها، كما قام بالاستيلاء على مجموعة "روتانا" من الأمير الوليد بن طلال.

المساهمون