"خصوصية" الاستحقاق الانتخابي في الجزائر

"خصوصية" الاستحقاق الانتخابي في الجزائر

12 ابريل 2014

بوتفليقة أحد خمسة مرشحين في انتخابات 17 إبريل الجاري

+ الخط -

يقترب موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في الجزائر، في أجواء سياسية وعامة، لا سابق لها في هذا البلد الذي شهد بدايات تحولٍ ديمقراطي قبل نحو ربع قرن. إذ تتميز هذه الانتخابات بأن الأوفر حظاً في كسبها هو الرئيس الحالي للبلاد منذ عام 1999، عبد العزيز بوتفليقة. مرشحٌ لا يقوم بجولات انتخابية، ولا يتصل بناخبيه لأسباب صحية، فلم يتعافَ من جلطةٍ دماغيةٍ أصابته في إبريل/ نيسان من العام الماضي، وهو ما أقرّ به في كلمة تلفزيونية مقتضبة، أعلن فيها ترشحه للانتخابات في 23 فبراير/ شباط الماضي.
تأخر هذا الإعلان بعض الوقت، ومع التأخر شاعت تكهناتٌ واسعة النطاق بأن المرشح الرئاسي الأوفر حظاً (77عاماً) عازفٌ عن الترشح هذه المرة، مكتفياً بالولايات الثلاث من عهده، إلا أن ما بدا، وما طفا، من خلافاتٍ بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الأمن وضع حداً لهذا التردد والتريّث. والرئيس بوتفليقة هو سليل المؤسسة العسكرية ومؤسستها الحزبية: جبهة التحرير الوطنية، كما أغلب الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجزائر منذ استقلالها قبل أزيد من نصف قرن.
وإذ يبدو هذا الترشح بأنه إجراء شبه اضطراري، لتفادي منازعاتٍ غير مرغوب بها بين مؤسسات السلطة، إلا أنه، وفي ظرفٍ صحيٍ لا يسمح للمرشح بالنهوض بأعباء الحكم، ويلقي ظلالاً على مستقبل الحياة السياسية في هذا البلد، سارعت قوى لإعلان مقاطعتها الانتخابات، ومنها "حركة مجتمع السلم الإسلامية" الإصلاحية، والتي سبق أن شاركت في غالبية الاستحقاقات السياسية، و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، وهو حزب يتقاسم النفوذ الواسع مع حزب آخر هو "جبهة القوى الاشتراكية" في منطقة القبائل ذات الأغلبية الامازيغية، فيما أطلقت قوى شبابية وجامعية تحركاً عنوانه: بركات (يكفي) لحكم العسكر. وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيراقب الانتخابات عبر "بعثة مصغرة" في بلد شاسعٍ، لأكثر من 22 مليون مواطن جزائري فيه حق الاقتراع.


وإلى ذلك، لا تكتم صحف جزائرية دهشتها من هذا الوضع الغريب الذي يكتنف الانتخابات، وهي الحدث السياسي الأهم، وذهبت إحداها ("الخبر") إلى أن الرئيس المرشح هو "مرشح بالوكالة" (عن المؤسسة العسكرية). وكتبت صحيفة "الوطن ": "هذه الحملة الانتخابية تتميز بغياب المرشح بوتفليقة، مما ترك فراغاً كبيراً"، والمقصود، بالطبع، الغياب الفيزيائي للمرشح.
في واقع الأمر، لم تعرف الجزائر، وبعد أن حققت نجاحاً في تطويق ظاهرة "الجهاد المسلح" والعنف الأعمى ضد الدولة والمجتمع منذ تسعينات القرن الماضي، اضطرابات سياسية ذات طابع أمني، أو تهديداً داخليا للأمن والاستقرار فيها في السنوات القليلة الماضية، باستثناء تحركاتٍ شبابيةٍ في عامَي 2011 و2012 تساوقت مع موجة الربيع العربي، ويصعب وصفها بأنها اضطرابات، سوى بالمنظور الأمني الضيق. وعليه، فإن اللجوء الى خيار استثنائي، مثل ترشيح مرشح ليس في كامل لياقته الصحية، فترة تمتد خمس سنوات، أمر غير مقنع أو غير مبرر. وإذا كان المقصود بهذا الإجراء هو بالفعل تفادي منازعات، فإنه لا يؤدي سوى إلى إرجاء هذه المنازعات وترحيلها إلى المستقبل، مع ما لذلك من تداعياتٍ لا يعلم إلا الله مداها وتأثيرها على الاستقرار العام في البلاد، وقبل ذلك، على التطلعات الوطنية إلى إرساء دولة عصريةٍ، تحتكم إلى سيادة القانون والفصل بين السلطات.
ومع بروز هذا الوضع الاستثنائي، فقدت المعركة الانتخابية مُسبقاً الكثير من وهجها.  وللأسف، خسرت أيضاً بعض صدقيتها. فقد أبدى ثلاثة من المرشحين الخمسة الذين يواجهون الرئيس المرشح ما هو أبعد من الخشية على سلامة عملية الانتخاب ونزاهتها. فقد قال المرشح، رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، إن الولاة ورؤساء الدوائر تلقوا تعليمات بتزوير الانتخابات. وذهب رئيس حزب عهد 54، المرشح علي فوزي رباعين، إلى أن "التزوير هو السلاح الوحيد الذي يستخدمه النظام في كل انتخابات". وهو ما ذهب إليه، أيضاً، مرشح حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي.
هذه الاتهامات من ثلاثة مرشحين قابلة لاعتبارها جزءاً من حملة انتخابية لإلحاق الضرر بصورة مرشح منافس، غير أن ملاحظين في الجزائر يلاحظون أن صور الرئيس المرشح تنتصب في أماكن لا يسمح فيها بالإشهار الانتخابي، وأن وسائل الاعلام الرسمية تنشط في متابعة نشاطات خمسة سياسيين يقومون بالحملة لصالحه، وفي مقدمتهم المستشار في الرئاسة، عبد العزيز بلخادم، بينما تخصص مساحات أقل بكثير لحملات بقية المرشحين.
الخشية، في غمرة ذلك كله، أن تندفع الجزائر، بعد استحقاق 17 أبريل/ نيسان الجاري، إلى مأزق سياسي صعب، تنعدم فيه، أو تكاد، فرص تجديد النظام "نفسه"، مع استمرار الدوران في دائرة مفرغة، عنوانها سيطرة مؤسسة غير مدنية على الحياة العامة في جميع أوجهها، وإقفال فرص التداول السلمي على الحكم، عبر انتخاباتٍ تنأى فيها السلطة التنفيذية عن التدخل بها، أو تقرير وجهتها، وذلك كله باسم "خصوصية الوضع"، وكأن هذه الخصوصية غير مفتوحة إلا باتجاه واحد، هو الحدّ من فرص إشاعة حياة سياسية طبيعية، وعادية، في بلد المليون شهيد.