أنا وصديقي والثورة

أنا وصديقي والثورة

20 مارس 2015
الضاحية الجنوبية/ بيروت 2006 (Getty)
+ الخط -
أخفى الكلاشينكوف الأخمص في براري قريتنا "وادي جيلو" الواقعة في قضاء مدينة صور بالجنوب اللبناني، كلّ ذلك حدث قبل أن أولد في مستشفى نجّار بمنطقة الحمراء، بيروت.

ومن مشفى بيروتيّ في التسعينيات إلى البوعزيزي، صديقي نفسه كان يتحدث عن الثورة في غرفة الجلوس ببيتنا في منطقة عين الرمانة، يتخيّل أن تمتدّ النيران التي تهبّ من البوعزيزي إلى الهلال الخصيب ويتحقق حلمه بثورةٍ في لبنان وسورية أيضاً.

تعود بنا الصورة إلى الثورة السورية مجدداً، تتمزق أحشاء الذين لم يكونوا على علم بأن كل شيء سيُعرض على التلفاز، سيُغسل ويُنشر كما شاء أيّ طرفين خلال أيّ نزاعٍ مُعلن أو غير مُعلن.

الحرب بالقلم والألوان والجدار الفاصل بين الصارخين من الشوارع إلى معاجن الحلويات، من ماري أنطوانيت إلى قصور العهد الجديد، من أدوات التعذيب، من كرسي المكتب الذي يتحول إلى كرسي كهربائي، من حبل الغسيل في قصائد الشعر الحديثة إلى المشانق التي تزداد أرقامها كلما يُسجّل اسم رضيع جديد من أجل هويةٍ طازجة.

نعود إلى صديقي، خلال حرب إسرائيل على لبنان عام 2006، كان يكرّر مقولته الدائمة: "إن وجدت يوماً ما سلاحاً بحوزتك، سلاحاً غير الفن، فاعلم أنني سأُطلق النار عليكَ، وأصيبك برجلك، سأستهدفكَ بسلاحك ثم أرسلك لتتعالج نفسياً وجسدياً".

وخلال الحرب، كان صديقي نفسه يشتري أقراص الدي-في-دي لنشاهد الأفلام. كنت أجده أحياناً في السهرات يتابع مشهداً سينمائياً: حيث الولد ينتظر والده، لكنه لا يعود ولا يسمع عنه شيئاً. هو انضم إلى صفوف الموت تاركاً لوالده ذكراه فقط، في الصور العائلية.

وبعدها بأيام شاهدنا إحدى أجمل الثورات الطلابية في التاريخ بفيلم "الجدار" لآلن باركر وفرقة "بينك فلويد". لم نكمل مشاهدة الفيلم بسبب انقطاع الكهرباء، تبع ذلك صوت قصفٍ جوي من قبل طائرات الاستطلاع الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية. كانت "أم كامل" أو الـ (MK) فخر الصناعة الإسرائيلية في السلاح الجوي، صوتها يتناغم مع صوت البراغيث ومفعولها يشبه مفعول بخاخ الذباب.

مضى عامٌ كامل على الحرب، وإطلاق النار الجديد حصل بعدها في مناطق أُخرى خلال أحداث الجامعة العربية، انقسم المشهد بين شباب يهوى الرماية من السطوح وآخرين ينتظرون لحظة ذبح الآخر. لم نكن نعلم من يحارب من، أو حتى لماذا.

لكن في تلك الليلة أعطاني صديقي فيلم الجدار لأعيد مشاهدة مشهد الثورة الطلابية على المؤسسة التي علمتهم الأحرف ولكن منعتهم من كتابة الشعر، وفي الوقت ذاته، كان علي وعمر يتحاربان للسيطرة بالرأس والدم، بينما كان آلان باركر يصنع ثورةً يحلم بها من تتلمذ على يد كلّ من تبع مقولة "من لا يصنع، يُعَلِّم".

وما زال الكلاشينكوف مدفوناً حتى اليوم.

دلالات

المساهمون