نكبات اليمنيين... جحيم الحرب من الوطن إلى أوكرانيا

نكبات اليمنيين... جحيم الحرب من الوطن إلى أوكرانيا

03 مارس 2022
يواجه اليمنيون تعقيدات العبور إلى بولندا (عبد الحميد حصباص/ الأناضول)
+ الخط -

لم يكن الهروب من جحيم الحرب سبباً كافياً لحصول مئات من الطلاب واللاجئين اليمنيين على حياة مستقرة وخالية من المنغصات. ففي وقت لا يزال بلدهم الأصلي يرزح تحت وطأة نزاع اقترب من إنهاء عامه الثامن، لاحقتهم المعاناة هذه المرة إلى قارة أوروبا حيث عمّق الغزو الروسي لأوكرانيا الجروح في نفوسهم. ويواجه بعضهم الحصار في المنازل التي تتعرض لقصف وتفجيرات تروع أطفالهم، في وقت جدد بعضهم رحلات النزوح والهجرة بحثاً عن ملاذات آمنة بعيداً عن بلد يفترض انهم اختاروه موطناً مثالياً لمحاولة الحصول على حياة كريمة.
ولا تملك السلطات اليمنية إحصاءات دقيقة لعدد رعاياها في أوكرانيا. وتقدّر وزارة الخارجية في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً وجود 600 مواطن بينهم 230 طالباً يتوزعون على عدد من المدن والبلدات كلاجئين إنسانيين.
وبعد مناشدات عدة أعقبت الغزو الروسي في 24 فبراير/ شباط الماضي، شكلت الخارجية اليمنية خلية أزمة لمتابعة أوضاع العالقين في ظل عدم وجود سفارة يمنية مستقلة في كييف، وتولي البعثة الديبلوماسية اليمنية في هولندا هذه المسؤولية.

عبء التدفق
يعيش الرعايا اليمنيون الذين يتواجدون داخل المدن الأوكرانية الظروف القاسية للقصف الروسي الذي أعاد إليهم أجواء انعدام الأمن والمخاوف من فقدان الخدمات الأساسية. وكونهم يعيشون هذه المرة غرباء في بلد لم يتقنوا بعد لغته الرسمية، ولا تتواجد فيه سفارة يمنية للتواصل معها، تضاعفت معاناتهم.
وفي إطار التعامل مع المستجدات بالغة الصعوبة، شكل عدد من الناشطين اليمنيين الذين يقيمون في دول أوروبية أخرى، ومنهم آزال السلفي، خلية في وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة أوضاع العالقين في أوكرانيا، ونقل معاناتهم إلى الرأي العام، تمهيداً لجذب اهتمام دوائر ديبلوماسية يمنية في عواصم أوروبية.
تقول السلفي لـ"العربي الجديد": "لا يمكن تصوّر حجم المعاناة التي عاشها اليمنيون، فبعدما نجح البعض في مغادرة أوكرانيا، حلّت مخاوف أخرى ارتبطت بعدم السماح بدخول بعضهم البلدان المقصودة، أو إعادتهم إلى المراكز المخصصة للاجئين التي أعدتها سلطات هذه البلدان، حيث يسود وضع مأساوي".
وفي بولندا التي تتحمل العبء الأكبر من تدفق الفارين من جحيم المعارك في أوكرانيا، أوجبت السلطات اليمنيين وبعض الرعايا من جنسيات أفريقية وآسيوية على البقاء في مخيمات إيواء أنشأتها، لمدة أسبوعين. ونقل شهود أن هذه الأماكن لا تتوفر فيها المقومات المناسبة للإيواء.
وفيما اضطر عشرات من الطلاب اليمنيين تحديداً إلى الانتقال مباشرة إلى الحدود البولندية للنجاة بأرواحهم من دون أن يأخذ بعضهم أية وثائق شخصية، واجهوا تعقيدات كبيرة في العبور الذي شمل حتى ليل الثلاثاء الماضي 50 شخصاً فقط، بحسب ما أبلغت مصادر "العربي الجديد".
ويجزم الدكتور محمد الجدحي، المسؤول في لجنة الجالية اليمنية في أوكرانيا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "اليمنيين يعيشون ظروفاً بالغة الصعوبة على المعابر، خصوصاً الذين يملكون وثائق إثبات هوية غير منجزة بالكامل في أوكرانيا".
يضيف: "لم يستعد أحد للحرب. يملك بعض اليمنيين إقامات رسمية، في حين لم يجدد آخرون وثائقهم، أما الطلاب فلم يسحب قسم منهم جوازات سفرهم من الجامعات التي يدرسون فيها".
ويكشف أن حوالى 9 يمنيين ظلوا عالقين لمدة 6 أيام في مدينة تشرنيهيف المحاصرة والتي تشهد معارك، مشيراً إلى أنه لا يعرف مصير آخرين تبذل محاولات بكل الوسائل المتاحة للاتصال بهم.

الصورة
اليمنيون نقلوا إلى مراكز إيواء في بولندا (بياتا زاورزويل/ الأناضول)
اليمنيون نقلوا إلى مراكز إيواء في بولندا (بياتا زاورزويل/ الأناضول)

طوابير على امتداد 30 كيلومتراً
وعلى المعابر الحدودية مع بولندا، يشكو بعض الرعايا اليمنيين من معاملة قائمة على التمييز. ويقول بعض الطلاب لـ"العربي الجديد" إن "السلطات البولندية تعمّدت المناداة على أشخاص من جنسيات محددة للعبور، وتجاهلت اليمنيين الذين مكث بعضهم أكثر من 60 ساعة في هذه المعابر، من دون أن يحصلوا على طعام أو أغطية تقيهم من البرد القارس". ويعلّق أحدهم: "لم نمت من الحرب داخل أوكرانيا، لكننا سنموت من الصقيع هنا"، متحدثاً أيضاً عن معاملة غير إنسانية وإطلاق رصاص حيّ لتفريق الهاربين المتحدرين من دول إسلامية. لكن مصادر ديبلوماسية يمنية تؤكد أن "الضغط الهائل الذي تعيشه السلطات البولندية يفوق طاقتها، وأن الهفوات التي قد تحدث ليست أعمالاً ممنهجة".
وينفي قنصل اليمن في العاصمة البولندية وارسو، خالد الكثيري، في حديثه لـ"العربي الجديد" وجود أي تمييز من سلطات البلاد التي يؤكد أنها "تبذل جهوداً جبارة استناداً إلى شهادات أدلى بها جميع الواصلين من أوكرانيا"، ويوضح أن "صعوبات الإجلاء تتمثل في وجود 12 منفذاً حدودياً تتراوح فترة الانتظار فيها بين 3 و4 أيام".
يضيف: "بسبب العدد الكبير للأشخاص الذين يحاولون العبور من أوكرانيا، تعطي السلطات البولندية أولوية لحاملي جنسيات هذا البلد والأطفال والنساء، وبعدهم الأجانب. ورغم أن درجات الحرارة متدنية جداً، لكن السلطات البولندية لا تسمح لأي منظمة أو طواقم ديبلوماسية بالوصول إلى الجهة الأخرى من الحدود لتسريع العبور"، علماً أن طالباً يمنياً أخبر "العربي الجديد" بأن "طوابير الانتظار على المعابر تمتد نحو 30 كيلومتراً".
وتتوقع مصادر حكومية يمنية أن يحاول 500 يمني دخول الحدود البولندية خلال الأيام القادمة، فيما لا يزال مصير حوالى 100 آخرين مجهولاً وسط أنباء عن جرح بعض الرعايا في معارك بمدينة لفيف أثناء توجههم إلى الحدود البولندية، وهو ما لم تؤكده البعثة الديبلوماسية لليمن في وارسو.

ويعلّق الكثيري: "لم نتلقَ معلومات عن جرح يمنيين مدنيين أو طلاب، لكننا نعلم أن بعضهم يتواجدون في مناطق التماس، ونحن نتواصل مع بعضهم الذين أبلغونا أنهم يلازمون الملاجئ، وطالبناهم بضرورة البقاء في أماكن آمنة حتى توفير ممرات آمنة للمدنيين".

المساهمون