إدارة أوباما وتبريراتها في سوريا

إدارة أوباما وتبريراتها في سوريا

31 مارس 2014

أوباما في مكتبه في البيت الأبيض

+ الخط -

ثمة رأي سائد داخل الإدارة الأميركية في ما يخص الموقف من الحدث السوري، عبّر عنه سفير واشنطن السابق في دمشق، روبرت فورد، في خطاب له في جامعة تافت الأميركية، ويكاد هذا الرأي يشكل مزاجاً، له مخرجاته العملية تجاه الحالة السورية. ووفق السفير فورد، فإن أسباب بقاء بشار الأسد في السلطة في سوريا خارجة عن إرادة الغرب، وعلى رأسها بلاده، بل إن الأخيرة ليس في مقدورها فعل شيء من شأنه تغيير الواقع الذي يقر ببقاء الأسد في السلطة، في الزمنين القصير والمتوسط. ذلك أنه، والكلام لفورد، بخلاف الدعم الروسي الإيراني الكثيف للأسد، ليست المعارضة السورية الجهة القادرة والمؤهلة على إزاحته، بسبب حال التفكك الرهيبة التي تعانيها تلك المعارضة. بل ويذهب فورد، وخلال فحصه أسباب ضعف المعارضة، إلى اكتشاف عطب بنيوي في أداء المعرضة، يتمثل بعدم قدرتها على تطمين الطائفة العلوية بأنها ليست مهددة، أو معرضة للخطر عقب رحيل الأسد!.

في قراءته هذه التصريحات، رأى المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية عن الملف السوري، فردريك هوف، أن فورد "لا يستطيع التعبير عن رأيه بصراحة حتى الآن"، فهو لا يزال مدرجاً على جداول الرواتب الحكومية، وعليه الالتزام بالسياسة الرسمية لإدارة باراك أوباما، "ينفذ ما يطلب منه أن يفعل لا أكثر: إبعاد اللوم عن واشنطن بشأن الكارثة السياسية والمصيبة الإنسانية التي تحصل".

الواقع أن إدارة أوباما طالما عملت على بناء سياقٍ متكامل للموقف من الحدث السوري، استطاع أوباما فرضه بالقوة على أميركا السياسية، وهو سياق ينسجم مع عقيدته القائلة بعدم تدخل واشنطن في أزمات العالم، ورفض دور الشرطي الذي مارسته سنوات عديدة، ووجد أوباما في المزاج الأَميركي، الرافض الحروب الخارجية، ضالته وشبكة أمانه في مواجهة الآراء المناقضة لسياسته داخل الإدارة.

بالنسبة إلى سوريا، لم يكتف السياق التبريري لسياسة أوباما بظروف أميركا الداخلية، وتوجهاتها الاستراتيجية الجديدة، وحسب، بل جرى تزخيمه بإيجاد المبررات، دائماً، من ساحة المواجهة السورية نفسها. لذا، أضيفت إلى الفكرة الأساسية أفكار ساهمت بطريقةٍ، أو أخرى، في تزويد الحرب الإعلامية ضد الثورة السورية بأفكار ومصطلحات كثيرة، فهي، مثلا، ضمن إبداعات هذا السياق، حرب أهلية وليست ثورة. وبالتالي، لا مصلحة لأميركا في التورط بها، وهي صراع يوجد مثله الكثير في العالم، فلماذا نتدخل هنا ولا نتدخل هناك.

عبّر هذا السياق عن نفسه بأريحية أكبر، ووصل إلى ذروته، عندما توصلت تقديرات الاستراتيجيين الأميركيين إلى أن الأسد سيئ بين سيئين، وقد يكون الخيار الأسوأ. ولعل هذه الخلاصة أتاحت المجال أمام تقدير أكثر مرونة، يستطيع تضمين كل السياق الأوبامي من دون إحساس بالذنب، هو أن الحرب السورية قد تستغرق عقداً وأكثر، وضمن هذا التقدير يدخل تحليل روبرت فورد، أن الحرب صارت شظية ملتهبة ضد شظية ملتهبة.

ضمن حقل الذرائع الواسع ذلك، بنت إدارة أوباما استجابتها للحدث السوري، وخلفه تلطت وراء حقيقة كبرى، كانت تتولد بالتوازي مع هذه السياسة، هي الانسحاب غير المعلن من ساحة الحدث، وتركه فراغاً يملأه الآخرون. والآخرون، هنا، لن يتم تخليقهم، أَو البحث عنهم، بل هم عناوين واضحة في ساحة الحدث السوري، روسيا وإيران، حيث وجدتا الفرصة سانحة لرفع سقف تحدياتهما، وتعقيد بيئة الأزمة أكثر مما هي معقدة.

لم تكن روسيا وإيران بعيدتين عن مناخ الانسحاب الأميركي، بل إنهما، بحكم تفاعلاتهما الصراعية مع واشنطن، على أكثر من جبهة وملف، كانتا ترصدان جيداً حركية الانسحاب الأميركي حول العالم، وفي المناطق التي تبحثان فيهما عن نفوذ. وكانتا تبنيان على الشيء مقتضاه، حيث تشدد سياستهما الخارجية على جبهة، أو ملف، ويقدمان على مبادرات معينة، فيها مرونة في ملفات أخرى، إلا أن سلوكهما التفاوضي مع أميركا استبطن، على الدوام، ظل يصدر عن تصورهما عن ضعف الإدارة الأميركية الحالية، وانطوى على إحساسٍ بوجود فرصةٍ لإعادة التموضع دولياً، وعلى مستوى الملفات التفاوضية العديدة.

في سوريا، لم يكن الأمر يحتاج إلى مجسّاتٍ لقياس نمط الاستجابة الأميركية ورصده، وتقدير حدود ردة فعلها تجاه أَي تطور يحصل، فعدا عن أَن سورية ساحة تأثير روسية إيرانية، ومجال حيوي لمصالحهما السياسية والأمنية، فإنها، أَيضاً، في الحسابات الأميركية، ساحة هامشية غير مهمة، لا تملك واشنطن أَدوات للتفاعل معها. وبالتالي، من غير المتوقع تطوير سياسات معينة تجاهها، فالوضع الطبيعي أَن تكون هذه حدود الاستجابة الأميركية تجاه أَوضاع سوريا، فكيف الحال إذا جرى دمج هذه الوقائع بسياسات إِدارة أوباما، لا شك أَن النتيجة ستكون صفراً.

الأكيد أن إجراءات أَميركا بخصوص سورية تركز على الحدود، ولا يعنيها ما يحصل في القلب، ذلك أَن مصالحها الأمنية تتركز في حماية حلفائها في إسرائيل ولبنان وتركيا والعراق والأردن، وكانت لها إجراءات عملانية بهذا الخصوص، بتزويد العراق بالأسلحة لمحاربة القاعديين، ونصب بطاريات باتريوت في الأردن وتركيا. أَما ما يحصل للسوريين، فلم يكن يعني شيئاً لإدارة أوباما، طالما ظل محصوراً داخل الجدران السورية. وإِنهاء نظام الأسد واستبداله بشكل حضاري قضية غير مدرجة على جدول أَعمال الإدارة الأميركية الحالية.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".