يوسف وليد أغلق ملفه في مفوضية اللاجئين

يوسف وليد أغلق ملفه في مفوضية اللاجئين

17 نوفمبر 2017
أحن إلى بيتنا وجيراننا (العربي الجديد)
+ الخط -
بات يوسف وليد وأسرته نازحين في سجلات إقليم كردستان (شمال العراق). ترى العائلة أنه لا أمل في استقرار بغداد، المدينة التي عاشت فيها. والد يوسف أجبره على مغادرة البلاد، ونصحه بمحاولة اللجوء، فحطّ رحاله في تركيا. بعد عامين من وصوله إلى تركيا، يقول يوسف إن بقاءه فيها سيئ، لكنه أفضل من البديل الآخر السيئ أيضاً. لم ينجح في أن يكون لاجئاً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تركيا. أما الأمان الذي يفتقده في بلده، فوجده في تركيا، و"هذا ما يُصبّرني على الإقامة فيها".

يوسف وليد المولود في عام 1989، والحاصل على شهادة جامعية في الهندسة المدنية، يذكر أنه في عام 2006، حاولت مليشيات طائفية قتل والده الذي اضطر إلى الهرب مع عائلته، متوجهاً إلى كركوك (240 كلم شمال بغداد)، وبعدها بأيام نحو السليمانية في إقليم كردستان (330 كلم شمال بغداد).

حتى اليوم، تقيم عائلة يوسف في السليمانية. يقول: "يأمل أهلي أن يستقر الوضع في بغداد، وينتهي عصر المليشيات حتى يعودوا إلى بيتنا هناك. والدي أقسم ألّا يعود إلى بغداد والمليشيات فيها. لقد خسر كثيراً بسببها، وأصيب بأمراض عدة نتيجة الصدمات والخوف والرعب الذي تعرض له. حاولوا قتله، وحاولوا التعرض لنا كعائلة. أخبرنا أحد جيراننا، بعد هربنا من بغداد، أن المليشيات اقتحموا بيتنا وعبثوا بمحتوياته، وسرقوا أغراضاً كثيرة".

لم تكن الحياة سهلة في السليمانية، يقول يوسف. "لكنها مدينة آمنة ومستقرة. في السليمانية، عليك أن تجيد اللغة الكردية حتى تجد عملاً مناسباً. كان والدي ووالدتي طبيبين. لذلك، كانا قادرين على تعليمنا في الجامعات". يضيف: "أحد أشقائي وجد عملاً في مصنع للمواد البلاستيكية، في وقت يعمل شقيقي الثاني في المزارع من حين إلى آخر. أما شقيقي الثالث، فيعاني من آلام في عموده الفقري، ما يجعله غير قادر على العمل".



يوسف لم يستطع الصبر، خصوصاً أنه لم يجد عملاً في مجال تخصّصه في الهندسة المدنية في إقليم كردستان، إذ لا يمكن تعيين غير الكردي في وظيفة حكومية. بسبب هذه الظروف الصعبة، نصحه والده بالسفر إلى تركيا وطلب اللجوء عن طريق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما يفعل عراقيون آخرون. يضيف: "في عام 2015، وصلت إلى تركيا، وسجلت إسمي لدى الأمم المتحدة. رأيت أفواجاً من جنسيات مختلفة تقف في طوابير طويلة لتقديم طلبات اللجوء. بطبيعة الحال، كان عليّ الالتزام بقرارات وتعاليم مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تركيا. حددوا لي مدينة في تركيا للإقامة فيها، من دون أن أكون قادراً على العمل".

قرر يوسف مواجهة الصعوبات التي صادفته، وقد علم من عراقيين سبقوه تعرف إليهم لاحقاً أنه في إمكانهم إيجاد عمل مناسب، لا سيما في مجال التصوير والتصميم الذي يحترفه، لكن في محافظات أخرى. يضيف أنه بسبب إتقانه التصوير واستخدام برامج الكمبيوتر، كان يمكنه إيجاد فرص عمل "لكن كوني غريباً، كنت أتقاضى نصف ما يتقاضاه ابن البلد".

ويواجه مشكلة أخرى، إذ لا يُسمح له بالعمل من قبل المفوضية، إلا أنه لا يحصل على أية معونة في الوقت نفسه. يقول: "يفترض ألا أغادر محافظتي التي أمروني بالإقامة فيها، كما أنه علي الحضور إلى مكتب أمني قريب من سكني مرة كل أسبوعين لتسجيل حضوري. كنت أجتاز مسافات بعيدة كل أسبوعين عائداً إلى مدينتي، لتسجيل إسمي".

بعد نحو عام ونصف العام، تعرف يوسف على عائلات عراقية عدة مسجلة ضمن حماية الأمم المتحدة، تنتظر أن تسافر إلى بلد اللجوء، وقد مضى على انتظار بعضها خمس سنوات. يقول يوسف: "صُدمت. هل عليّ البقاء سنوات طويلة من دون أن أعرف مصيري؟ هل سيقبلونني كلاجئ أم لا؟ وفي حال عدم قبولي، سيتوجب عليّ المغادرة عائداً إلى بلدي كما حصل مع عدد كبير من العراقيين". يضيف: "للأسف، رأيت معاناة العائلات العراقية النازحة التي جاءت بغرض الخلاص والحصول على اللجوء. كان لدى بعضهم أطفالٌ قصّر، وقد أجروا مقابلات عدة في مكتب المفوضية، وانتظروا أربع سنوات وأكثر. وفي النهاية، رفضت طلباتهم وأُغلقت الأبواب في وجههم".

يقول يوسف إنه كان أمام خيار صعب، واختار إلغاء طلب الحماية والعيش في تركيا كمقيم، موضحاً أن "الإقامة في تركيا سهلة وشروطها ممكنة". أغلق يوسف ملفه في المفوضية، ونفذ ما تفرضه القوانين التركية، من بينها مغادرة البلد، ثم العودة مرة أخرى خلال شهر واحد. يقول: "عدت إلى تركيا بعد أسبوعين من مغادرتها وصرت مقيماً فيها. في الوقت الحالي، يحق لي السفر إلى أي مكان، والعمل. أعمل في مجال التصوير، خصوصاً في فصل الصيف إذ تكثر المناسبات والأعراس. لكن كوني أجنبياً ولست ابن البلد، أحصل على أجر متدنٍ".
يوسف الذي يمضي وقتاً طويلاً في تعلّم مهارات في مجال تخصّصه، يقول إنه "لا ضوء في نهاية النفق. تمر السنوات من دون أن أحقق شيئاً، وبالكاد أحصل على المال لتأمين معيشتي". يضيف: "أتمنى العودة إلى بغداد برفقة عائلتي. أحن إلى بيتنا وجيراننا والحي الذي عشت فيه وقضيت فيه طفولتي. ما يمنعنا من العودة أن بغداد لم تعد تصلح للسكن. هناك مليشيات وعصابات تتحكم بالبلد".