أمن الاحتلال أوهى من بيت العنكبوت

15 يوليو 2014
+ الخط -

لم تعد إسرائيل في حالة أريحية قتالية، وهي حين تمارس عدوانها ضد قطاع غزة، لا تنطلق من موقع قوة، بل من واقع أزمة، ومن استشعار بخطر استراتيجيٍّ، بات يهدد كيانها، ويمس أركان النظرية الأمنية، التي أقامت بناءها عليها.

إسرائيل دولة أمنية بطبيعتها، سكانها ليسوا متجذرين فيها تاريخياً وقومياً، ووجود كثير منهم فيها أشبه ما يكون بالإقامة في فندق، وهو وجود خاضع لمدى توفر شروط الراحة، وحين يجد المقيم عرضاً بميزاتٍ، تنافسية أفضل، فإنه سيفضله على بقائه في إسرائيل، وهناك نسبة كبيرة من الإسرائيليين يحملون جنسيةً مزدوجةً، وهناك تزايد في طلبات الحصول على جنسيات بلدان أوروبية، وهو ما أرجعه عالم الاجتماع الإسرائيلي، جاد برزلاي، إلى أن الشباب الإسرائيليين لا يجدون أملاً في المستقبل، ولا يثقون بالقيادة الحالية، ولا يشعرون بالأمان، بسبب الأوضاع السياسية الأمنية، لذلك، يبحثون عن جنسيةٍ بديلةٍ، تعينهم وقت الضيق.

طالما تعامل سكان إسرائيل معها بأنها دولة امتيازات، لا دولة ولاء وطني، مما يعني أن فك ارتباطهم بها أيسر كثيراً من فك ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه، فالفلسطينيون، على الرغم من كونهم شعباً أعزل يعيش في ضائقة من العيش، إلا أنه متجذر في أرضه، ومستعد للموت، ولتحمل أقسى الظروف في سبيل البقاء في وطنه، وفلسفة هزيمة إسرائيل لا تقوم على الحسم العسكري للمعركة، بل يكفي أن ترفع مستوى التنغيص على سكانها، وتحويلها من كيان جاذب للهجرة إلى كيان طارد للإقامة والاستثمار فيه.

هذه تحديداً هي فلسفة المقاومة الفلسطينية، التي تدرك أنه لا مقارنة بين القدرات العسكرية، التي تمتلكها، وقدرات دولة الاحتلال النووية، لكنها تعلم أن المطلوب منها ليس هو الحسم العسكري للمعركة، بقدر ما هو رفع تكلفة الاحتلال نفسياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً، وهذا ما تحققه صواريخ المقاومة المصنعة محلياً.

في ضوء هذه الفلسفة، من العبث تركيز النقاش على مدى القدرة التدميرية للصواريخ الفلسطينية، وعلى إحصاء الخسائر الإسرائيلية البشرية، لأن أهم ما تحققه هذه الصواريخ أنها ترسل رسالةً مزعجةً لكل من يفكر بالقدوم إلى إسرائيل، وللمقيمين فيها.

من أبرز خصائص المواجهة الحالية بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، أن صواريخ المقاومة استهدفت تقريباً معظم الأماكن الحيوية في دولة الاحتلال، وتساقطت هذه الصواريخ على تل أبيب العاصمة، وعلى حيفا، التي يقع فيها أكبر مصنعٍ للكيماويات في منطقة الشرق الأوسط، وسقطت على منطقة ديمونة، وهي الأخطر في الشرق الأوسط، حيث المفاعل النووي الإسرائيلي، كما استهدفت صواريخ المقاومة مطار اللد(بن جوريون)، ودعت كتائب القسام شركات الطيران الأجنبية إلى الامتناع عن تسيير رحلات جوية إلى إسرائيل، وهو ما انعكس فعلياً على إلغاء آلاف رحلات الطيران، مما أثار ضجة إعلامية كبيرة في دولة الاحتلال.

ليست لدى الفلسطينيين دولة تمتلك جيشاً وأرضاً وسلاحاً، وليست لديهم القدرة على دخول حرب تقليدية، أو أن يلوحوا بقدراتهم النووية، لكن التداخل الجغرافي بين أماكن وجودهم في فلسطين، وبين مدن الاحتلال ومستوطناته، يحرم إسرائيل من مزايا الحروب التي كانت تشنها بعيداً عن أرضها، وأية مواجهة مع الفلسطينيين تعني إرباكاً للعمق الاستراتيجي لدولة الاحتلال، مما يعد تحطيماً لأحد أهم أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية، التي قامت على ضرورة شن الحروب خارج حدود إسرائيل، وإبقاء العمق الإسرائيلي آمناً.

حطم الفلسطينيون كل الخطوط الحمراء، التي وضعتها إسرائيل، وأهانوا كبرياءها العسكري بقصف تل أبيب، معقل السيادة والأمن والجيش، بصواريخهم البدائية، وسجلت هذه الجولة من الصراع، كالتي قبلها وقبلها، ضربةً قويةً لدولة إسرائيل بفشل القبة الحديدية التي أنفقت عليها الولايات المتحدة مليارات الدولارات.

وعلى الرغم من فداحة المصاب الفلسطيني، نتيجة سياسات القتل والتدمير الإسرائيلية، إلا أن من يسير في شوارع غزة تسهل عليه ملاحظة الروح المعنوية العالية، التي تسيطر على الأهالي في أجواء الحرب، وأن فرحتهم بإهانة كبرياء إسرائيل تتفوق على حزنهم بمصابهم في أنفسهم وأموالهم.

حقق الشعب الفلسطيني الأعزل ما عجزت عن تحقيقه ترسانة الأسلحة العربية المكدسة، وحين حاصره الأشقاء العرب، حفر في تراب أرضه، ليصنع منه سلاح مقاومةٍ، بجهد ذاتي خالص، وفي ظل معادلة الإيمان الفلسطيني وقوة الإرادة والإصرار على الانتصار، تبدو أدوات الاحتلال في التصدي لهذه المقاومة يائسةً، فأقصى ما يملكه العدو هو المزيد من التدمير والقتل، من دون أن يملك سلطاناً على الأرواح لكسر إرادتها.

إسرائيل ليست قوةً جبارةً، وهي حقاً أوهى من بيت العنكبوت، وهزيمتها ممكنة، والفلسطينيون، على الرغم من ضعف إمكاناتهم، إلا أنهم استطاعوا أن يمرّغوا أنف آلة القتل والدمار في رمل أول متر من حدود قطاع غزة.

avata
avata
أحمد أبو رتيمة (فلسطين)
أحمد أبو رتيمة (فلسطين)