نازحون سوريون يستعدون للشتاء بإمكانيات محدودة.. تدفئة الخيم المتهالكة

05 نوفمبر 2023
يحاول النازحون في مخيمات قاح إصلاح خيمهم قبل دخول الشتاء (العربي الجديد)
+ الخط -

مع اقتراب دخول فصل الشتاء، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدمية في مخيمات إدلب العشوائية، اتجه نازحون للاعتماد على أنفسهم في خلق بيئة تساعدهم على العيش، ومواجهة عواصف الشتاء، من خلال ابتكار طرق وأساليب مختلفة.

بالقرب من مخيمات قاح الحدودية، تنهمك ميساء ريحان (38 عاماً) بإصلاح خيمتها التالفة باستخدام بعض شوادر النايلون وقطع القماش، بعد عجزها عن شراء خيمة بديلة بسبب الأوضاع الاقتصادية والمادية الصعبة والفقر الذي بات يحاصرهم في مخيمات النزوح.

تقول ميساء لـ"العربي الجديد" إنها مع قدوم فصل الشتاء وتبعاته القاسية كل عام، تتخذ عدداً من الإجراءات الوقائية التي تقلل من مآسي الجو القارس والسيول والرياح، إذ بدأت بترقيع خيمتها، والعمل على شد جوانبها بشكل جيد، وتثبيتها بالحبال على الأرض خشية اقتلاع الرياح لها.

وأضافت أن العوامل الجوية والمناخية القاسية والمتغيرة، وارتفاع أسعار الخيام يضعها مع عائلتها أمام أوضاع صعبة، ما يدفعهم بالعمل وفق الإمكانيات المتاحة لرفع بعض المعاناة المتوقعة، مشيرة إلى أن هذه السنة أسوأ من سابقتها بالنسبة لتجهيزات الشتاء، نظراً لارتفاع أسعار المواد بشكل عام، حيث وصل سعر الغطاء (الشادر) إلى 100 دولار أميركي، وهي غير قادرة على شرائه.

على الجانب الآخر من خيمة ميساء تعمل فريال صبري (34 عاماً) على إحاطة خيمتها بصف من البلوك والرمل لتفادي دخول الأمطار إلى خيمتها، قبيل بدء منخفض جوي وتسلل المياه إلى أدوات خيمتها ككل عام، وتستخدم الأعمدة الخشبية في عملية تثبيت الخيمة ما يضمن متانتها وحمايتها من الانجراف أو السقوط.

تقول فريال إن الأمر بات لا يطاق، حيث تتكرر المأساة والمعاناة كل شتاء دون أي تطور يذكر على حياتهم في المخيمات، فالخيام ذاتها، والحياة المعيشية والفقر وقلة الدعم ذاته، مضيفة "مهما حاولنا تقليل الأضرار إلا أننا نواجه الكثير من المشاكل والتحديات المتعلقة بالبرد والسيول وتبلل محتويات الخيمة بالوحول في كل موسم".

وتطالب منظمات المجتمع المدني بالسعي الحثيث لإنهاء معاناة النازحين واستبدال خيامهم بكتل سكنية، خاصة أنهم يفتقدون أدنى مقومات الحياة من مساعدات وخدمات وغيرها.

انعدام المستلزمات الأساسية للحياة

لم يكن تأمين بعض التحصينات للخيام القديمة قبيل قدوم الشتاء أكثر ما يشغل العوائل النازحة في إدلب وشمال غرب سورية، إذ إن تأمين مواد التدفئة بات يشكّل حلماً للفقراء، واقتصر شراؤها بعد ارتفاع أسعارها على الطبقات المتوسطة والغنية التي لا تشكل سوى نسبة قليلة من مجموعة سكان المخيمات.

ويعاني النازحون من ظروف معيشية غاية في الصعوبة، نتيجة انعدام المستلزمات الأساسية للعيش، ما يجعلهم يواجهون مخاطر صحية وبيئية في ظل الكثافة السكانية العالية والنزوح المتكرر الذي تشهده المخيمات بسبب العمليات العسكرية المستمرة.

اختارت حنان الدلو (41 عاماً)، الاعتماد على الحطب والعيدان التي راحت تجمعها من الأحراش القريبة من مخيمها الواقع على أطراف مدينة حارم شمال غرب إدلب، فهي لم تستعمل الغاز المنزلي للطهي والتسخين منذ مدة طويلة، نظراً لارتفاع أسعاره مقارنة بضعف أوضاعهم المادية، ولذا بدأت باستخدام موقد طيني بدائي في الطبخ كحل بديل يساعدها على قضاء احتياجاتها بأقل تكلفة ممكنة، فهي تستخدم فيه العيدان والنفايات وأكياس النايلون.

وتنوي حنان الاستمرار باستخدام الموقد بعد سقفه بلوح من الحديد المستعمل لتجنب دخول مياه الأمطار إليه، وبالتالي صعوبة تشغيله، وأضافت أنها تستخدم أيضاً مدفأة حطب لدرء برد الشتاء عنها وعن أطفالها الخمسة، موضحة أنها توقد النار بما قد يتوفر من حطب وعيدان وقش وبقايا ملابس وأحذية مهترئة.

روث الأبقار للتدفئة

ولتكوير روث الأبقار والأغنام وتجفيفه، ومن ثم استخدامه في إشعال النار لطهي الطعام وتسخين المياه والتدفئة حكاية أخرى في مخيمات إدلب، حيث تسعى الكثيرات لصنع "الجلة" استعداداً لفصل الشتاء وتخفيفها تحت أشعة الشمس.

سناء العمر (37 عاماً)، نازحة مقيمة في مخيمات قاح، استثمرت عملها في تربية الأبقار لإعداد مؤنة الشتاء من مادة الجلي، وهي عبارة عن فضلات الأبقار التي تقوم بخلطها مع بعض التبن وتجفيفها لإعدادها وقوداً للمدفأة.

تقول سناء إنها فكرت بصناعة الجلة بعد أن عجزت عن تأمين غاز الطبخ ووقود الشتاء، بسبب ارتفاع أسعارها وفقر أحوالهم، وراحت الكثير من الجارات يلجأن إليها للحصول على المادة الخام وصناعتها والاستفادة منها.

من جانبها، قالت أمل الخطيب المرشدة الاجتماعية لـ"العربي الجديد"، إن الواقع الإنساني في المخيمات، وخاصة العشوائية منها والتي أقيمت على أراض طينية، يشهد تدهوراً كبيراً على جميع المستويات الخدمية والمعيشية والاقتصادية، ما يضع العوائل النازحة أمام خيارات إسعافية مؤقتة وحالة من التخبط اليائسة إبان عودة فصل الشتاء.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وترى الخطيب أن هذه الحلول البسيطة، وإن دلت على مستوى من التأقلم والرغبة في الحياة المستقرة، فهي تبقى تفتقر للديمومة، كما أنها لا تمنع تأثير تقلبات الطقس من أمطار وثلوج وعواصف وحرارة مرتفعة، وتعاني من شروط غير صحية قد تسبب الأمراض لساكنيها، ولا تعتبر حلاً جذرياً لحياة آلاف العوائل، الذين تتزايد احتياجاتهم لتأمين مواد التدفئة ويواجهون صعوبة في توفير التجهيزات والخدمات اللازمة لتأمين المساكن الآمنة والملائمة، ويفتقرون في الخيام إلى الخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي.

ولفتت إلى تحديات وصعوبات نفسية واجتماعية تعاني منها العوائل النازحة، بسبب الانتقال إلى بيئة جديدة يفقدون فيها الأمان والاستقرار، أهمها صدمة النزوح، إلى جانب معاناة النازحين من المشكلات النفسية المختلفة، منها الاكتئاب والقلق والصدمات النفسية التي تعرضوا لها نتيجة الحرب ومأساة النزوح.

المساهمون