أن نجعل وجود "إسرائيل" مكلفاً لمشغليها

20 ديسمبر 2015
"حنّون" تفصيل من عمل لتيسير البطنيجي / فلسطين
+ الخط -

تجاهلٌ عالمي للهبّة الفلسطينية، التي اندلعت منذ شهور، باستثناء إدانة ساسة وناشطين أوروبيين لممارسات الاحتلال، بينما تنشغل أنظمة عربية في حروبها البينية والأهلية، وتغيب فلسطين -رغم تضحيات أهلها العظيمة- بوصفها مشروعاً للتحرر.

ليس هناك أكثر من تعليقات ركيكة، وأحياناً وقحة، لشخصيات فلسطينية معروفة، كلما اندلعت انتفاضة جديدة، تشبه في منطوقها الدبلجة العربية "البائسة" لعدد من المسلسلات الأجنبية؛ إذ تعبّر عن حالة فصام فاضحة لدى بعض البارعين في "الإنشاء الوطني" عجزأ وتخاذلاً منهم، أو استثماراً للغضب الشعبي في سياق مناوراتٍ سياسيةٍ لآخرين.

تنجو بقايا الحركة الوطنية -للأسف- من المحاسبة أو المراجعة النقدية لماضيها ومالآتها في ظل وحشية الاحتلال، وانحدار الواقع العربي والفلسطيني، وغلبة المناكفات واستقطابات المحاور عليه.

ويبدو هيّناً على أفرادها أن ينتقلوا فجأة -بلا مقدمات- من خطاب "الثوري" إلى الصمت والبلادة حالما تهدأ الهبّة، مثلما حدث عقب الانتفاضتين الأولى والثانية، أو حين يذهب المزاودون إلى تهديد "إسرائيل" بقدرة الشعب الفلسطيني على القيام بانتفاضة ثالثة ورابعة وخامسة، رغبةً منهم في مقايضة الدم والشهداء بالإبقاء على مناصبهم ومكاسبهم الشخصية.

لم يعد مجدياً الحديث عن حركة وطنية فلسطينية جادة، وهي تعاني كل هذا الارتجال والضعف والفساد والانقسام إلى جماعات مرتهنة في قراراها لعواصم إقليمية ودولية، وهي بذلك تتناقض تماماً مع أي مشروع تحرر وطني.

لكن الأهم من هذا التشخيص، الذي بات يقرّ كثيرون به، هو إعادة طرح أسئلة أساسية حول مفهوم التحرر الوطني وأدواته وأهدافه، فلسطينياً، ورغم الحاجة الملحة إلى جدل مثمر وحوار معمق، وهذا ممكن وضروري، إلاّ أن الواقع سيقودنا -عاجلاً أم آجلاً- إلى سؤال محدد: كيف نجعل مشروع "إسرائيل" مكلفاً لمشغّليه؟ وريثما يتحقق ذلك نحيّد الخلاف على حل الدولة أو الدولتين، أو الثلاث.. ضمن الجغرافيا الفلسطينية الواحدة.

أن تصبح كلفة "إسرائيل" باهظةً على رعاتها الدوليين غاية تفرضها ظروف العيش تحت إدارة حكم ذاتي منتهي الصلاحية، وبالتالي نكون أمام واقع أصعب من الاحتلال نفسه، ويزيده تعقيداً افتقار القوى المعارضة لسلطة رام الله من داخلها ومن خارجها إلى إستراتيجية معلومة لمقاومة العدو الصهيوني.

ولا يخفى على أحد، أيضاً، أن المحاور الإقليمية المتناحرة لا تحبّذ قيام حركة تحرر فلسطينية، بل إنها تسعى إلى إبطال فاعلية الصراع العربي الصهيوني، كما فعلت في الحرب الأخيرة على غزة، بسبب انخراطها بحروب سورية والعراق وليبيا واليمن.

أمام الإحباط في الداخل الفلسطيني ومحيطه العربي نخلص إلى استحالة حسم الصراع العربي/ الصهيوني عبر الكفاح المسلح، وقد أظهرت التجارب السابقة أن عسكرة "الانتفاضة"، وجزءاً كبيراً من عمليات المقاومة يسهل توظيفها وحرفها عن مسارها بما لا يخدم مصالح الشعب الفلسطيني.

تتبدى المقاومة السلمية طويلة الأمد –سنيناً وربما عقوداً- خياراً فعالاً ويقبل التطوير، وأن مواجهة أكبر وأعتى مشروع استطياني إحلالي في التاريخ يتطلب التفكير ملياً بأهمية تجنب الصدام المباشر مع آلة الاحتلال لتقليل الخسائر الفلسطينية، والتفكير بآليات مواجهة تستنزف الجانب الإسرائيلي، وهذا لا يعني مطلقاً التبرؤ من عمليات المقاومة بالسلاح، إنما ينبغي تحميل العدو مسؤولية اللجوء إليه.

ويتزامن هذا مع تأسيس خطاب جذري يرصد انتهاكات العدو، ويثبت الحقوق المستلبة، ويعيد الاعتبار لعدد من الملفات، التي يجري العمل على "لفلفتها"، وفي مقدمتها اللجوء، والقدس والمناطق المحتلة عام 1948، بحيث يحصل التشبيك بين أبناء الضفة الغربية وغزة واللاجئين عليهما وفي الشتات/اللجوء وداخل الخط الأخضر، بحيث تصبح المقاومة إطاراً جامعاً للفلسطينيين ومن يناصرهم في كل مكان.

ثمة محاولات جادة وشجاعة في سياق الاحتجاج السلمي، ودعوات المقاطعة الاقتصادية في الضفة الغربية، وغيرها من الحملات التي يخطط لها ناشطون، ولا مجال هنا للتوسع في مناقشتها.

المقاومة السلمية درب شائك وطويل، وهي تمتلك هدفاً مشروعاً وواقعياً ويمكن المراكمة عليه في سبيل الضغط على داعمي دولة الإرهاب، وإحراجهم الدائم، وهي حتماً لن تعطل قيام ثورة مسلحة إذا تهيأت العوامل والظروف لها، وربما تقربنا من فلسطين، أو تعفينا من تكرار الخطايا بحقها، وتسهم على الأقل في تحرر العقل.


(كاتب أردني/عمّان)


اقرأ أيضاً: كيف تلاشت الحركة الوطنية الفلسطينية؟

دلالات