"هيبة" العنف أكبر في مدارس سورية

"هيبة" العنف أكبر في مدارس سورية

09 ديسمبر 2023
لا يثق كثير من الأهالي بقدرة الإدارات على ضبط المدارس (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

مع امتداد سنوات الحرب على كامل الرقعة الجغرافية لسورية، بات العنف سمة تشهدها مدارس كثيرة تنتشر في مناطق سيطرة قوات النظام، وقد يرتكبه مدرّس ضد تلميذ، أو تلميذ ضد آخر، أو حتى تلميذ ضد أستاذه.
ونشب شجار، أخيراً، بين تلاميذ داخل مدرسة، وتطوّر من اشتباك بالأيدي إلى استعمال السكاكين، وعجزت إدارة المدرسة عن فض الاشتباك ما استدعى تدخل قوات الأمن. وقالت وسائل إعلام محلية موالية للنظام إن "عدداً من التلاميذ أصيبوا نتيجة الاشتباك الذي دار في المدرسة الثانوية المختلطة بضاحية 8 آذار في ريف دمشق". وذكر أنها "ليست المرة الأولى التي تشهد فيها المدرسة هذه النوع من الشجار، لكنه شهد للمرة الأولى استعمال سكاكين وأدوات حادة، ما استدعى تدخل أكثر من جهة للسيطرة على الوضع، وتهدئة الأمور، وجرى نشر عناصر أمن أمام المدرسة لمنع تكرار ما حصل".
وفي موقع غير بعيد من هذه المدرسة، تعرّض تلميذ في الصف الثامن إلى ضرب عنيف من مدرسه، ما جعله يغيب أسبوعاً كاملاً عن المدرسة. وقالت أمه لوسائل إعلام محلية: "ضرب أستاذ ابني بعصا أصابت رقبته، ما تسبب له بكدمات عطّلته 7 أيام عن الدراسة، وحصلت على تقرير من الطبيب يثبت تعرّضه للضرب، وقدمت شكوى إلى إدارة المدرسة التي وقفت مع المعلم الذي اتهم ابني بأنه مشاغب، ويمنع زملاءه من الاستفادة من التعليم. لن أسكت عن حقي وحق ابني، وسأقدم شكوى إلى وزارة التربية".
ويقول مصدر في شرطة ريف دمشق، إن شكاوى تعرض تلاميذ للضرب متكررة، لكن ملاحقة هذه الشكاوى ليست من اختصاص الشرطة، إذ يجب رفعها أولاً إلى وزارة التربية، أو نرسلها إلى المجمع التربوي في المنطقة. مضيفاً: "لا نملك صلاحية توقيف معلم في مدرسة بسبب ضربه تلميذاً، إذ يستطيع الموجهون المتخصصون معالجة الشكوى وفرض العقوبة التي يرونها مناسبة استناداً إلى قرارات وزارة التربية".

الصورة
ليست مدارس دمشق هادئة دائماً اليوم (دافيد داغر/ Getty)
ليست مدارس دمشق هادئة دائماً (دافيد داغر/Getty)

في المقابل، لا يثق كثير من الأهالي بقدرة المؤسسات التربوية على ضبط المدارس ومنع الاعتداء على أولادهم في ظل تكرار حالات العنف المدرسي. يقول مصطفى السالم لـ"العربي الجديد": "أوصي ابني الذي يدرس في الصف العاشر بتجنب الاختلاط كثيراً بزملائه، والانشغال بدروسه لأنه غير قادر على رد أي اعتداء قد يتعرض له إذا حصلت مشاحنة بين التلاميذ". ينقل بعض التلاميذ سطوة آبائهم إلى المدارس، ويعاملون رفاقهم بعنف، ما يجعل هؤلاء الرفاق يتنازلون عن حقهم، ويتجنبون الدخول في شجار قد لا تحمد عواقبه، فالتلاميذ الذين يرتكبون الاعتداءات يعتمدون على نفوذ ذويهم، ولا يستطيع مدير المدرسة فعل أي شيء لهم".
ويقول المدرس راشد عبد الكريم، من مدينة حماة، لـ"العربي الجديد"، إن "سياسة وزارة التربية أضعفت هيبة المدرّس أمام التلاميذ، علماً أن هذه السياسة تطبق فقط على المدرسين غير المدعومين، بينما يمارس مدرسون آخرون انتهاكات من دون حساب. هذه الازدواجية في المعاملة زعزعت ثقة الأهل والتلاميذ بالنظام التعليمي، وأفقدت المدارس هيبتها. يعطي المعلمون الدروس ويلتزمون الحياد في أي قصة تحصل أمامهم، فهم لا يرغبون في مواجهة أي مشكلة من والد تلميذ تجعلهم يتعرضون للتوبيخ".

وترى الأخصائية الاجتماعية مرام نعسان اليوسف، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن تبعات الحرب كبيرة على المجتمع والصحة النفسية للأفراد، ومن بينها ظاهرة تنامي العنف عند الأطفال الذين تتأثر سلوكياتهم بالأجواء العامة، في وقت لا يملكون القدرة على الفصل بين ما يشاهدون على وسائل التواصل الاجتماعي، وبين الواقع".
تتابع اليوسف: "يعد الأطفال الذين يكبرون في بلاد تشهد حروباً أو نزاعات مسلحة تهدد الأكثر عرضة للمشاكل السلوكية، مثل التهيّج العصبي ونوبات الغضب الشديدة، وقد يؤدي تضرر الصحة النفسية والعقلية للأطفال إلى خلل وظيفي يعرقل قدرتهم على الدراسة، أو الانخراط في العلاقات الاجتماعية، وهذه المشاكل قد تزيد نسبة احتكاكهم السلبي بزملائهم، وتوّلد مشاكل قد تصل إلى الاشتباك العنيف، إضافة إلى أن تردي المستوى المعيشي يؤثران بشكل سلبي في تربية الأطفال، فانشغال الأهل في تأمين لقمة العيش يمنعهم من متابعة أولادهم الذين يكبرون من دون رقابة أبوية".

المساهمون