الثورة المضادة

لم تنجح الثورات العربية في إحداث تغيير جذري في بنية الأنظمة التسلطية، فتمكنت الثورة المضادة من الانقلاب على حراك الشارع، الذي افتقد إلى قيادة ذات رؤية تحرّرية استراتيجية، أو قادت جزءاً منه قوى لم تفهم خطر الليبرالية الجديدة على بلدانها وحريات الشعوب.

كانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر من 11 فبراير 2011 وحتى مساء 3 يوليو 2013 جزءاً من الثورة المضادّة، سواء بالمشاركة فيها، أو بدفع خصومهم، (العسكر - التيار المدني) إليها، حلّاً وحيداً للبقاء، والمزعج أنه ليس لدينا ما يحول دون تكرار ذلك.

ثمّة حفل تنكّري كبير يجري في مصر اليوم ويهدف لاقتلاع أحلام ثورة يناير من وجدان جمهور العرض المستهدف، بحيث يبدو تقديم وائل غنيم في طوره الجديد إعلانًا لوفاة الثورة وهزيمة كل ما يمثلها، في مقابل إعلاء كلّ ما يعبّر عن الثورة المضادّة والانقلاب عليها.

في حال استمرّ التدخل الإيراني والاستهداف الإسرائيلي والتمدّد التركي والطموح الكردي والتزاحم الأميركي/ الروسي في سورية، هذه الدولة الهشّة المهشّمة اليوم، فلا يُستبعد أبدًا أن تبدأ منها دراما انفجار دولي كبير.

مع انعقاد القمّة العربية في جدّة، يُغلق قوس الربيع العربي بعد مخاض عسير نجحت فيه الثورة المضادّة في استعادة المبادرة، بيد أنّ ذلك لن يحول دون استمرار شعوب المنطقة في التطلع إلى القطع مع الاستبداد والفساد والتخلف.

يعكس طلب الولايات المتحدة من إسرائيل التدخّل لدى طرفي الأزمة في السودان لوقف القتال مفارقة معيبة، ومدى غياب العرب دولا ومؤسسات عن بلد عضو في جامعة الدول العربية. وهذا ليس جديدا، حيث اقتصرت التدخّلات العربية على دعم العسكر في إطار الثورة المضادة.

استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان يحمل فرصة انهيار المنظومة العسكرية التي أسّسها نظام عمر البشير، بما يسمح للمدنيين باستعادة الحكم والتأسيس لدولة مدنية ديمقراطية، وهو سيناريو يكاد يكون مثاليا لولا كلفته البشرية الباهظة.