كان اسمها هيلين

23 ابريل 2017
الكاتب نديم أسلم في جيبور الهندية/ 2013
+ الخط -

كانت حجرة واسعة بها أرفف كتب كثيرة، وخوذة معدنية لفارس من أيام الحروب الصليبية، وهيكل لحوت من أحد خلجان القطب الجنوبي. وفي تجويف أحد الجدران تظهر أقدم صورة معروفة لرقاقة ثلجية.

قطع سكون المكان الشاسع دخول طفلة في السابعة من عمرها من الباب البعيد. مرّت بجانب زورق الصيد الموضوع على المنضدة الطويلة المنخفضة تحت النافذة.

كان اسمها هيلين.

كان هناك بناءان متقاربان في وسط الغرفة، كل منهما أطول من الفتاة، ربما أربعة أضعاف طولها. وفي تلك الساعة الباكرة من الصباح الذي لم تشرق شمسه تمامًا بعد، وقفت الفتاة تنظر إليهما.

كان البناءان على هيئة مسجدين في شكل بهيّ وتزينهما القباب والمآذن. ظنت الفتاة أنهما قبعتان كبيرتان أو أغطية رأس مثل تلك التي تغطي العفاريت والعمالقة في القصص الخيالية. كانت الألوان والتفاصيل غاية في الإتقان ومتجانسة مع الضوء الهادئ المنعكس على الجدران وتقوّس القباب. فكّرت هيلين في التقدم بضع خطوات أخرى للنظر خلال إحدى نوافذهما ومدت يدها لتلمس ورقة شجر ملونة.

من الطبيعي أن يحوي المبنى غرفة، ولكن هذه الغرفة هي التي كانت تحوي أكثر من بناء!

رسمت هيلين دائرة حولهما، ثم اتجهت نحو خزانة صغيرة حيث وجدت زهرية بها أغصان مجففة مجلوبة من روسيا، من شجر التفاح الذي زرعه الكونت تولستوي بيديه، وما زالت أربع من تلك الأشجار تنبض بالحياة في بستانه.

توقفت هيلين حينما سمعت صوت صرير يصدر من البناء وكأنه يواجه زلزالًا خفيفًا. بدأ يتحرك ويتحرر من الجاذبية إلى الأعلى محلقًا بضع بوصات ومتأرجحًا قليلًا. أخذ يرتفع أكثر ليبدأ رحلته الهادئة إلى سقف الغرفة. كان يُسحب برقة بسلاسل قوية معقودة أعلى المآذن قبل أن يتوقف أخيرًا هناك.. في الأعلى.

كانت الغرفة الضخمة التي دخلتها الفتاة مكتبة وحجرة للدراسة.. تربة خصبة للخلوة بالنفس. وبسبب حجمها يصعب تدفئتها في الشتاء. منذ وقت ليس ببعيد، طُرحت فكرة بناء قمرتين صغيرتين، تتسع كل منهما فقط لمكتب ومقعد والكتب والأوراق اللازمة ومدفأة صغيرة. كان القصد أن يدخل المرء قمرة منهما ويغلق الباب ليعمل في جيب الدفء هذا. تطوّرت فكرة القمرة العادية إلى نماذج مفصلة لأبنية تاريخية: المسجد الكبير في قرطبة وآيا صوفيا في اسطنبول.

استرقت هيلين النظر أثناء عملية التشييد خلال الأسابيع السابقة. والآن أصبحا جاهزين. ونظرًا إلى أن هذا التوقيت من العام كان شهر حزيران فقد رُفعا ليظلا معلقين حتى كانون الأول.

وبعد آيا صوفيا، تابعت هيلين مشاهدة مسجد قرطبة الكبير وهو يُرفع إلى الأعلى بالروافع والسلاسل.

لم تكن هناك أرضية مستقلة لأيٍ منهما. كان البناءان يستعيران أرضية الغرفة حين يتم إنزالهما. لذلك كان بوسع هيلين الآن أن تراهما من الداخل حين تنظر لأعلى. تخيّلت وجود فراشات ترفرف كمصلّين محاصرين تحت القباب المصغرة في المساء، لتصطدم بالجدران الملونة.

ستظل تلك الذكريات من سني الطفولة حاضرة.. حين كانت تمر الدقائق المعدودة في ساعات طويلة، وتمر الأيام في لمح البصر!

كان والد هيلين هو من صممهما، وهو من كان يرفعهما في الهواء لإزاحتهما عن الطريق. التفتت هيلين لتجد والدها واقفًا على الجانب الآخر من الحجرة، يشغّل كرنك وبكرات رفع في زاوية الغرفة. وقد أجرى تعديلًا بسيطًا أخيرًا في السلاسل أعجبَ هيلين، حيث عمل على أن يُسحب البناءان بالتساوي ليكونا على نفس الارتفاع من الأرض. كان والدها رجلًا طويل القامة مشرق الوجه اسمه لي لي.


*روائي باكستاني من مواليد 1966 يكتب بالإنكليزية والمقطع من روايته الأخيرة "الأسطورة الذهبية" (2017) يحل الكاتب ضيفاً على "احتفالية فلسطين للأدب" في أيار/مايو المقبل.
**ترجمة المقطع بسنت علي أمين، ومراجعة ندى حجازي 

المساهمون