الانتخابات العراقية بين يأسٍ وأمل

الانتخابات العراقية بين يأسٍ وأمل

03 مايو 2014

مركز اقتراع في أربيل 30 أبريل 2014 (Getty)

+ الخط -
مع ميل شمس يوم الأربعاء الماضي إلى الغروب، اُقفلت صناديق الاقتراع الخاصة بالانتخابات البرلمانية في العراق، بعد انتظار أربع سنواتٍ مرّت ثقيلة على إنسان هذا البلد، بما حملت من همومٍ، أضافتها إلى همومه اليومية، بما استزفت من دماء، وأهملت من شؤون حياتية، وعاش فيها الفاقة والحرمان، وهناك من جرى تجريده من أبسط ما له من حقوق المواطنة. وفي أيام الانتظار الأخيرة التي سبقت يوم الانتخابات هذا، ظهرت على المستوى الإعلامي صورتان: التي مثلها المرشَحون.. والتي برز فيها رجل الشارع الحقيقي.

ظهر المرشحون للانتخابات، وبينهم "المعاد" من الدورات السابقة، في "صورة مثالية"، بما حملت من "وعود"، كان لرجل الشارع هذا أن عرف كذبها. فما أن بلغ "الواعدون" قبة البرلمان، حتى نسوا كل شيء، باستثناء مصالحهم الشخصية التي أولوها من الاهتمام ما لم يعد معه من إمكان للالتفات إلى سواها، فإذا ما قالوا لهم إن الشعب يصرخ من الجوع وقسوة الواقع اليومي، بما في ذلك من دماء تُهدر بلا حساب، كما تُهدر أموال البلد، سدّوا آذانهم، وغطوا عيونهم، واتخذوا من "طرق المرور" إلى مصالحهم ما لا يمرّ بشيء من هذا. ثم عادوا، وبكل "وجاهة"، ومعهم وجوه جديدة، حاملين من الشعارات ما هو أكثر شعريةً من سابقه، لعلهم يخدعون به هذا الإنسان البريء ثانية.

في المقابل، يظهر رجل الشارع بما يتاح له من لحظات ظهور خاطفة، ليقول كلمته: فالبرلمان، بحسب ما يراه "قبّة محمية"، يجلس في "ظلها السمين" أشخاص يتمتعون بجوازات سفر دبلوماسية، ومرتبات شهرية فادحة، وامتيازات لم يسبق لكائن على الأرض أن حلم بمثلها. ويثير رجل الشارع في ظهوره الخاطف هذا أسئلةً، يُحاكم بها من حكموا، ويُواجه مواجهة شجاعة من فَرَطوا مصيره، ومصير بلده، كحَبّ الرمان: إلى أين أنتم سائرون بالبلد وإنسانه؟ ولماذا لم تتدخلوا لإيقاف مسلسل القتل اليومي الذي طال، وبوحشية، إنسان هذا البلد الذي تُنصّبون من أنفسكم ممثلين له؟ وأين الخدمات، أبسط الخدمات التي وعدتم بها من تدعونه اليوم إلى انتخابكم؟... بل وجدنا أن ما "تحقق" على عهدكم امتد من البطالة التي فاقت أرقامها الإحصاءات المعقولة، والأمية التي جعلت من وريث "الأبجدية الأولى" في تاريخ الإنسانية لا يقرأ ولا يكتب.. هذا فضلاً عن الفساد المالي والإداري، وهدر المال العام، وإشاعة التخلف، وتزوير الشهادات، وتدهور المستوى العلمي في المؤسسات المنسوبة إليه.. وما إلى ذلك من "محركات الانحطاط".

ويتساءل رجل الشارع متشككاً، وبنبرة اليائس من حصول تغيير: هل سيختلف "القادمون الجدد" عن أسلافهم في شيء؟ وهل سيكون في مقدور البرلمان، أو في برنامجه، تشكيل "حكومة تكنوقراط"، وصولاً إلى "بناء دولة"، بعدما أمضينا السنوات منذ العام 2003 ونحن نعيش في "واقع سلطة"، ومن دون وجود "دولة كيانية" البناء، بما للدولة من مؤسسات، ونظم تسيّر عملها، وتحكمه قانوناً؟

ونجد في "طبيعة المرشحين" و"ما يحكم منطقهم" ما يزيد نبرة اليأس هذه عمقاً في النفس، ومن ذلك لغتهم التي يجدها رجل الشارع لغةً تُخاطب العوام، وتُحرّك مشاعرهم في اتجاه مفصلي: فإما أن تكون موالياً، طائعاً "ذوي الشأن"، فتنال الرضا وتحظى بالقبول، أو أن "تخرج" عليهم فتكون "عاقـاً". هذا هو المنطق الذي يحكم "طائفيات الحكم"، وإن قدّمت نفسها في "صورة أحزاب".

السؤال هنا: إلى أين يسير هؤلاء، وأشباههم، بالعراق بعدما أنهوا كل ما له من مرتكزات العلم، وأضاعوا "مدنية المدينة" فيه، وبدّدوا ما كان لإنسانها من ينابيع الثقافة والمعرفة، كما جرى إلغاء ما كان لهذا البلد من قاعدةٍ صناعية، فضلاً عن تبدد ثلاثين ألف عالم لم يبق منهم أحد: فمن أدركوه بالتصفية جرت تصفيته، ومن استطاع أن ينجو مهاجراً إلى حيث احتوته بلاد المهجر، فوظفت علمه لصالحها. وقبل هذا وذاك: تضييع استقلال العراق، وجعله حالة، فوق كونها مبددة اجتماعياً ومتمزقة فئوياً، ليس من السهل إعادة لحمته إلى سداها. حالة تبعية واستتباع، لا يتمتع قراره بالاستقلال، ولا اقتصاده بالحماية، فضلاً عن وجود السلطة في موقع، والإنسان في مكان آخر.

فهل ستعيد هذه الانتخابات، بمن سيفوز فيها بعضوية البرلمان، شيئاً مما يرجو إنسان العراق أن يُعاد إليه مما استلب منه من حقوق حياتية، وكرامة وطنية، وأمن واستقرار، وعيش كريم، في بلد يُحرج إنسانه أن يجده يُصنّف الأسوأ في دول العالم بالنسبة لما يحف بحياة الإنسان فيه؟ هنا لم يكن الموقف والرأي بالنسبة لرجل الشارع العراقي واحداً: فهناك اليائس الذي أغلق نفسه وذاته، من دون أي أمل قريب، فهو لا يجد الحل إلا في "ثورة جذرية"، تأخذ بمنطق التغيير الشامل، واضعة المسارات الواضحة، والمغايرة لكل ما هو سائد. وهناك "قلة حالمة" علّقتْ آمالها على بعض "التجمعات" و"الكتل" التي رفعت شعارات التغيير، شأنها في هذا شأنها مع نفسها في ما سبق لها يوم أن رفعت من "شعارات حالمة"، لم تصمد أمام أول الضربات القاسية للإمبريالية، فانهارت!

الصنف الثالث من رجل الشارع هذا هو من ينظر بعقلانية، وبميزان العقل، فيرى أن فساد أكثر من عشر سنوات مرّت لا يمكن أن ينتهي بخطوة واحدة، هي خطوة الانتخابات التي جاءت في أجواء غضب، من ناحية، وطلب التسامح، من ناحية أخرى، والإصرار على مواصلة المسار نفسه، من ناحية ثالثة، لأن بقاء الوجوه نفسها واستمرارها لن يغير في "قواعد اللعبة" شيئاً.

هذا المواطن العراقي، انتخب وقال كلمته، ولم يبقَ إلا أن ينتظر ما سيكون من نتائج يأمل أن لا يطولها التزوير.
7D7377FF-D2B6-4FE4-BFE1-A2312E714BB6
ماجد السامرائي

كاتب وناقد باحث عراقي