إسرائيل والعربي "الجيد"... علي سالم مثالاً

إسرائيل والعربي "الجيد"... علي سالم مثالاً

17 نوفمبر 2015

جامعة تل أبيب تحيي ذكرى علي سالم (العربي الجديد)

+ الخط -
خرجت إسرائيل عن طورها في رثاء الكاتب المسرحي المصري، علي سالم، الذي توفي في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، فإلى جانب المقالات التي كتبها مستشرقون وباحثون ومعلقون بارزون، عنيت جامعات ومراكز تفكير رائدة في إسرائيل بتنظيم أيام دراسية بالمناسبة، للوقوف على معالم "تراثه". وبمناسبة مرور 40 يوماً على وفاته، نظمت جامعة تل أبيب، أمس الإثنين، يوماً دراسياً تحت عنوان "علي سالم .. رجل الحقيقة والسلام والحرية"، شارك فيه عدد كبير من كبار الباحثين و"الأدباء" والمستشرقين الصهاينة، وعرضت ثماني أوراق بحثية حول سالم وتأثيره على العلاقات الإسرائيلية المصرية. وإن كان الصهاينة لم يبخلوا في كيل المديح لعلي سالم في حياته، فإن ما يلفت في الاحتفاء الذي عبرت عنه المقالات التي كتبت في رثائه، وعناوين الأوراق التي قدمت للحديث عن "تراثه"، حقيقة أنه يعبر عن شعور صهيوني بالرضى لاستجابة سالم بشكل "مثالي" لمعايير العربي "الجيد"، كما تحدّدها الاتجاهات الاستشراقية في نسختها الأكثر عنصرية وتعالياً. فعلي سالم المنبهر بإسرائيل وتقدمها التكنولوجي والمتحمس للتطبيع معها، لم يبلور مواقفه منها فقط بمعزل عن سلوكها الإجرامي ضد شعبه وأمته؛ بل إنه لم يتورّع عن تحميل ضحايا الاحتلال الصهيوني المسؤولية عمّا لحق بهم من ظلم وعسف، لأنهم لم يستجيبوا لعروض "السلام" الإسرائيلية التي تعني تجريدهم من حقوقهم الوطنية والإنسانية. ففي مقال "الرثاء" الذي نشره بتاريخ 25-9، لفت مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الأنظار، خصوصاً، إلى حرص علي سالم على شيطنة المقاومة الفلسطينية، والتشكيك في توجهاتها، وتحريضه المباشر على الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وعلى حركة حماس. وإن كانت نخب إسرائيلية كثيرة قد حمّلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المسؤولية عن إفشال تطبيق اتفاقيات أوسلو، فإن المركز يشيد بشكل خاص بتحميل علي سالم ياسر عرفات المسؤولية عن "تخريب" فرص التوصل لتسوية سلمية للصراع، بسبب "نيته المبيتة" لإفشال اتفاقات أوسلو. ولا حاجة للتذكير بأن حكومة أرئيل شارون قد استندت إلى "المسوغات" نفسها التي استند إليها سالم، في شن حملة "نزع الشرعية" عن عرفات، وهي الحملة التي انتهت بتصفيته. ولم يكن مستهجناً أن تكون النخب اليمينية الصهيونية تحديداً الأكثر احتفاءً بـ "تراث" علي سالم؛ فلم تتورع في توظيف هذا "التراث" عن تقريع خصومها من اليساريين، بسبب مواقفهم الانتقادية من سياسات حكومة اليمين المتطرف. فقد شكك الكاتب اليميني، روني آيدر، في "وطنية" "الأدباء" اليساريين الذين قرّروا، أخيراً، مقاطعة أنشطة وزارة الخارجية الإسرائيلية، احتجاجاً على سياسات حكومة نتنياهو، وفي مقدمتهم عاموس عوز. ولم ينس آيدر تذكيرهم بأن سلوك حكومات اليمين لم يقنع في حينه "المصري" علي سالم بمقاطعة إسرائيل. ولم يفت المستشرق، أوفير فنتور، في مقال "الرثاء" الذي نشره موقع "مركز أبحاث الأمن القومي" في 24-9 إلى لفت الأنظار إلى حقيقة أن النقد الوحيد الذي وجهه علي سالم لإسرائيل تمثل في "عتبه" عليها، لأنها لم تسمح باندماج الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلي، على اعتبار أن مثل هذ الخطوة كفيلة بالإسهام بحل الصراع. لكن الاحتفاء بالعربي "الجيد" لا يقتصر على علي سالم، بل يطاول كل عربي يبلور تصوّره عن إسرائيل بمعزل عن إجرامها بحق الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وقد تكون من غرائب المصادفات أن العربي الآخر الذي احتفت به أوساط الحكم والنخب الإعلامية في إسرائيل كان اسمه أيضاً "علي سالم"، وهو رئيس بلدية الناصرة. فقد تم الاحتفاء بعلي سالم أيما احتفاء عندما وجه قبل شهر إهانات قاسية للنائب أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة في الكنيست، في أثناء بث مقابلة معه على الهواء مباشرة في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية؛ حيث اتهم سالم عودة والنواب العرب بـ "تدمير" مصالح فلسطينيي الداخل، لأنهم ينشغلون بنصرة إخوانهم في القدس والضفة الغربية. ومن أجل أن يلقى استحسان الجمهور الإسرائيلي، اختار علي سالم أن يوبخ أيمن عودة بالعبرية. ويكفي المرء أن يبحث في محركات البحث العبرية عن "علي سالم"، ليفاجأ بحجم الاحتفاء الصهيوني به بعد هذه الواقعة.

وضمن قائمة العربي "الجيد"، تبرز الصحافية، لويس أهريش، مقدمة الأخبار في قناتي التلفزة الإسرائيلية الثانية و "i24 news"، والتي لا تتردد في توجيه النقد للنواب العرب، بسبب مواقفهم الوطنية. وقد أثارت أهريش التي أوقدت شعلة "استقلال" إسرائيل في الذكرى السابعة والستين لاحتلال فلسطين، حفيظة النخب اليسارية الإسرائيلية، التي اتهمتها بمحاولة تبييض صفحة هذه الحكومة. وقد أوجز الكاتب الصهيوني، جاكي حوكي، وأجاد عندما فضح السبب الحقيقي وراء الاحتفاء الإسرائيلي بسالم وأهريش، حيث قال إن سلوك رئيس بلدية الناصرة، ومواطنته أهريش يساعد إسرائيل في دحض الاتهامات التي توّج لإسرائيل بممارسة التمييز العنصري والعسف ضد فلسطينيي 48. وفي مقالٍ، نشرته صحيفة "هارتس" في 18-10، هاجم حوكي "نفاق" النخب اليهودية التي لا تقدر إلا الرموز المجتمعية التي تتجاهل المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الفلسطينيون داخل إسرائيل.
معايير العربي "الجيد" كما تصوغها الاتجاهات الاستشراقية لا تغطي على بعض الاعترافات النادرة التي تدلل على هوية العرب الذين يحترمهم قادة الصهاينة في قرارة أنفسهم. فقد نقل الشاعر الإسرائيلي، حاييم غوري، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، ديفيد بن غوريون، قوله، في خطاب ألقاه أواخر ديسمبر/كانون الأول عام 1935 أمام اللجنة التنفيذية لحزب ماباي، بعيد الإعلان عن استشهاد الشيخ عز الدين القسام، السوري الذي أسس للمقاومة الفلسطينية المنظمة، أن مقتل القسام مثل "أهم ظاهرة أخلاقية"، أسفر عنها "النضال العربي" ضد الوجود الصهيوني. ووصف بن غوريون القسام بأنه يوسيف ترمبلودر العربي؛ مع العلم أن ترمبلودر هو قائد عسكري صهيوني، قتله المقاومون الفلسطينيون عام 1920، وتحول، بعد موته، إلى أسطورة في نظر الصهاينة. ولا حاجة للتذكير بعبارة رئيس الوزراء ووزير الحرب ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق، إيهود باراك الشهيرة، التي أطلقها بعيد خروجه من الجيش عام 1991: "لو ولدت فلسطينياً لكان من الطبيعي أن انضم إلى إحدى المنظمات الإرهابية".
قصارى القول، العربي "الجيد" في نظر الصهاينة هو الذي تصهينت منظومته القيمية والأخلاقية.