ما بعد دور التنشئة في تركيا

ما بعد دور التنشئة في تركيا

29 يونيو 2016
هناك حاجة إلى الحماية بعد التخرّج (أوزجيه ايليف كيزيل/الأناضول)
+ الخط -
يفترض أنّ الدولة التركيّة تتولّى مساعدة دور الأيتام على أراضيها. إلا أن هؤلاء يفتقدون إلى الحماية بعد خروجهم من هذه الدور، ما دفع إحدى الجمعيات إلى المطالبة برفع سن تخرّجهم

استناداً إلى القانون، تقدّم الحكومة التركيّة مساعدات وخدمات كثيرة لبيوت التنشئة كما يطلق عليها، أو دور الأيتام. هذه البيوت تضم أطفالاً ليس لديهم أي معيل، وآخرين وضعوا تحت الحماية بقرار قضائي، بسبب مضايقات وانتهاكات تعرّضوا لها في بيوتهم. إلّا أنه ليس هناك متابعة لهؤلاء بعد خروجهم من هذه البيوت، بحسب جمعية "حياة ساندا"، التي أسّسها شباب تخرّجوا من هذه الدور. أخيراً، أطلقوا حملة كبيرة مطالبين وزارة الشؤون الاجتماعية والأسرة برفع سن تخرّج المقيمين في دور التنشئة من الثامنة عشرة إلى الـ 21 عاماً.

تقول عائشة (25 عاماً)، التي تعمل في الجمعية: "حتى تخرّجي النهائي من دار التنشئة، لم يكن لي أي حياة خارجها. لم أكن أعرف أحداً إلى أن حصلت على وظيفة في إحدى مؤسسات الدولة. عشت صعوبات كثيرة، وتزوجت من شاب كنت على علاقة حب معه في الدار، لأعاني من عنف جسدي على مدى عامين".

تحكي عائشة قصتها. بعدما دخل والدها السجن، أرسلتها والدتها هي وشقيقها للعيش مع جدتها. وبعد عامين، لم تعد الجدة قادرة على الاعتناء بهما، فألحقتهما في إحدى دور التنشئة وظلّت تزورهما. وبعدما أنهت عائشة مرحلة الثانوية العامة، نقلتها الدار للإقامة عند والدتها التي تزوجت بعد الانفصال عن والدها. إلا أن والدتها طلبت منها المغادرة بعد نحو شهرين، فلجأت إلى بعض أصدقائها الذين كانوا قد غادروا الدار في وقت سابق، وبدأت العمل.

تقول: "من يعيش في الدار لا يعرف كيف يتصرف الناس العاديون في الخارج". تضيف: "يفضّل الناس الابتعاد عنّا حين يعلمون بأننا من خريجي دور التنشئة، وكأننا ارتكبنا جرائم". وبينما كانت تنتظر توظيفها في إحدى مؤسسات الدولة، قررت الذهاب إلى إزمير حيث تزوجت. وبسبب تعنيفه لها، حصلت على الطلاق بعد نحو عامين وتوظفت. اليوم، أقفلت صفحة "حياتها الضائعة"، كما تسميها، وتعمل على مساعدة أبناء الدور من خلال عملها في الجمعية.


من جهتها، تقول شكران أوزدوغان، التي كانت تدير أحد بيوت التنشئة قبل تقاعدها، لـ "العربي الجديد"، إن "القوانين التركية تنصّ على مساعدة هذه البيوت، وإن كان الأطفال يعانون من مشاكل كثيرة خلال عيشهم في الدار وبعد الخروج منها". تضيف: "طالما أن المقيم في الدار ما زال يتابع دراسته، تتكفّل الدار بكلّ مصاريفه من مأكل ومشرب وملبس وتعليم وصحة"، مشيرة إلى أنه يمكنه البقاء في الدار حتى سن الخامسة والعشرين، في حال نجح في الالتحاق بالجامعة، وحتى عمر العشرين في حال تقدّم لامتحان الثانوية العامة. لكن في حال لم يصل إلى الثانوية أو لم يكمل دراسته الجامعية، يتوجّب عليه الخروج من الدار في عمر الـ 18 عاماً. تتابع:" في هذه الحالات ندرس وضعه، أي إذا كان لديه أقارب يمكنه إكمال حياته برفقتهم، أو نقدم طلباً إلى المحكمة لإطالة فترة إقامته إلى حين إيجاده فرصة عمل. وبالنسبة للفتيات، قد تطول فترة إقامتهن إلى أن يتزوجن".

بحسب القانون التركي، فإن مؤسسات الدولة ملزمة بتأمين فرصة عمل من بين كل ألف فرصة، لخريجي دور التنشئة، بعد النجاح في امتحان اختيار موظفي الدولة الذي ينظّم مرتين سنوياً. تضيف أوزدوغان: "على سبيل المثال، تخبرنا وزارة التعليم العالي أنها تحتاج إلى توظيف 15 شخصاً من خريجي الدور وفق شروط معينة، فنبحث عن الأشخاص المناسبين ونتواصل معهم ونرسل بياناتهم إلى الوزارة، قبل أن يخضعوا لامتحان اختيار موظفي الدولة. وفي حال كانوا يعيشون في أماكن بعيدة وغير قادرين على تأمين بدل المواصلات أو التسجيل في الامتحان، نرسل لهم كتاباً للتوجّه إلى الولاية أو القائم مقامية الموجودة في منطقتهم، والتي تقدّم لهم مساعدة مالية لتغطية مصاريفهم". وتلفت إلى أن "الوضع يكون أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك الذين لم ينهوا تعليمهم الجامعي، خصوصاً أن الوظائف التي لا تحتاج إلى شهادة جامعية في مؤسسات الدولة قليلة".

ترى عائشة أن "ما عبّرت عنه أوزدوغان من الناحيتين القانونية والنظرية هو أمر جميل جداً، لكن عند التطبيق، لا تجري الأمور على هذا النحو. وغالباً ما ترفض المحكمة طلبات التمديد. لذلك، تعمل الجمعية على جمع 10 آلاف توقيع على عريضة تطالب برفع سن التخرج من الدور من 18عاماً إلى 21 عاماً، على أن تقدّم إلى وزارة الأسرة والشؤون الاجتماعية". تضيف أن "ما نطالب به يطبّق في كل من ألمانيا وهولندا وفرنسا، فيما تناقش بريطانيا أمر رفع سن التخرج إلى 25 عاماً".

بدوره، يؤكّد أحد مؤسّسي الجمعية عبد الله اوسكاي أن "القوانين مثالية لكن لا تطبّق بشكل جيّد". يلفت إلى أن الغالبية الساحقة في دور التنشئة لا يكملون تعليمهم، وليس لديهم أقارب يمكنهم اللجوء إليهم. وحين يتخرّجون في الـ 18 من عمرهم، يواجهون الحياة بمفردهم من دون أي حماية. يشير إلى أنه "ليس هناك إحصائيات دقيقة، لكنّ يتراوح عدد المتخرجين من هذه الدور سنوياً ما بين 700 وألف شاب".

يضيف أوكساي أن الحصول على فرصة عمل في مؤسسات الدولة ليس مضموناً، علماً أن هناك كوتا ويجب أن يكون المتخرج حائزاً على الشهادة الثانوية، عدا عن اجتياز امتحان اختيار موظفي الدولة. يختم: "صحيح أن الدولة تحفّز القطاع الخاص على توظيف الشباب، من خلال تولي سداد مصاريف التأمين الاجتماعي لمدة خمس سنوات، لكن هذه النقطة لا تطبّق عملياً".

المساهمون