(كتاب ساكي 2) موسيقار الكرة يبدأ طريقه من الصفر

(كتاب ساكي 2) موسيقار الكرة يبدأ طريقه من الصفر

22 ديسمبر 2016
أريغو ساكي (Getty)
+ الخط -

ينشر موقع "العربي الجديد" حلقات مترجمة من كتاب "أريغو ساكي.. كالتشيو توتالي"، تتناول حياة أسطورة التدريب، الذي لم يلعب الكرة بشكل احترافي خلال مسيرته، ونجح في قيادة العديد من الفرق إلى القمة في فترة الثمانينيات، ما يلي الحلقة الثانية:


لا يوجد فارق كبير بين الموسيقى والكرة. أعتقد أن اللعب هو تطبيق للنوتة الموسيقية الخاصة بالمدرب. ربما تمتلك أفضل عازفين وموسيقيين في العالم، لكنك لن تسمع أي مقطوعة إذا لم يتم تنسيق العمل بينهم من قبل موسيقار ونوتة واحدة.

في الكرة، المدرب هو الموسيقار.. رئيس الأوركسترا عبر حسه وأفكاره وطريقة تفسيره للعب ومفهومي الزمان والإيقاع بكل ما لهما من ثقل في عالم تلك اللعبة التي دائما ما تعاني من أحكام مسبقة تصعب مواجهتها.

هناك حالة كبيرة من الجهل بالعمل والجهد المبذول في هذا المجال وعلى كل المستويات. كان هناك مزارع يقطن بالقرب مني، وقال لي في أحد المرات "اللاعبون والموهبة هما السبب في صناعة الفريق. دوركم لا يتعدى 10%"، فأجبته بقولي "المزارعون لا يساوون شيئاً لأن الأرض هي من تقوم بـ90% من العمل"، إلا أنه انتفض ورد بتعديد المهام التي يقوم بها المزارع من عناية وتجهيز ومتابعة.. ولكن ألا يحدث الأمر نفسه في كرة القدم؟

فوسينانو وألفونسيني

في عامي الأولى مع فوسينانو فزنا بالبطولة. كان فريقا من الشباب وصعدنا إلى القسم التالي. كان لدي في فريقي جناح من أولئك الذين يسجلون 15 هدفا في البطولة. كان يدعى كارليس باليسترا ولكنه كان عصبيا للغاية، الأمر الذي جعله يغيب عن نصف مباريات الموسم تقريبا للإيقاف.

تصدرنا المسابقة وقبل مباراة هامة استدعيته وقلت له "أرجوك يا كارليس. الكثير من لاعبينا مصابون والبعض الآخر انخفض مستواهم. أرجوك من فضلك فلتلعب بهدوء"، ما الذي حدث؟ بعد مرور 10 دقائق فقط على بداية المباراة شرع أحد الجماهير في سبابه، فما كان منه إلا أن ركض خلف المرمى ووجه له لكمة في وجهه ليتعرض بالطبع للطرد.

بعد ثلاث سنوات قضيتها في تدريب فوسينانو تعاقدت مع ألفونسيني. هناك تقاضيت أول راتب لي كمدرب: 250 ألف ليرا شهريا. كنت أعمل صباحا وأدرب ليلا. ألفونسيني قرية صغيرة يقطنها 15 ألف شخص على بعد 10 كلم بالكاد من فوسينانو. رئيس الفريق كان في الأساس هو خباز القرية.

كانوا يطلقون على ملعبهم "ماراكانا" مثل الاستاد البرازيلي الشهير بسبب الطابع الشيطاني والمتطلب للجماهير. كانت أرض هذا الملعب ترابية ويبدو الأمر كما لو كنت تلعب داخل حفرة. شغف أهل القرية بالكرة كان كبيرا لدرجة أن النادي في آخر ثلاث سنوات كان قد أقال خمسة مدربين وثلاثة منهم كانوا من أهالي ألفونسيني، لذا فإن جلبي كان رهانا كبيرا.

مطعم البيتزا

خسرنا أول خمس مباريات ولكن لم أتعرض للإقالة. كتبت لي لجنة أحد مصانع المدينة خطابا اقترحت فيه تشكيلا معينا يجب أن ألعب به. قبلها بفترة كنت تعرفت على كل من فيروتشو جوفاناردي واليساندرو زاماني المسؤولين عن نادي باليريا. كنا نتناول الغذاء في نفس مطعم البيتزا وكان مالكه يقول لهما دائما "اجلبوا ساكي! إنه جيد للغاية". لم يكن لدي رخصة لتدريب الفرق شبه المحترفة ولكن كان لديهم حل.

جلبوا اللاعب السابق ماتاسوني وتعاقدوا معي على الورق كمعد بدني، ولكن سريعا أدرك الجميع من صراخي وتوجيهاتي أن المدرب الحقيقي هو أنا. كان رئيسا باليريا يستثمران في الكرة والشباب لدرجة المخاطرة كرجال أعمال. كان شغفهما بالكرة كبيرا للغاية.

تعادلنا في مباراتنا الأولى مع فيدينزا. بداياتي دائما ما تكون سيئة للغاية.. الحقيقة أننا خسرنا المباريات الخمس اللاحقة، لذا توجهت لجوفاناردي وزاماني لتقديم استقالتي، لكنهما رفضا وقالا "لماذا؟ إنك تعمل بصورة جيدة للغاية".

شعرت بالسعادة كثيرا من هذا الأمر، وتمكنا في نهاية الموسم من إنقاذ أنفسنا من الهبوط وأجرت الإدارة مجموعة من صفقات البيع والشراء التي تضمنت جلب ماسيمو بونيني الذي تمكن خلال مسيرته من اللعب ليوفنتوس والتتويج معه بالدوري ثلاث مرات وكأس إيطاليا مرة وكأس أوروبا مرة وكأس السوبر الأوروبي مرة وكأس الإنتركونتننتال مرة.

كرة مختلفة

أصبح حبي لقيادة الفريق وتنظيم اللعب يزداد يوما تلو الآخر. أحببت اختيار اللاعبين وتدريبهم واكتشاف مواهبهم وخلق استراتيجيات اللعب وتجربتها في الملعب والتجهيز للمباريات مع الفريق. كنت أحلم بتقديم كرة قدم مختلفة عن الموجودة بتلك الفترة في إيطاليا.. كرة جديدة وجميلة وهجومية تراهن على السرعة والأفكار المبتكرة والتوجيه النفسي للاعبين بخصوص منافسيهم. لم يكن يجب أن أفرض عليهم هذا الأمر، بل إقناعهم. كنت أحتاج للكثير من الوقت والصبر. القائد الحقيقي هو من يقنع وليس من يأمر.

حينما قررت ترك العمل في مصنع الأحذية والتفرغ للكرة لكي أصبح مدربا محترفا لم يعارض والدي أو زوجتي حلمي، ولكن الجميع كان يظنني مجنونا. ذهبت للدراسة في معهد كوفيرشانو. كان باليريا يرغب في استمراري معهم وعرضوا سداد قيمة الدورة، ولكن هذا شيء كان يجب أن أفعله لنفسي.

هناك في كوفيرشانو تعرفت على إيتالو ألودي الذي كان يفهم أهمية الثورة التي قام بها الفرنسيون في تلك السنوات بعالم كرة القدم. كل الأندية المحترفة كانت مجبرة على إنشاء مراكز لتأهيل اللاعبين الشباب من 14 إلى 18 عاما مع ضرورة أن يكون الأمر قائما على الدراسة والكرة. كانت ثورة كاملة انتقلت لدول أخرى بعد عدة عقود مثل ألمانيا وإسبانيا حيث ظهر جيل كامل من الأبطال.

كانت فكرة ألودي قائمة على خلق خط اتصال واستمرارية بين قطاعات الشباب والفريق الأول. كانت لديه أفكار مختلفة وينظر للمستقبل. حينما أنهيت الدورة في 1978 كانت هناك كتب قليلة للغاية تتحدث عن كرة القدم. مجرد تعليمات بدائية حول الإعداد البدني وأخرى قليلة حول تاريخ وأنظمة اللعب. كانت تلك الكتب نادرة للغاية، في البرازيل أو المجر على سبيل المثال كان هناك المئات منها. أثبت هذا الأمر لي مرة أخرى مدى التراجع الثقافي للكرة في إيطاليا.

بعد انتهاء الدورة بدأت في العمل كمدرب بقطاع الناشئين في نادي تشيزينا الذي دائما ما أبدى اهتماما بتلك الفئة العمرية. عملت هناك من 1979 وحتى 1982. كانت لدي فرصة بفضل قيمة النادي في تلك الفترة لاختيار أفضل اللاعبين الصغار فنيا وتكتيكيا وبدنيا. طوال ثلاث سنوات من العمل وصلنا إلى حالة جيدة للغاية من التناغم حيث هضم كل لاعب ما هو مطلوب منه.

في ذلك الفريق كان هناك لاعب يظهر دائما بقميص وحذاء قديم للغاية. في إحدى المرات دار بيننا هذا الحوار:

-والتر.. ما هي وظيفة والدك؟

-أنا يتيم

-ووالدتك؟

-تعمل كخادمة في تنظيف المنازل.

قررت أنا وباقي اللاعبين جمع المال له وبعدها ذهبت لرئيس النادي لشرح الوضع له وتفهمه مشكورا ورفع راتبه. هذا مثال على قدر التناغم الذي كانت قد وصلت له الأمور. والتر بيانكي كان معي طوال مسيرتي. في بارما وبعدها في ميلان وأثناء عملي في المنتخب كان ضمن جهازي الفني. صداقتنا دامت طوال العمر.

كان بعض أعضاء مجلس الإدارة في موسم 1981-1982 يرغبون في تصعيدي لقيادة الفريق الأول الذي كان يلعب في الدرجة الأولى تحت قيادة جان باتيستا. لم يكن لدي أي شيء يدعمني في مسيرتي. لم تكن لدي أي سمعة كلاعب أو مدرب، لهذا قرروا اختيار شخص آخر. شعرت ببعض الاستياء، خاصة أن أفكار المدرب الذي استقروا عليه كانت معارضة تماما لمعتقداتي.

خلال تلك السنوات التي قضيتها في تشيزينا بدأت في ملاحظة الأعراض الأولى للتوتر الذي يصيب المدرب. آلام في المعدة وأحيانا بعض الكوابيس مع الأرق. على أي حال بعد ما حدث كنت اتخذت قراري بضرورة بدء مغامرة جديدة بعيدا عن تشيزينا.




المساهمون