شاب لبناني يتحدّى الأزمات بمطعم نوعي

شاب لبناني يتحدّى الأزمات بمطعم نوعي

10 اغسطس 2015
انتشار ملحوظ للمطاعم في لبنان (Getty)
+ الخط -
تعد مسألة هجرة الوظيفة في لبنان أمراً شائعاً في ظل التحديات المعيشية التي يعانيها أغلبية الشعب اللبناني. بدأت تظهر ملامح هجران الوظيفة في الآونة الأخيرة واتجاه الشباب نحو المشاريع والمبادرات الفردية، خاصة في المناطق البعيدة عن العاصمة.

يعد مشروع هادي البابا أحد المشاريع الحيوية في منطقة صيدا، جنوب لبنان، خاصة منطقة عبرا، التي شهدت أقوى المعارك بين الجيش اللبناني وأنصار أحمد الأسير منذ سنوات. قرر البابا ترك وظيفته، والراتب الذي لا يكفي لسد الحاجات الأساسية في لبنان، والاتجاه نحو افتتاح مطعم للوجبات السريعة، بالتعاون مع أفراد أسرته. وفي أقل من عام، استطاع هادي البابا تحقيق نجاح منقطع النظير. وبرغم أن المنطقة التي قرر الاستثمار فيها لم تشف حتى الساعة من الجراح التي نتجت عن المعركة بين الجيش وأنصار الأسير، إلا أنه قرر افتتاح مطعمه فيها محاولاً إعادة إحياء الصورة التي كانت عليها المنطقة قبل المعركة.

يقول البابا لـ"العربي الجديد": "راودتني الفكرة منذ سنوات، حيث كنت أعمل في مجال المطاعم والمقاهي في مدينة صيدا، وفكرت بالبدء بتنفيذ مشروعي الخاص، بعد الشهرة الواسعة التي اكتسبتها في عملي". ويتابع: "أسهم اسمي في إضفاء عامل الثقة على المطعم، إذ أصبح أهل صيدا والمنطقة من أبرز رواد المطعم، لأنهم واثقون من أنهم سيتناولون طعاماً لذيذاً ومميّزاً". ويضرب هادي مثالاً على هذه الثقة، بالقول "إن الكثير من الزبائن يطلبون مني تزويدهم بالوصفات والخلطات التي أحضّرها كونها مختلفة عن أي خلطات تشتهر بها كبريات المطاعم العالمية".

اقرأ أيضا: "عندك فكرة وبدّك فرصة" منصّة نحو عالم الأعمال

من جهة أخرى، أسهم المطعم في إعادة بعض الحياة إلى المنطقة، التي باتت منكوبة بعد معركة الجيش والأسير، وتمكن ملاحظة التأثير الذي أضفاه المطعم على المنطقة، حيث عادت المحال التجارية إلى فتح أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل، كما تمكن ملاحظة الإقبال الملحوظ للشباب والشابات على هذه المنطقة الاستراتيجية في مدينة صيدا.

يشير البابا إلى أن أسباب نجاح مطعمه يعود إلى الطعم المميّز والثابت الذي يمتاز به عن غيره من المطاعم في المناطق اللبنانية كافة، إذ يعتمد البابا في وصفاته على الابتكار، والابتعاد عن كل ما هو تقليدي، حيث يسعى إلى تسجيل الخلطات السرية التي يعتمدها في مطعمه، خوفاً من السرقة أو الاستيلاء عليها.

ويضيف البابا أن "الطعم المميّز ليس السبب الوحيد للإقبال، إذ إن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً هاماً في عملية التسويق ونشر الاسم، حيث عمدت إلى تجاهل صور الإعلانات التي تقدم صوراً زائفة لمنتجاتها بهدف كسب الزبائن، ونشر صور لزبائني أثناء استمتاعهم بالوجبات التي أقدمها، كالبيرغر بخمسة عشر طبقة من اللحم مثلاً". ويضيف أن هذه الصور "الحقيقية شجعت الكثيرين لزيارة مطعمي".

ويؤكد أنه خلال أربعة أشهر من بدء عمله، وصل عدد متتبعيه على موقع "انستغرام" إلى أربعة آلاف من ضمنهم العديد من المدونين المتخصصين في مجال الأطعمة والمأكولات، الأمر الذي رفع عدد متابعيه بشكل ملحوظ وزاد من رقعة انتشار اسمه.

اقرأ أيضا: "ديليفري" الكتب: استثمار لبناني رابح

وعلى رغم أن المطعم لم يطفئ شمعته الأولى، إلا أن البابا اضطر لإجراء عمليتي توسعة خلال هذه الفترة، نظراً لتزايد حجم الإقبال. فبعد أن كان المحل صغيراً لا يتّسع لأكثر من 3 طاولات، ووجود أربعة موظفين من ضمنهم البابا وزوجته، أصبح يحتوي الآن على 11 موظفاً وأكثر من 40 طاولة.

هذه الإجراءات تصطدم ببعض التحديات التي تواجه البابا ومعظم شباب لبنان، إذ يلعب الاستقرار الأمني والسياسي، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي بشكل عام، دوراً أساسياً في استمرار مؤسسات كهذه، بالإضافة إلى غياب التمويل.

ولم يخف البابا قلقه من الأحداث الأمنية والسياسية التي تؤثر على الوضع الاقتصادي في لبنان ككل، فعند حدوث أي "هزة" خفيفة تختفي الناس من الأسواق وتصبح المحال كلها منزلاً للأشباح. ويقول: "إننا وكمعظم الناس لا نستطيع الصمود بإزاء الأزمات، فلسنا مؤسسات ضخمة ولا شركات عالمية نستطيع البقاء لأشهر من دون مداخيل، خصوصاً أن الكلفة الشهرية المترتبة علينا تعتبر عالية، وهذا ما يمكن أن يعمم على معظم مؤسسات مدينة صيدا".

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أقساط القروض الاستثمارية المترتبة للمصارف مصدر قلق للكثير من أصحاب المشاريع، فنظراً لانخفاض السيولة الملحوظ في يد الشباب مع الارتفاع في الأسعار وانحسار الثروات بيد قلة قليلة من اللبنانيين لا تتجاوز نسبتها 4 في المئة من عدد السكان، بحسب تقارير دولية، يلجأ العديد من الشباب إلى المصارف للبدء في مشاريعهم الخاصة، وفي هذا الصدد، يقول البابا: "عندما بدأت بمشروعي منذ قرابة العام، توجهت إلى المصارف طلباً لقرض ميسّر".

لا تقف حدود طموح البابا عند هذا الحد في مبادرته، إذ يخطط لفتح فرع جديد في بيروت، لكن هذا المشروع مؤجل، ريثما ينتهي من سداد القروض التي نتجت من "مغامرته الأولى".

المساهمون