"أغاني سرفيسات الحب"... عرض سخي يبتعد عن التنميط

"أغاني سرفيسات الحب"... عرض سخي يبتعد عن التنميط

23 يناير 2018
الكوميديا في عروض جابر ليست تهريجية (العربي الجديد)
+ الخط -
"أغاني سرفيسات الحب في زمن السالمونيللا"، هو عنوان العرض الموسيقي الثالث من سلسلة "حكايا السرفيسات" التي أطلقها، هشام جابر، عام 2015، وهو كاتب وملحن الأغاني. إلا أنّ السرفيس، هو مجرد نقطة انطلاق تأخذنا إلى أماكن متنوعة، تحاكي معاشنا الشخصي والجماعي. 

تحت إدارة مايسترو الحفل، روبيرتو القبرصلي، شخصية "الستاند آب" التي يؤديها هشام، تتوالى خمس عشرة أغنية، بعضها مستعاد من عروض السرفيسات السابقة، ويؤديها كل من ياسمينا فايد ومريم صالح وساندي شمعون، بمشاركة كل من هشام جابر وخالد عمران وأحمد الخطيب. العنوان العريض للعرض هو الحب بمعناه المطلق. وهنا، لا تتوانى الأغاني عن التطرق الى مواضيع أخرى، كرجال الأمن وزمن الثورات.

في فضاء يتنوع بين "الكيتش" و"الكوميكس"، جلس كل موسيقي على كرسيه دون أن يكتفي فقط بدوره في العزف الحي. الموسيقي هنا عنصر أدائي أيضاً، وإن كان هامش الأداء بسيطاً جداً. وكأنّ كلّ عازف يعكس شخصية ما من الشارع. مارك أرنست، عازف البيانو، والذي يرتدي برنساً قطنيّاً ويضع قبعته trucker hat المقلوبة على رأسه، كان الأكثر تفاعلاً مع المغنيات. عماد حشيشو، عازف العود يتفاعل أحياناً مع القبرصلي. سماح بو المنى، عازف الأكورديون، وصاحب القميص المنقّش، السعيد كصخرة راسخة. خالد عمران عازف الباص المنزوي، صاحب بزة الهرولة الزرقاء، يبدو كأنه آتٍ من أحد أحياء البرونكس. أحمد الخطيب الذي أتى ليعزف على الإيقاع بالشورت. لكل من هؤلاء شخصيَّة خاصَّة به بالكاد يُرى، تمّ ابتكارها للحظة العرض.

كذلك تميل كل من مريم وياسمينا وساندي نحو العازفين لخلق "كاريكترات" خاصة. إلا أن لكل أغنية شخصيتها التي تنبثق من الأزياء والأكسسوارات واللفتات الحركية. مريم صالح تدخل كسيدة أنيقة خجولة متأبطة حقيبتها، كأنها خارجة من أفلام الخمسينات، لتغني " يا حبيبي حبك غاز حيولع فينا/ شوقك 100 ألف جنيه فكة/ حنانك كشري وفته". ساندي حين تغني "أنا كنت سنوبي ولد غلبان/ كنت مشعبط في الميدان" تدخل إلى المسرح كطفلة حزينة رابطةً على خصرها مجموعة من البالونات الملونة. تتحدث الأغنية عن آمال من نزلوا إلى ميدان التحرير في القاهرة، وكيف أنّهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة.

في هذا الجو الذي يتسرب إلى المشاهد منذ اللحظة الأولى للعرض، كان القبرصلي يدخل إلى فضاء العرض ويخرج منه بمعطفه المخملي، مضيفاً هامشاً ارتجالياً طريفاً مع الجمهور. في كل مرة يدخل فيها كان يحرص أن يسأل: "دودز كيف الجو...I really like you". بعض الأغاني تطلبت منه أن يقدّم شرحاً مستفيضاً عن الأمور، فبدا كمن يفسر الماء، وهنا لعبة أو منطق الكوميديا عند القبرصلي، إذْ يستخدم "الستاند آب" المبني على وعي كامل للممثل، وملكته الأولى، ضمن ملكاتٍ أخرى، هي التفاعل مع الجمهور، وليقدّم فكرة، مطلق فكرة، ويسطّحها حتى يصبح سياق التسطيح بحدّ ذاته هو الباعث على الإضحاك.

الكوميديا في عروض جابر ليست تهريجية، ولا يكون هدفها إضحاك الجمهور فقط، وإن كان التهريج قد استخدم أحياناً في أماكن في العرض، ليذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث النقد السياسي والاجتماعي المعروضان بحنكة ودراية.

نجح جابر في فرادة وحداثة نقله لأصوات مدننا بقالب ساخر تارةً، وسوداوي وحزبن تارةً أخرى، وبلغة مغايرة. تنطلق تلك اللغة من عنف الشارع، وتضفي إليه جمالية شاعرية، وسط خلطة موسيقية، تستلهم من الجاز والشرقي والبوب والفلامينكو. "أغاني سيرفيسات الحب في زمن السالمونيلا" هو عرض سخي يبتعد عن التنميط رغم طرحه قضايا يسهل تنميطها، إنما تلك الخصوصية التي يجدها المشاهد في كلمات الأغاني تبعد هذه المخاوف عن العرض.


المساهمون