لعلّك تعود فتكتب

05 يوليو 2015
لؤي كيالي/ سورية
+ الخط -

ثلاث ساعات ويصل القطار من محطة سانس إلى بالنسيا. تخرج وفاليريا التي تزور المدينة لأول مرة. تركبان التاكسي لفندق الطلبة القريب، ثم تنزلان قبل الوصول. فالمشي أسرع من جلطة المرور هذه.

المدينة في أوج حيّويتها تحضيراً لعيد "الفايَس". أجواء الاحتفال والبهجة تعمّ الجميع. بعد ربع ساعة تدخلان المكان وتأخذان المفاتيح. عليك أن ترتاح قليلاً، فبعد ساعتين محاضرتُك مع طلاب الجامعة.

لم تغفُ، محض استرخاءة وتنهض. تخرجان مشياً حتى الجامعة. على الدرج يكون صالح علماني وزوجته أم عمر في انتظارك. الأحضان والقبلات، ولتذهبي أيتها الكلمات للجحيم.

سنوات وأنتما تتواعدان بالموبايل، حتى سنحت الفرصة. تخجل أمام الرجل، وهو يرافقك في كل تفصيل. يحضر المحاضرة وأسئلة الطلبة، ثم يصرّ على استضافتكما فتذهب، رغم الأجندة الزاحمة. في المساء يحضر مع أم عمر أمسيتك وتسهرون مع جاوما وباو وعشرات الرفاق إلى ضباب الفجر.

مهمّتك انتهت، وغداً حتى الثالثة ظهراً، فسحةٌ لتعاين المدينة وتجول في أزقتها. لكن صالح يلحّ، لتتغديا عنده الملوخية التي تشتهيها. في الصباح تطلع وفاليريا لتريا السوق المركزي القديم.

في محطة المترو يكون صالح في استقبالكما، وخطوات فإذا أنتم في البيت. وتكون أم عمر جهّزت كل شيء، وفاجأتك بنوعين من الملوخية: واحدٌ "ورق" لا تعرفه، والثاني المخروط بتقليّة الثوم. يا لها من وليمة حقاً. الفلفل بأنواعه الحريفة التي تعشق، والمخللات إلخ.

يأخذكم الكلام، وينتبه أبو عمر لزوال الوقت، فتودّعان الفلسطينية العظيمة مع مرطبان مخللات لكل منكما، وتخرجون مسرعين لركوب التاكسي الموصل للمحطة. وأنت، النسّاء بطبعك ومرضك، لن تنسى ما حييت، منظر المترجم الزاهد، وهو يغذّ الخطى هرولةً، كيلا يفوت الوقت.

تحتضنه، وتُيسّرُ الأمور، فتعبرون من شوارع سالكة، لتصلا المحطة قبل الموعد.

الثالثة إلا ربع. فاليريا تدلف إلى البهو لتستفر، وأنت تدخن سيكارة وتفكّر في ما رأيته وعشته خلال الوقت القصير الدسم.

الحكايات التي سمعتها من الرجل، ولم يحن وقت كتابتها بعد. كرم الرفاق البالنسيين وطيبتهم. أسئلة الطلبة وتنوّعها ودقتها. النصب الخشبي للأسد العملاق في ساحة البلدية. وهذه الزراعة الكثيفة على الطريق، برتقالاً ولوزاً في موسم الإثمار والإزهار.

تركبان وأثناء انعطافكما على جسر فوق البحر، يُهاتف صالح فتطمئنه. تغفو بعمق من أثر السهر ونبيذه البيتوتي الطيّب، بينما فاليريا في عربة أخرى. ساعة وتصلان. محطة فرنسا غارقة بالمطر. كلا، برشلونة كلُّها. تنتظران تحت السقيفة ولكن هيهات.

تعبر فاليريا مسرعة لمحطة الباص كي تصل بيتها في بوبلاناو. وأنت تأخذها مشياً تحت أقواس الحجر في الشارع الموازي لسيوتاديّا، حتى سكناك مع "جميعة" المغربية في كورتينا القريب.

تستلقي وتسرح في صالح وغرفته الصغيرة التي تخرج منها الروائع. في فاليريا وقد أثقلتَ عليها بالترجمة الفورية، حدّ أنها تناولت دواء للصداع. وتقول إن المترجم، على الضفتيْن، كادح ومظلوم.. عظيماً كان أم مبتدئاً. ولعلّك تعود فتكتب عمّا رأيت، لعلّك.

(برشلونة)

المساهمون