نظام العزل الزلزالي أنقذ مستشفيات جنوبيّ تركيا

نظام العزل الزلزالي أنقذ مستشفيات جنوبيّ تركيا

14 فبراير 2023
في أحد المستشفيات التركية (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -

ساهم استخدام نظام العزل الزلزالي في عدد من المستشفيات التركية جنوبيّ البلاد، في إنقاذ المباني من كارثة كبرى، وحوّلها إلى ملجأ آمن لتصمد أمام قوة سلسلة الزلازل التي ضربت ولاية قهرمان مرعش وأثرت في 10 ولايات تركية مختلفة. نظام العزل المتبع في عدد من المستشفيات على غرار المستشفى الحكومي في ولاية إيلبيستان، وفي منطقة دورت يول بولاية هاتاي، والمستشفى الحكومي ومستشفى التوليد في ولاية ملاطيا، أنقذها من قوة الزلازل. حتى إن مستشفى بطال غازي  الحكومي في ولاية ملاطيا، كانت تُجرى فيه عمليات جراحية عندما وقع الزلزال الثاني بقوة 7.6 درجات.
يشار إلى أن نظام العزل الزلزالي هو إحدى أكثر الوسائل الشعبية لحماية الهياكل الإنشائية من القوة الزلزالية، وهو عبارة عن مجموعة من العناصر الهيكلية التي ينبغي فصلها إلى حد كبير عن الجزء العلوي من الطبقة التحتية للمباني لتستريح عند اهتزاز الأرض، وبالتالي تلعب دوراً كبيراً في حماية وسلامة المبنى أو البناء غير الهيكلي.
وفي وقت انهارت فيه مبانٍ كثيرة في الولايات المنكوبة، صمدت هذه المستشفيات بفضل هذا النظام. فالمستشفى الحكومي في منطقة إيلبيستان، مركز الزلزال الثاني أيضاً، تمكن من الصمود، ولم تؤد قوة الزلازل إلى أي أضرار، ولم ينكسر أيّ زجاج في المبنى، ما جعلها مناطق آمنة لجأ إليها بعض المواطنين هرباً من الزلازل.
سلسلة الزلازل التي ضربت المنطقة الاثنين الماضي بلغت أولها 7.7 درجات، وآخرها 7.6 درجات وما بينهما زلازل ارتدادية بلغت 6.6 درجات، وشملت الأضرار 10 ولايات هي كهرمان مرعش، وأدي يامان، وغازي عنتاب، وشانلي أورفة، وديار بكر، وملاطيا، وعثمانية، وأضنة، وهاتاي، وكيليس. ويقيم في هذه الولايات أكثر من 13 مليون مواطن تركي من بينهم مليون و700 ألف سوري، بحسب أرقام رسمية صادرة عن رئاسة إدارة الهجرة.
نظام العزل يقوم على بناء أجهزة العزل في أساسات الأعمدة بقواعد بناء تمتص قوة الصدمات الزلزالية من 5 درجات فما فوق، وتعمل على فصل المبنى عن الاهتزازات، وتقلل من صدمة الزلزال وشدته، ما يؤدي إلى حمايتها من الزلازل.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

هذا النظام معتمد أيضاً في المستشفى الحكومي في ولاية عثمانية والمستشفيات الحكومية في ولايتي أدي يامان وكهرمان مرعش. وهذه الولايات هي الأقرب إلى مركز الزلازل، وقد بقيت صامدة. في المقابل، انهارت مستشفيات في ولاية هاتاي التي لم تتبع هذا النظام، ما أدى إلى انهيارها وخروجها عن الخدمة.
في هذا السياق، يقول المهندس أوميت قاجماز من الشركة المنفذة لمستشفى ألبيستان لصحيفة مليت التركية: "جميع المباني والمستشفيات التي استخدمت نظام العزل الزلزالي بقيت سليمة من أثر الزلازل، وقد بات نظام العزل إجبارياً بعد عام 2013، وخصوصاً في المستشفيات التي تضم أكثر من مائة سرير، على اعتبار أن هذه الأجهزة تعمل على ضمان أمن المباني". يضيف: "توضع الأجهزة ما بين القبو والطابق الأرضي، وما بين الأعمدة. وهكذا يتم فصل المبنى عن الأرض، ويحميه من الهزة القوية. عام 2020، ضرب زلزال ولاية إلازيغ ولم يتضرر المستشفى الحكومي. وفي إزمير أيضاً، حدث الأمر نفسه عندما ضربها زلزال بقوة 6.6 درجات".

لم يصمد هذا المستشفى أمام قوة الزلزال (نيكولاس مولير/ Getty)
لم يصمد هذا المستشفى أمام قوة الزلزال (نيكولاس مولير/ Getty)

من جهته، يقول المهندس المدني محمد إمره أوزجانلي، المشرف على إنشاء مستشفى إلبيستان، لقناة "سي أن أن تورك": "بعد تخرجي، وقع زلزال عام 1999 بمنطقة غولوجوك، فقلت إنه يجب عمل شيء ما. سافرت إلى اليابان ثلاث مرات للاطلاع على أوضاع الأبنية والاستفادة منهم. وبعد عام 2013، أجبرت الحكومة على استخدام هذا النظام، واستخدامه لا يزيد سوى 5 في المائة على تكاليف البناء بالنسبة إلى المستشفيات، و10 في المائة بالنسبة إلى المباني السكنية العادية". يتابع: "في مستشفى بطال غازي، استمرت العمليات عند وقوع الزلزال الثاني القوي". وأظهرت لقطات نشرت على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من أمام المستشفى، كيف أنه سليم ولم يتعرض لأي أضرار، ولم يسقط لوح زجاج منه.
وخلال السنوات الأخيرة اتُّخِذَت تدابير في بناء المباني الحديثة نظراً للمخاطر المتكررة والتحذيرات من خطر الزلازل، من خلال إدخال تعليمات عديدة في إنشاء المنازل، والشركة الوطنية للإعمار المعروفة باسم (توكي) تبني منازل في مختلف الولايات التركية.

وخلال السنوات الأخيرة، بنت الشركة في الولايات العشر المنكوبة بفعل الزلازل أكثر من 133 ألف وحدة سكنية بحسب ارقام رسمية، لم تتعرض لأي أضرار خلال سلسلة الزلازل الأخيرة. ويقول المهندس المدني إنغين يشيل يورت لـ"العربي الجديد"، إن "أنظمة العزل وغيرها من الإجراءات المتبعة زادت خلال السنوات الأخيرة، في ظل الحديث عن ترقب لزلزال إسطنبول الكبير، الذي تحدث عنه علماء خلال العقود الماضية، وخصوصاً بعد زلزال عام 1999 بمنطقة مرمرة". يضيف: "جميع الأطراف السياسية تستخدم البناء العمراني والزلازل في برامجها وسياساتها. وقادت الحكومة الحالية مرحلة من التحول العمراني وخصوصاً في إسطنبول بهدف التخلص من الأبنية القديمة وبناء أخرى جديدة مقاومة للزلازل. إلّا أنّ المناكفات السياسية تؤخر إنجاز هذه المشاريع، فيما جُدِّدَت مباني المؤسسات الحكومية بشكل عام". ويلفت إلى أنّ "الأنظار كلها كانت موجهة إلى إسطنبول. لكنّ الكارثة وقعت في الجنوب، علماً أنّ المباني المنهارة بنيت غالباً في أوقات مختلفة"، مشيراً إلى أن المباني الحديثة والأنظمة الجديدة تُسهم كثيراً في توفير الحماية للمباني والمستشفيات في الولايات المنكوبة، وكذلك مباني توكي (أي مباني شركة توكي الأفقية والعمودية). لذلك، يجب على البلديات والحكومة عدم إهدار الوقت في التنافس السياسي والنظر للمستقبل.

إلى ذلك، يصف جميل شنغل، الذي يقيم في مباني توكي في مدينة إسكندرون بولاية هاتاي، وهي من المدن المنكوبة بشكل كبير، لـ"العربي الجديد"، ما حصل معه، ويقول: "شعرنا بالزلزال ونحن نيام. كان اهتزازاً قوياً حرك ما في المنزل من أشياء، لكنّ المبنى لم ينهَر". يضيف: "تجولت في المدينة لاحقاً ورأيت عدداً كبيراً من المباني المنهارة، وفقدنا أحباباً كثراً. وما لفت نظري هو أنّ مباني توكي كانت متينة، ولم تحصل أضرار في الأعمدة والأساسات، باستثناء تشققات بسيطة في الجص (من مواد البناء)، الأمر الذي أسعدنا كثيراً".

المساهمون