الإملاءات الفرنسية تملأ الفراغ اللبناني

الإملاءات الفرنسية تملأ الفراغ اللبناني

29 اغسطس 2020
ماكرون خلال جولته في مرفأ بيروت في 6 أغسطس/آب الحالي (الأناضول)
+ الخط -

ليس هناك أكثر تعبيراً عن استدراج النظام الطائفي اللبناني التدخلات الأجنبية، من رصد التعاطي الفرنسي الفوقي بطريقة الإملاءات مع المسؤولين اللبنانيين، وأوامر تترجَم اليوم بخريطة طريق سياسية اقتصادية أرسلها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى بيروت ليلتزم بها حكام بيروت من دون نقاش، وهم الذين أثبتوا فشلاً وعجزاً قياسيين أوصلا البلد إلى الانهيار وخطر "الزوال" على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان. هكذا، يجد ماكرون فراغاً في ساحة كانت ملعباً خلفياً للدبلوماسية الفرنسية، وقد فشلت في بناء دولة، ما يسمح للرئيس الاستعراضي بأن يملأ هذا الفراغ يرغب من خلاله أن يسجل لنفسه إنجازات دبلوماسية تعوّض عن فشله في ملفات عدة داخل فرنسا حيث تصفه المعارضة بالمنافق والمتسلط و"رئيس الأثرياء". وتحت ضغط زيارة ماكرون التي تبدأ بعد يومين، حددت الرئاسة اللبنانية موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد، يوم الاثنين المقبل. في الإليزيه، ذكر مسؤول بالرئاسة الفرنسية، أن ماكرون سيتوجه إلى بيروت الأسبوع المقبل للضغط على السياسيين اللبنانيين، للمضي قدماً في تشكيل حكومة يمكنها أن تطبّق إصلاحات عاجلة. وأضاف المسؤول للصحافيين: "قال الرئيس إنه لن يستسلم. قطع على نفسه عهداً بفعل كل ما هو ضروري وممارسة الضغوط اللازمة لتطبيق هذا البرنامج". وشدّد على أن "الوقت حان لتنحّي الأحزاب السياسية اللبنانية جانباً مؤقتاً وضمان تشكيل حكومة تعمل على التغيير".


اجتمع الحريري بموفدٍ من بري لبحث ترشيحات رئاسة الحكومة

وكررت فرنسا أول من أمس الخميس، دعوتها لبنان إلى الإسراع في تشكيل حكومة واعتماد إصلاحات "عاجلة". وحذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأن "الخطر هو اختفاء لبنان، لذلك يجب اتخاذ هذه الإجراءات". ويتوقع أن يحمل ماكرون معه خريطة طريق إلى السياسيين اللبنانيين، تتناول ما يسميها "إصلاحات" اقتصادية وسياسية سبق أن تحدث عنها خلال زيارته إلى بيروت في 6 أغسطس الحالي، كأول مسؤول أجنبي يزورها بعد انفجار المرفأ في الرابع من الشهر الحالي، وعقد لأجلها اجتماعاً وُصِفَ بـ"التأنيبي" لرؤساء الأحزاب اللبنانية حثّهم فيه على ضرورة العمل معاً لإنقاذ البلاد من الانهيار الشامل، لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت. وقد نشرت وكالة "رويترز" منذ أيام مقتطفات من الورقة الفرنسية، التي جاءت في صفحتين، تشمل "الإصلاحات" الضرورية من التدقيق في حسابات المصرف المركزي وتشكيل حكومة مؤقتة قادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في غضون عام. وتدعو الورقة إلى إحراز تقدم في محادثات صندوق النقد الدولي، وإشراف الأمم المتحدة على أموال المساعدات الإنسانية الدولية التي تم التعهد بتقديمها للبنان في الأسابيع الأخيرة، فضلاً عن إجراء تحقيق محايد في سبب انفجار كميات هائلة من نترات الأمونيوم بشكل غير آمن في مرفأ بيروت لسنوات. وعلى وقع إعلان الرئاسة اللبنانية تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة جديد يوم الإثنين المقبل، غرّد النائب السابق وليد جنبلاط على "تويتر": "تحددت الاستشارات نهار الاثنين حياءً كون الرئيس الفرنسي سيأتي" إلى بيروت. ولم تظهر حتى الآن أي بوادر توافق على اسم رئيس الوزراء المقبل، جراء التباين في وجهات النظر بين القوى السياسية الرئيسية. وأعلن رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري هذا الأسبوع أنه لا يعتزم العودة إلى السلطة، منتقداً "بعض القوى السياسية" التي قال إنها "ما زالت في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين، وترى في ذلك مجرد فرصة جديدة للابتزاز". لكن الحريري عقد اجتماعاً أمس، مع وزير المال الأسبق علي حسن خليل، وهو معاون رئيس المجلس النيابي، رئيس حركة أمل نبيه بري حليف حزب الله، من أجل التوافق على ترشيح اسم لرئاسة الحكومة. وعلى الرغم من رفض الحريري ترشيح نفسه، إلا أن "أمل" لا تزال تصر على تسميته ووفق شروط معسكر حزب الله ــ عون ــ بري.


من بين المرات القليلة التي لا يكون اسم رئيس الحكومة معروفاً

ويرجح ألا يقترح الحريري أي اسم لتولي رئاسة الحكومة، وعليه قد يسمي التحالف الحاكم (حزب عون وحزب الله وأمل) شخصية يقبل بها الحريري (مثل محمد بعاصيري أو نواف سلام). وفي حال موافقة الحريري على الاسم، تُجرى مفاوضات على شكل الحكومة وووزرائها. أما في حال رفض الحريري، فتنقل الأطراف اللبنانية ذلك لماكرون، متعهّدة بإجراء جولة استشارات ثانية، بما أن أركان تحالف السلطة (باسيل وحزب الله) يرفضان بشكل قاطع إجراء أي انتخابات نيابية مبكرة. ومن المؤكد أن أبرز شروط الحريري تكمن في تشكيل حكومة متجانسة ممن يسميهم "اختصاصيين" أو غير حزبيين، بغية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، علماً أن حزب الله، الذي اتُهم أحد عناصره سليم عياش، باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، يرفض تشكيل حكومة "حيادية" حسبما ذكر الأمين العام للحزب حسن نصرالله. مع العلم أن رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، رفض ترؤّس حكومة في عهد الرئيس ميشال عون. وكما يسود العرف في لبنان، فإنّ اسم الرئيس عادةً ما يكون جاهزاً عند الإعلان عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة، بيد أنّ الأطراف السياسية صاحبة الأكثرية النيابية في البرلمان التي تدخل في دائرة قوى 8 آذار لم تتفق على اسم بعد لتشكيل الحكومة كما حصل مع حسان دياب، ودخلت في خلاف حول تسمية الحريري الذي قاد لأجله بري تحركاً، بهدف إزالة العوائق من جانب فريقي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" بقيادة النائب جبران باسيل الذي رفض إعادة تسمية الحريري في حال لم يُسمّ هو (باسيل) وزيراً. كذلك، رفض حزب "القوات اللبنانية" الذي يرأسه سمير جعجع تسمية الحريري، تاركاً الأفضلية للوجوه المستقلة الجديدة على صعيد كل الحكومة، فيما فضل "الحزب التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط ترك الاسم إلى موعد الاستشارات النيابية. وتتزامن الدعوة للاستشارات مع حوادث أمنية عدة شهدتها مناطق لبنانية في الفترة الأخيرة، آخرها أول من أمس الخميس، في منطقة خلدة، جنوبي بيروت، بين عشائر ومسلحين من حزب الله، على خلفية تعليق لافتات دينية من قبل حزب الله في منطقة مختلطة مذهبياً، ما يعتبر استفزازاً لفئة من سكان المنطقة. وسقط قتيلان وعدد من الجرحى. وأصدرت قيادة الجيش بياناً حول الحادثة، معلنة عن "تدخل وحدات الجيش الموجودة في المنطقة لضبط الوضع، وإعادة الهدوء كما تمّ اتخاذ إجراءات أمنية مكثفة واستقدام تعزيزات عسكرية وتسيير دوريات مؤللة". وعلى خلفية الإشكال، أوقف الجيش أربعة أشخاص بينهم اثنان من الجنسية السورية، وتجري ملاحقة باقي المتورطين في الإشكال لتوقيفهم. مع العلم أنه سبق ذلك وقوع إشكال مماثل في المنطقة نفسها قبل أيام، من دون أن يُسجّل وقوع ضحايا. وكذلك وقعت مشاكل عدة في تعلبايا ـ سعدنايل في البقاع، وسقط 3 قتلى في الكورة (شمال لبنان).

المساهمون