"مناطق الصراع" العراقية: بغداد تريد حلولاً لا تستفز الأكراد

"مناطق الصراع" العراقية: بغداد تريد حلولاً لا تستفز الأكراد

20 يناير 2019
تعيش كركوك المتنازع عليها وضعاً أمنياً مقلقاً (الأناضول)
+ الخط -
يضع تدهور الأوضاع السياسية وتداعياتها الأمنية في المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل في العراق، علاقات الطرفين على المحكّ، وينذر بتفجّر أزمة سياسية جديدة بينهما، قد تؤثّر على محاولات حكومة عادل عبد المهدي لملمة الأوضاع في البلاد. وتتفاقم حدّة الخلافات السياسية في تلك المناطق لتطفو أزماتها على الساحة العراقية، وسط مناشدات لحلول عاجلة والحدّ من تأزّمها بما قد يؤثر على مصلحة البلاد. وتشهد مناطق "الصراع"، أوضاعاً مرتبكة. فما بين خلافات محتدمة في سنجار وتدهور أمني في مدينة خانقين (في محافظة ديالى)، ترافقه أزمات سياسية وتداعيات أمنية في كركوك، تبدو العلاقة بين بغداد وأربيل قلقة، قد تنفجر في أي لحظة.

وفي السياق، قال مسؤول سياسي مطلع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة العراقية الممثلة برئيسها عادل عبد المهدي، غير مطمئنّة للأوضاع في المناطق المتنازع عليها، لما تشهده من سيطرة بعض الجهات السياسية عليها وصراع بسط النفوذ فيها"، موضحاً أنّ "تقارير يومية تصل إلى رئيس الحكومة بشأن تدهور الأوضاع في تلك المناطق، والتي منها سنجار وكركوك وخانقين وغيرها".

ولفت المسؤول إلى أنّ "الحكومة تحاول أن تجد تسوية لذلك، من خلال السيطرة على تلك المناطق، وإيجاد تفاهمات تمتص حدّة الخلافات السياسية بشأنها"، مؤكداً أنّ "قادة أكراداً، ومنهم رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، أجروا أخيراً اتصالات عدّة مع عبد المهدي وبحثوا معه هذا الملف".

وأضاف المسؤول نفسه أنّ "وفداً كردياً رفيع المستوى سيصل إلى بغداد قريباً، لبحث تداعيات أزمات المناطق المتنازع عليها، فضلاً عن بحث المواضيع السياسية الأخرى ذات الاهتمام المشترك بين الطرفين، ومنها موضوع تشكيل الحكومة"، مؤكداً أنّ "الحكومة تعمل على تشكيل لجان مشتركة بين بغداد وأربيل لبحث الملفات العالقة، والتي منها ملف المناطق المتنازع عليها، وإمكانية وضع حلول لها".

وتحذّر جهات سياسية عراقية من خطورة تدهور الأوضاع في هذه المناطق، داعيةً إلى حوار وطني عاجل بشأنها. ومن بين هؤلاء رئيس "ائتلاف الوطنية"، إياد علاوي، الذي قال في بيان صحافي أخيراً، إنّه "بحث مع مسؤولين أكراد إمكانية تطوير العلاقات بين حكومتي بغداد وأربيل"، مؤكداً أنّ "هناك ضعفاً في التنسيق وعدم متابعة القرارات والاتفاقات السياسية التي كانت أبرز أسباب الخلاف بين الحكومتين، خصوصاً في ما يتعلّق بسنّ القوانين والتشريعات المهمة للطرفين، والتي نصّ عليها الدستور العراقي".

وأشار علاوي في بيانه إلى "خطورة تفاقم الأوضاع في المناطق المتنازع عليها، ما يستدعي ضرورة إطلاق حوار وطني عاجل، يجد حلولاً للأوضاع فيها"، مشدّداً على "أهمية وجود تنسيق فاعل بين بغداد وأربيل، في المواضيع كافة، وتنسيق المواقف بما يخص القضايا المهمة".

ويؤكد مسؤولون أكراد أنّ مليشيات "الحشد الشعبي" تعمل بالتعاون مع "حزب العمال الكردستاني" لخلق أزمات في تلك المناطق. وفي هذا الإطار، قال قائمقام بلدة سنجار، (المتنازع عليها) والتابعة لمحافظة نينوى، القيادي الكردي، محما خليل، إنّ "الحشد الشعبي عمل بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني، على تعيين قائمقام جديد في البلدة لتنفيذ أجندات خاصة"، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذا التعيين لم يبنَ على أسس قانونية وشرعية".

وأكد خليل أنّ "القائمقام الشرعي هو أنا فقط، ومستمر في مزاولة عملي"، لافتاً إلى أنّه "يزاول عمله الإداري خارج البلدة، في مخيمات النازحين في إقليم كردستان". وقال إنّ "الحشد وحزب العمال الكردستاني لا يسمحون لأعضاء مجلس إدارة سنجار بالعمل إلّا إذا كانوا موالين لهم"، مشدداً على أنه "عندما تحترم تلك الجهات هيبة الدولة، وتستطيع الحكومة أن توفر لنا الأمان لممارسة عملنا ومسؤولياتنا، سنعود إلى سنجار لنزاول أعمالنا فيها".

إلى ذلك، تعيش كركوك، المتنازع عليها، وضعاً أمنياً مقلقاً، خصوصاً بعد مقتل قيادي من حزب البارزاني فيها، الأسبوع الفائت. وقال رئيس مجلس قيادة "الحزب الديموقراطي الكردستاني" في المحافظة، كمال كركوكي، أخيراً، إنّ "كركوك اليوم مدينة محتلة وبمثابة معسكر كبير لانتشار الأسلحة"، مشدداً على "ضرورة مغادرة الفصائل العسكرية المسلحة من المحافظة على الفور". وأكد كركوكي أنّ "الحل في كركوك يكمن في تسليم الملف الأمني والإداري لأهالي المحافظة ومكوناتها، وأن يتم اختيار محافظ غير منحاز لأي جهة".

ويؤكد مراقبون أنّ ملف المناطق المتنازع عليها هو من أكثر الملفات صعوبة، خصوصاً أن هناك جهات سياسية وحزبية تحرّكه، مستغلةً نفوذها في تلك المناطق لتحقيق أجندات سياسية على حساب مصلحة البلد. وقد دعا هؤلاء إلى ضرورة التعامل بحذر مع هذا الملف من قبل الحكومة، كونه ملفاً حساساً، في ظلّ محاولة جهات سياسية استغلاله لصالحها.

وتعليقاً على ذلك، قال الخبير السياسي، طالب الفلاحي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "تأزم الأوضاع في مناطق الصراع بين بغداد وأربيل، يعود إلى الخلافات السياسية بين الكتل، وهو انعكاس لأزمة إكمال التشكيلة الحكومية"، موضحاً أنّ "الكتل السياسية التي تعارض عبد المهدي، ولا تريد لحكومته الاستمرار، تسعى من خلال أذرعها الممتدة إلى تلك المناطق، لتأزيم الأوضاع فيها، وهذا واضح من التدهور الحاصل في سنجار وكركوك وخانقين".

وأكد الفلاحي أنّ "الأحزاب كافة المنضوية ضمن تحالفي البناء والإصلاح، لديها مقار في المناطق المتنازع عليها، ولديها نفوذ كبير فيها، حيث تعمل من خلالها على تنفيذ أجنداتها الخاصة"، مشيراً إلى أنّ "العلاقات الجيدة التي تربط عبد المهدي بالأطراف الكردية، لا ترضي الجهات التي لا تريد له الاستمرار بعمله، لذا لجأت في هذا التوقيت إلى إثارة تلك المناطق".

وحذّر الفلاحي من "خطورة عدم إدارة هذا الملف بشكل سليم، واتخاذ أي قرار يستفز الأكراد"، موضحاً أنّ "أي خطأ قد يفجّر أزمة خطيرة بين بغداد وأربيل، قد تشعل صراعاً سياسياً، تكون تداعياته سلبية على عمل الحكومة التي ما زالت في بداية طريقها".

وتعدّ مناطق "الصراع" أو "المناطق المتنازع عليها"، أو كما يسميها الأكراد "المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم"، نقطة حيوية في الخلاف بين حكومتي بغداد وأربيل، وهي مناطق مختلطة من ناحية التركيب السكاني، تضم عرباً وأكراداً وتركماناً وأقليات أخرى. ولم تستطع الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ عام 2003 حتى اليوم، التوصّل إلى حل توافقي مع الأكراد بشأنها، والذين يتمسكون بضمها لإقليم كردستان.

يشار إلى أنّ القوات العراقية ومليشيات "الحشد الشعبي" كانت قد فرضت سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، عقب استفتاء كردستان، الذي جرى نهاية سبتمبر/أيلول عام 2017، بينما انسحبت قوات "البشمركة" الكردية منها.