المرض يفتك بالسوريين وبمستقبل اقتصادهم

07 أكتوبر 2015
أطفال يشربون مياهاً ملوثة (Getty)
+ الخط -

شهدت الأعوام الماضية انتشار ما يعرف بـ "أمراض الفقر" التي تحصد الأرواح في سورية بشكل بطيء ومستمر يحمل تداعيات كارثية طويلة الأمد على الصحة العامة للسكان وعلى اقتصاد البلاد.

وترتبط العديد من الأمراض بالفقر الذي يشمل عدم قدرة الأفراد على الوصول إلى الخدمات والموارد الضرورية ليؤسسوا نمط حياة صحياً، يجنبهم أمراضاً متعددة تصيب عادة الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. في سورية، ازدادت أعداد الفقراء، خلال الأعوام الماضية، إذ بات أربعة من كل خمسة أشخاص مصنفين فقراء بحسب المركز السوري لبحوث السياسات.

وقد أدى ذلك إلى انتشار أمراض الفقر كانعكاس تراجع إمكانية الوصول إلى مياه الشرب النقية والغذاء المناسب. ويعتبر الباحث الاقتصادي، كمال يوسف، أن "فقر الدولة، وليس فقط فقر الأفراد، يؤدي إلى ظهور وانتشار الأمراض ويشرح: "عانت سورية من زيادات سكانية بالتزامن مع ندرة الموارد، وهو ما كان يتسبب بتزايد أمراض الفقر، ولكن الأهم من كل ذلك أنه قد ترافق مع سوء إدارة تلك الموارد وضعف استثمارها، بل وتبديدها بسبب فساد السلطة، وكل ذلك ينتج صعوبات شديدة في توجيه الموارد ويؤدي إلى ضغوط كبيرة على قطاعات المياه والغذاء والبنية التحتية ولذلك انعكاسات أكيدة على صحة السكان". ويضيف يوسف إن "تلك الأمراض ناتجة عن الفقر، لكنها تكرس الفقر وتضعف الأداء الاقتصادي للعاملين وتؤدي إلى ارتفاع الإنفاق على الرعاية الصحية وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وكل ذلك يعتبر عقبة كبيرة أمام عمليات التنمية".

ويشير الطبيب، أنور حمادة، لـ "العربي الجديد" إلى أن الفقر الشديد الذي يغزو جميع المناطق السورية ومخيمات اللجوء "يتسبب بانتشار أمراض عديدة بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية فضلاً عن تدهور عمل شبكات الصرف الصحي وانتشار الحشرات الناقلة للعدوى وندرة مياه الشرب النقية"، مشيراً إلى انتشار هذه الآفة في سورية حتى قبل اندلاع الثورة وخصوصاً في مناطق عانت فقراً شديداً حيث "كان معدل الوصول للخدمات الصحية منخفضاً في الأرياف السورية، وهو ما جعل مرض سوء التغذية منتشراً بشكل كبير". يؤكد ذلك تقرير للمركز السوري لبحوث السياسات، إذ يشير إلى أنه في عام 2010 "تراجع الحرمان من التغذية بالنسبة للأطفال دون الخامسة، لكنه بقي مرتفعاً بالنظر إلى عدد الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن أو قصر القامة أو النحافة. ويترافق هذا الحرمان عادة مع نقص في الغذاء المناسب للطفل والأم وعدم توفر عناية صحية مناسبة". ويؤكد التقرير أن "عدداً ضخماً من الأطفال عمرهم بين يوم إلى 4 سنوات عانوا من التقزم و/أو النحافة و/أو نقص الوزن"

وفضلاً عن الأمراض الناتجة عن عدم القدرة على تأمين الحد الأدنى من الغذاء المناسب، يتعرض مئات آلاف السوريين لأمراض معوية بسبب عدم قدرتهم على شراء مياه الشرب واعتمادهم على مياه الأنهار والآبار الملوثة. وكانت منظمة الصحة العالمية قد سجلت، أخيراً، أكثر من مائة ألف حالة إصابة بإسهال حاد خلال النصف الأول من العام الحالي كما حدث ارتفاع كبير في حالات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي. يقول حمادة: "إن الإصابات بالفيروسات المعوية تظهر بشكل متزايد بسبب عدم قدرة غالبية القاطنين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شراء المياه النقية إذ يتوجب دفع ما يتراوح بين 25-40 دولاراً لتعبئة الخزان، مما يدفع كثيرين إلى الشرب من مياه الأنهار الملوثة". ويؤكد المسعف، كايد الجندي، الذي ينشط في ريف مدينة إدلب لـ "العربي الجديد" أن هنالك "صعوبات كبيرة تواجه السكان للوصول إلى مياه الشرب"، ويسجل الجندي "انتشار الالتهابات المعوية الحادة، فضلاً عن فقر الدم ونقص الفيتامينات والمواد البروتينية، وهو ما يؤدي إلى ضعف النمو وزيادة القابلية للإصابة بالأمراض لدى المصاب".

سوء تغذية حادّ
ترتفع حدّة الأمراض في سورية نتيجة المشكلات المرتبطة بسوء التغذية، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من الأسر السورية بات يرزح تحت الفقر الشديد. وتشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" إلى أن الحرب الدائرة في سورية فاقمت من سوء التغذية عند السوريين، وذلك بسبب تضاؤل إمدادات المياه وتدهور الوضع الغذائي للأطفال بشكل خاص. وكانت دراسة حديثة للمنظمة قد كشفت أن "معدلات سوء التغذية الحاد قد وصلت إلى حد حرج، وأن الوضع الغذائي في البلاد بشكل عام متدنّ للغاية". كما قدرت المنظمة أن نحو 80 % من الأسر النازحة "تعتمد على مزيج من المواد الغذائية التي يتم الحصول عليها عن طريق شرائها أو المساعدات الغذائية" وأن "70% من الأسر السورية اضطرت إلى تقليل عدد الوجبات التي تتناولها خلال اليوم".

المساهمون