إعتراف

03 ديسمبر 2014
وأخجل من كذبتي البيضاء.. ومن عجزٍ عوّقني (الإنترنت)
+ الخط -

في ذلك اليوم الحارّ من شهر يوليو/تموز، كانت الدقائق التي سبقت اللقاء الأول تمرّ ثقيلة.

إنها الساعة الثامنة وأربعون دقيقة صباحاً، والموعد عند التاسعة. أنتظر في السيارة، وأسوّي شعري وأحمَر الشفاه. لا بدّ من أن أبدو حسنة المظهر.

أتوجّه إلى البناء القديم عند زاوية الشارع، وأصعد إلى الطبقة الثالثة. تفتح لي السيّدة أم بسمة الباب. أعرّفها بنفسي وأدعها تقودني إلى الصالون.

تصل بسمة. تمدّ يدها، فأصافحها ويدي ترتجف. تضحك، وتقول: "هذه مرّتك الأولى!". أهزّ رأسي، لكنني سرعان ما أستدرك الموقف وأردّ: "صحيح".

تضحك من جديد وتسألني كيف أرى هندامها، قبل أن تخبرني أنها نبّهت والدتها بألا تحضّر لها ملابس من أكثر من لونَين اثنَين. فعندما قصَدَت مصفّف الشعر قبل أيام، راح الموجودون هناك يتهامسون. شعَرَت أنها هي المقصودة بهمسهم. وجزَمَت أن السبب ملابسها متعدّدة الألوان.

تبدو غاضبة وهي تروي ما حدث. وتحسم: "لن أسمح لأحد بالشماتة بي". فأحاول إخبارها أن لا بأس بالملابس الملوّنة، لكنها تصرّ على وجهة نظرها.

وكمن يحاول إنهاء الحديث، تدعوني إلى غرفة الطعام التي حوّلتها إلى غرفة للدراسة. على الطاولة، مراجع قانونيّة ودفاتر وأوراق وآلة تسجيل. تجلس إليها، فأجلس. وتشرح لي كيف تريد أن يكون "التعاون بيننا".

هي تتابع دراستها في الحقوق، ومهمّتي أن أقرأ لها محاضراتها وأدوّن الملاحظات التي تشير إليها. نقوم بتجربة. من ثم، نتّفق على موعدَين ثابتَين في كل أسبوع.

ورحت أتردّد إلى منزل بسمة. ندرس معاً ونسجّل جلساتنا. لكن في صباح أحد الأيام، شعرت بأنني عاجزة عن المضيّ في ذلك. لم أعرف كيف أبرّر لها الأمر.

لم أعرف كيف أبرّر الأمر لدعد، أيضاً. فأنا كنت قد التزمت بذلك العمل التطوّعي مع منظمتها. وشعرتُ بحرج شديد.

في النهاية، خرجتُ بكذبة "بيضاء". عجزتُ عن التصريح بالحقيقة، مثلما عجزتُ عن متابعة عملي مع بسمة.

كان ذلك قبل نحو 15 عاماً. حينها، كانت بسمة تبلغ من العمر 23 عاماً. وعلى الرغم من ذاكرتي التي تحتمل الكثير، إلا أنني لم أعد أذكر إن كانت الشابة قد وُلدت كفيفة أم فقدت بصرها في وقت لاحق.

و"بسمة" اسم مستعار، ليس حفاظاً على خصوصيّة الشابة التي تخرّجت محامية - على الأرجح - فحسب، لا بل لأنني اليوم أعجز عن الجزم حول اسمها.

وأخجل.

قد تخونني ذاكرتي اليوم عمداً، أو ببساطة قد يكون في ذلك محاولة من لاوعيي للتغشية على عجزٍ عوّقني في ذلك الزمن. قد تكون محاولة من لاوعيي للتغشية على حقيقة أن بسمة كانت أكثر قوّة مني، أنا التي ظننتها ضعيفة وبحاجة إليّ.

وأخجل من كذبتي البيضاء، ومن ضعفي، ومن عجزٍ عوّقني.
دلالات
المساهمون