إسلاميون يؤمنون بفصل الدين عن الدولة

11 اغسطس 2014

أحمد الريسوني ترشح لرئاسة "التوحيد والإصلاح" ولم يفز (أ.ف.ب)

+ الخط -

عقدت حركة التوحيد والإصلاح في المغرب (إسلامية معتدلة) مؤتمرها الخامس، نهاية الأسبوع الماضي، وانتخبت مهندساً لقيادتها، كان يعمل في وزارة المالية، ومنها انتقل إلى ديوان رئيس الحكومة الحالي. اسمه عبد الرحيم الشيخي، وجه شاب، درس المعلومات في المدارس العصرية. فاز على منافسه أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي المعروف، بفارق أكثر من ٩٠ صوتاً، في انتخابات مفتوحة وتعددية، وهي رسالة واضحة من إسلاميي حركة التوحيد والإصلاح، نحو اختيار قيادة مدنية، وليس دينية.
ولدت "التوحيد والإصلاح" سنة 1996 من رحم تجمع وحّد حركات إسلامية صغيرة (حركة الإصلاح والتجديد، ورابطة المستقبل الإسلامي)، وصاغ مشروع هذه الحركة التي يقود حزبها الآن الحكومة في المغرب طرفان رئيسان؛ الأول أحمد الريسوني ومن معه، والذي وضع الأسس الفكرية لنمط من الفكر الديني المقاصدي والوسطي المعتدل الذي بدأ يفكر في الأسئلة الدينية، لأول مرة، باستقلالٍ نسبي عن الفكر المشرقي الإخواني والوهابي والسلفي. الثاني هو عبد الإله بنكيران ومن معه، والذي صاغ المشروع السياسي للحركة، وهو مشروع إصلاحي واقعي، وليس ثورياً، اختار أن يتوافق مع القصر الملكي والأحزاب اليسارية والليبرالية، لا أن يواجهها، وانتهى به المطاف إلى تأسيس حزب محافظ، هو العدالة والتنمية، والذي فاز قبل ثلاث سنوات بالمرتبة الأولى في الانتخابات النيابية، ويقود الحكومة اليوم.
لمّا دخل "الإخوان" إلى معترك العمل السياسي في المغرب، انتبهوا إلى أن دخول السياسة في المغرب يقتضي إحداث نوع من التمييز بين الدعوة الدينية والعمل السياسي، أي بين السعي إلى السلطة وصراعاتها والدين وحرمته، أي أنهم اقتنعوا بضرورة تجريب نوع من العلمانية اللينة، أو الناعمة، كضرورة، لكي يندمجوا في نظام سياسي، يحتكر فيه الملك المشروعية الدينية، ويقع على بعد اثني عشر كيلومتراً من أوروبا، وفيه تقاليد تعددية سياسية وفكرية ومجتمعية، لن تقبل بحكم (آية الله)، ولا بسلطة (المرشد)، ولا بتشدد (الأصولية الغاضبة). ولكي لا يكرروا أخطاء الإسلاميين في مصر والجزائر وسورية والسودان وإيران، والذين خلطوا بين الدين والسياسة، فجلبوا على أنفسهم ومجتمعهم محناً ومشكلات وفتناً بلا حصر، عمد إسلاميو المغرب إلى الفصل بين عمل الحركة، الدعوي الأخلاقي التربوي، وعمل الحزب السياسي الانتخابي والبرلماني، فلا الحركة تتدخل في الحزب السياسي، ولا الحزب يخوض معارك الحركة الدينية.
تحول "العدالة والتنمية" من حزبٍ أصوليٍ إلى حزب سياسي محافظ بمرجعية إسلامية، وتحولت الحركة إلى ما يشبه إحدى جمعيات المجتمع المدني التي تشتغل على التربية والدعوة إلى مكارم الأخلاق وحماية اللغة العربية والدفاع عن القضايا الإسلامية، مثل فلسطين وغيرها، من دون أن تدخل إلى البرلمان، أو أن تنازع الأحزاب على السلطة. تحولت الحركة إلى ما يشبه جماعة ضاغطة، تزود حزب العدالة والتنمية بأصواتها في الانتخابات، وتحثه على الدفاع عن سياسات عموميةٍ، تراعي المرجعية الإسلامية (إقرار البنوك غير ربوية، أو ما تسمى الإسلامية، الدفاع عن اللغة العربية في الإدارة والتعليم، السماح للتيار الديني بأن يعبر عن نفسه في المجالات، الثقافي والفني والاجتماعي)
شكل هذا التمايز في الوظائف والرموز والخطاب بين الحزب والحركة قفزة نوعية في الفكر الحركي والسياسي للإسلاميين المغاربة الذين ولدوا في كنف فكر وأدبيات سيد قطب والمودودي وحسن البنا والخميني. فكر كان يرفع شعار "الإسلام دين ودولة"، ولا يرى أي تمييز بين العمل السياسي والدعوة الدينية. اليوم، بعد 18 عاماً من ولادة هذه التجربة، مازالت أمام الإسلاميين المغربيين ورش فكرية كبيرة، لترشيد الموجة القوية من التدين التي تجتاح المنطقة العربية، حيث بات التطرف والغلو والطائفية والعنف أكبر التحديات أمام الإسلام الوسطي المعتدل، كلما اتجهت الحركة الإسلامية نحو الاجتهاد والقراءة التنويرية للإسلام والانفتاح على باقي مكونات المجتمع الفكرية والسياسية، كلما قربت مجتمعها من صياغة عقد اجتماعي جديد، يقبل بالتعددية والاختلاف، وتحييد الدين من الصراع السياسي، وجعله مكسباً حضارياً، لا رأسمالاً انتخابياً، وكلما تطرف الإسلاميون، واشتغلوا بعقلية الفرقة الناجية، زرعوا بذور الصراعات العمودية التي تقسم المجتمعات، ولا تبني الديمقراطية.
العقد الاجتماعي الجديد الذي يحتاجه المغرب والعالم العربي، اليوم، يوحد كل القوى حول مشروع الإصلاح والتحول الديمقراطي، والقضاء على الاستبداد، أصل العطب والداء في الأمة، مرحّباً بالاختلاف بشأن المشاريع المجتمعية المختلفة، المحافظة والتقدمية، اليمينية واليسارية، مادام الشعب الحر هو الحكم، وصناديق الاقتراع هي الفيصل.

 

 

دلالات
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.