"الثقة" الأميركية بالغنوشي: إسلام معتدل ومحاربة إرهاب

"الثقة" الأميركية بالغنوشي: إسلام معتدل ومحاربة إرهاب

17 مارس 2015
يزور الغنوشي الولايات المتحدة للمرة السابعة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يعود رئيس "حركة النهضة" التونسية راشد الغنوشي إلى الولايات المتحدة، التي يزورها بدعوة من جامعة كولومبيا، من أجل إلقاء المحاضرة الافتتاحية لمؤتمر دولي، تنوي الجامعة تنظيمه حول التجربة الديمقراطية في تونس، يومي 27 و28 مارس/آذار الحالي. وتُعتبر هذه الزيارة السابعة للغنوشي إلى الولايات المتحدة، منذ خلع الرئيس زين العابدين بن علي في العام 2011.

وكان الغنوشي استقبل وفداً أميركياً في 10 مارس/آذار يمثل "وورلد أفيرز كاونسيل"، الذي عبّر عن إعجابه بـ"دور حركة النهضة في تجنيب تونس الانزلاقات التي عرفتها بلدان الربيع العربي الأخرى". كما التقى رئيس "مؤسسة المجتمع"، رجل الأعمال الأميركي جورج سوروس، الذي عبّر عن "تقديره للتجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي، وإعجابه بالمسار الذي اتخذته تونس، وسط منطقة تعاني من المخاطر والتحديات الأمنية والاقتصادية". وحيّا سوروس "أهمية الحل التوافقي الذي تم اعتماده في تونس، ودوره في التأسيس للاستقرار فيها، وفتح المجال أمام رفع نسق التنمية والتعاون الاقتصادي مع مختلف الشركاء في العالم".

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين ألبرايت، زارت الغنوشي، مثنية على دور "حركة النهضة" ورئيسها بما توصلت إليه تونس، وجهود الحركة المبذولة في الجمع والتأليف بين حزب ذي نفس إسلامي، وبين أحزاب أخرى، بـ"هدف غرس وتجذير وتأصيل الديمقراطية". وكرّس الغنوشي مكانته التونسية أميركياً، وبات ثابتاً على جدول زيارات الوفود الأميركية إلى تونس، إلى جانب الصلة الوثيقة التي تربطه بالسفير الأميركي في تونس، جايكوب واليس.

لم تولَد هذه العلاقة القوية مع الولايات المتحدة، بين ليلة وضحاها، فالأوساط الأكاديمية والسياسية، كانت ترصد أفكار الغنوشي ومواقفه، منذ سنوات طويلة، لكن المنعرج الحقيقي لهذه العلاقات حصل بعد الثورة، حين برزت "حركة النهضة" كأهم حزب سياسي في تونس، قبل الصعود السريع لحزب "نداء تونس". وتابع الأميركيون كيفية تفاعل الغنوشي مع التطورات المحلية والإقليمية.

يقول مدير مركز "دراسة الإسلام والديمقراطية" في واشنطن، الأميركي من أصل تونسي رضوان المصمودي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الأوساط الأميركية اهتمت بعدم دعوة حركة النهضة إلى تغيير نمط المجتمع التونسي، ومحاولة فرض نمط مغاير، باللجوء إلى القوة، واحترامها حقوق الإنسان بالمفهوم العالمي، وقبولها بالدستور، وتنازلها عن السلطة، واحترامها لقواعد اللعبة الديمقراطية، وقبولها بنتائج الانتخابات".

وأضاف المصمودي الذي كان له دور في التقريب بين الغنوشي ومراكز صناعة السياسات في الولايات المتحدة، أن "ذلك جعل مختلف الأطراف الأميركية تثق بالغنوشي، وترى فيه مفكراً وسياسياً أدّى دوراً في نجاح التجربة التونسية، وأصبحت ترى فيه نموذجاً للإسلام الديمقراطي".

ويؤكد إعجاب الدوائر الأميركية بشخصية الغنوشي ومواقفه، عدم استجابة "صنّاع القرار في واشنطن، للضغوط التي مورست في مرحلة سابقة، من قبل بعض التجمّعات الأميركية، بغية إسقاط ورقة الإسلاميين، والتخلّي عنهم". وتفيد المعطيات بأن "الدوائر الأميركية تعتبر الغنوشي قوة سياسية، ويُمكن الاعتماد عليه في هذه المرحلة، مستغلّة وصول العسكر من جديد إلى الحكم في مصر".

اقرأ أيضاً: الغنوشي يروي لـ"العربي الجديد" فصولاً من نجاة تونس

وتؤكد مؤشرات عديدة أن الإدارة الأميركية أصبحت حريصة أكثر من قبل، على إبراز الغنوشي وحركته، كنموذج يُمكن ترويجه عربياً على الأقلّ، بعد أن فشلت بقية الحركات الإسلامية في معظم البلاد العربية، وتعثرت خططها للبقاء في السلطة.

وتبدي دوائر القرار الأميركي، اعتقادها بأن "حركة النهضة" يُمكن أن تشكّل نموذجاً للإسلاميين العرب، بطابعها السلمي، وتفاعلها مع محيطها المحلي والإقليمي، من حيث واقعيتها السياسية وتقيّدها باحترام قواعد اللعبة الديمقراطية، وقبولها بالآخرين كأطرافٍ فاعلة وشريكة في إدارة شؤون الوطن. وهذه جوانب مهمة عند الأميركيين، خصوصاً في منطقة مضطربة تتمتع بالقابلية لصعود الحركات العنيفة.

ويعتقد الأميركيون بأن مشروع "حركة النهضة"، مشروع ليبرالي إسلامي، في الصميم. وهو ما أبرزه أستاذ القانون الدستوري بجامعتي يال وهارفرد، نواه فيدمان، في ورقة قدّمها أخيراً تحت عنوان: "تونس كدولة ليبرالية إسلامية". ولا يميز معظم الأميركيين بين الديمقراطية والليبرالية، وعلى هذا الأساس يُثّمنون عدم وجود تعارض بين التوجهات الاقتصادية لـ"حركة النهضة"، وتلك التي يتبنّاها حزب "نداء تونس"، أو حتى حركة "آفاق تونس" ذات التوجه الليبرالي.

ويسود الاعتقاد في واشنطن، بأن "حركة النهضة حليف مهم للجهود المبذولة في سياق الحرب على الإرهاب". ولا يعتقد الأميركيون بأن "خطاب الغنوشي عنفي، أو يتقاطع مع الجماعات الراديكالية"، ولهذا يسعون إلى الاستفادة من دوره لمعالجة المسألة الليبية.

ووسط الاهتمام الأميركي، يتواصل الجدال في أوساط جماعة "الإخوان المسلمين"، تحديداً في مصر، حول تقييم تجربة "حركة النهضة" وزعيمها، وما إذا كانت هذه التجربة تُشكّل خطوة إلى الأمام، أم مجرد خطوة تنازلية على "حساب الدعوة والثوابت الإسلامية".

كما يعتقد جزء منهم بأن "الحركة فشلت في تحقيق خطوات جدية نحو أسلمة المجتمع والدولة في تونس، وأن تسليمها السلطة لحزب نداء تونس العلماني، في أعقاب فشلها الانتخابي، دليل على قصور في منهجها". ولا ينظر الغنوشي الذي يتمتع بمكانة بارزة في أوساط الإسلاميين العرب، لتجربته من هذا المنظار، فقد تخلّى عن مفهوم "الأسلمة"، ومهّد للانتقال نحو الديمقراطية، التي باتت أولوية على حساب المنهج العقائدي. ولا يقيس الغنوشي التقدّم بمدى التزام التونسيين بالشعائر والسلوك الديني، وإنما بقدر ما تتمتع به الحركة الإسلامية وبقية المواطنين التونسيين، من حرية واستقرار ونهوض اجتماعي واقتصادي.

اقرأ أيضاً: الغنوشي مطمئن لبقاء الحكومة رغم أزمة "نداء تونس"