أسئلة مؤتمر "النهضة" التونسية

أسئلة مؤتمر "النهضة" التونسية

11 مارس 2015

مؤتمر لحركة النهضة في العاصمة تونس (13أغسطس/2014/الأناضول)

+ الخط -

يستعدّ حزب النهضة التونسي لعقد مؤتمره العاشر، في ظل أجواء محلية وإقليمية تطرح عليه، بوصفه أحد أبرز الحركات الإسلامية، أسئلة كثيرة، ستساهم الأجوبة عنها في تحديد مستقبل هذه الحركات، في ضوء الانتكاسات والانتقادات التي عرفتها، أو تعرفها تجاربها، سواء في الحكم أو المعارضة في أكثر من بلد عربي.

ويكتسي مؤتمر حزب النهضة أهمية كبيرة لدى الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، كما عند منافسيهم وخصومهم، على اعتبار تجربة هذا الحزب ومساهمته في الانتقال الديمقراطي في بلاده، وهو ما جعل منه أحد أهم مكونات المشهد السياسي، اليوم، في تونس، ونموذجاً للحزب السياسي الإسلامي الذي تسعى حركات إسلامية كثيرة في المنطقة إلى الاحتذاء به.

داخلياً، وبالنسبة لحزب النهضة، يأتي مؤتمرها العاشر محطة مهمة لتقييم 35 عاماً من وجودها حركة سياسية، وأربعة أعوام من تدبيرها الحكم أو المشاركة فيه. وطوال فترة وجودها، عبرت "النهضة" محطات حاسمة، عرفت كيف تحافظ على طابع دعوتها السلمية، على الرغم من القمع الذي تعرضت له، وسنوات السجون والنفي الطوال التي قاسى منها مناضلوها، وأظهرت مرونة وذكاء كبيرين، في مرحلة اتسمت بالتوتر، خصوصاً عندما كانت تترأس الحكومة، وتقود إيقاع النقاش داخل المجلس التأسيسي، لإعداد أول دستور ديمقراطي لتونس ما بعد الثورة.

أول سؤال ينتظر أن يرد عليه المؤتمرون هو الحسم في قيادة حزبهم المقبلة. ويتعلق الأمر، هنا، بموقف يصعب الحسم فيه. هل سيستمر مؤسس "النهضة"، ورئيسها الحالي راشد الغنوشي على رأسها، أم سيختار الحزب قيادة جديدة؟ وليس الحسم في هذا السؤال سهلاً، بالنظر إلى الدور الذي لعبه، ومازال يلعبه، الغنوشي، باعتباره عراب الحزب، حافظ على بقائه وتماسكه في أحلك المراحل، عندما كان مناضلوه مشتتين بين المنافي والسجون، وقاده بحنكة وحكمة، عندما أصبح معترفاً به، يقود أول تجربة للانتقال الديمقراطي في العالم العربي، تحتاج إلى الكثير من التوافق والحوار والتنازلات الموجعة، نجح الغنوشي في إقناع مناصري حزبه بقبولها.

يطرح البديل أكثر من سؤال حول من يمكنه أن يملأ مكان الغنوشي، فنائب رئيس الحزب، عبد الفتاح مورو، الذي عانى من التهميش طويلاً، قد لا يمثل النموذج الذي يمكن أن يقدمه حزب يسعى إلى تطوير نفسه، وتشبيب أطره، واستقطاب مزيد من الشباب في صفوفه. أما الأمين العام السابق للحزب ورئيس الحكومة السابق، حمادي الجبالي، فإن استقالته المبكرة، على الرغم من حضوره أشغال الإعداد للمؤتمر المقبل، أقصته إلى حد ما من حلبة التنافس. لكن بقاءه خارج الحزب والغموض الذي يحيط وجهته المستقبلية الجديدة يطرح أكثر من سؤال بشأن استمرار الحزب متماسكاً وموحداً. وتبقى طموحات الأمين العام الحالي ورئيس الحكومة السابق، علي العريض، مشروعة في قيادة حزبه مستقبلاً. لكن، من شأن وجوده على رأس الحزب أن يبعث رسائل غير مطمئنة لخصومه في الداخل، خصوصاً من اليساريين والعلمانيين الذين شكلوا أكبر وأقوى معارضة أدت إلى إسقاط الحكومة التي كان يقودها.

الإشكال الثاني الكبير المطروح على مؤتمري حزب "النهضة" هو الحسم في الوثيقة المذهبية الجديدة لحزبهم التي ستحدد هويته، حزباً سياسياً، وليس تنظيماً دينياً، يتعارض في مرجعياته الأساسية مع مكونات الدولة المدنية، ومقومات النظام الجمهوري. وعلى الرغم من أن الحزب حسم في بعض هذه الأسئلة في فترة الإعداد للدستور، إلا أن الوثيقة المرجعية للحركة مازالت معتمدة في أدبيات الحزب، وهي تحمل في طياتها مبادئ وأفكاراً كثيرة تجعل منها حركة دينية صرفة، تتحدث عن العقائد والأصول والمناهج، وعن مفهوم "الاستخلاف" في الأرض، وتغيب فيها المفاهيم المؤسسة للدولة المدنية، مثل الحرية والديمقراطية والمواطنة. وتصف أنصارها بـ "حملة التوحيد". وفي المقابل، تطرح مفاهيم قابلة لكل تأويل، مثل مفهوم "الجهاد". وتنكر الاجتهادات التي تمنع تعدد الزوجات وإقامة الحدود، وتحريم الربا. فالحسم في كل هذه الأسئلة المرجعية يطلب، اليوم، من المؤتمر مراجعتها وإثراءها، وتعديل بعض بنودها، وإلغاء أخرى.

فالحسم في طبيعة هذه الوثيقة المذهبية، وتعديلها كما يطالب بذلك منتمون لـ "النهضة"، أو إلغاؤها، كما يطالب بذلك منتقدوها، هو الذي سيحدد هوية الحزب الجديد، وإلى أي مدى ساعدته تجربته في المشاركة السياسية، وفي إدارة الحكم في الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي.

النقطة الثالثة التي ينتظر أن يحسم فيها مؤتمر حزب "النهضة"، هي تحديد علاقة الحركة، كحزب يتخذ من فكر الحركة الإسلامية السياسية في العالم العربي، ممثلة في تنظيم الإخوان المسلمين مرجعاً له، علاقته وارتباطاته مع هذا التنظيم، وأن يحسم في استقلاليته، كحزب تونسي لا يتبع أي تنظيم خارجي، ولا يسعى إلى تسويق أفكاره خارج حدود بلاده تونس. ويتعامل مع أنصاره كمواطنين تونسيين، وليس كـ "حملة التوحيد"، لا يهمه إيمان الأفراد بقدر ما يهمه احترامهم بنود الدستور المدني الذي ساهمت "النهضة" في صياغته، وصادق عليه التونسيون في استفتاء عام.

المؤتمر المقبل لأحد أكثر تجارب الإسلام السياسي نجاحاً، سواء عندما كان يعبر صحراء المعارضة، أو عندما تبوأ الحكم، سيكون محطة فارقة للحسم في أسئلة ومفاهيم كثيرة ستساهم في بلورة مستقبل الحراك الإسلامي السياسي، ليس في تونس فقط، وإنما في المنطقة العربية وفي العالم. وهذا هو أكبر رهان مطروح على إخوان الغنوشي.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).