مواقد بدائية لتحضير الخبز والطعام في غزة

مواقد بدائية لتحضير الخبز والطعام في غزة

27 نوفمبر 2023
طريقة بديلة لإعداد الخبز وسط تعطّل مخابز غزة وغياب غاز الطهي (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
+ الخط -

 

وسط الأزمة الحادة في توفير غاز الطهي، والتي بدأت تتّضح منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة مع إحكام الحصار ومنع إدخال أيّ من الإمدادات إلى أهل القطاع، اضطرّ هؤلاء إلى إيجاد بدائل لتحضير وجبات الطعام والخبز، لا سيّما بعدما هُجّروا من منازلهم.

وعلى الرغم من إدخال كميات من الغاز إلى قطاع غزة المحاصر والمستهدف مع دخول الهدنة حيّز التنفيذ قبل أربعة أيام، فإنّ ذلك لا يسدّ الحاجة، ويدفع العائلات الفلسطينية النازحة إلى الاعتماد على مواقد بدائية تشعل فيها ما يتوفّر لها من حطب أو غير ذلك. 

تلملم الفلسطينية خديجة المُغربي بعضاً من العيدان والأوراق وقطع الكرتون لوضعها في النار المشتعلة أمام إحدى المدارس، التي تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين في مخيّم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة. هي كانت تعدّ "خبز الشراك" لعائلتها، في ظل خروج المخابز عن الخدمة بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وخديجة واحدة من عشرات الفلسطينيات اللواتي يتجمّعنَ لتحضير الطعام أمام مراكز الإيواء، تحديداً المدارس التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تستقبل كلّ واحدة منها آلاف الذين هُجّروا من منازلهم وسط جحيم الحرب. وتعمد النساء إلى طهي الطعام على الحطب والأخشاب التي يجمعها أفراد من عائلاتهنّ، في ظل الأزمة الحادة لغاز الطهي وعدم توفّره في مراكز الإيواء التي تضمّ أضعاف قدرتها الاستيعابية من النازحين.

تخبر خديجة "العربي الجديد" أنّ زوجها كان يحرص، قبل الحرب الأخيرة على قطاع غزة، على شراء أكثر من أسطوانة غاز تحسّباً لأيّ طارئ، خصوصاً في ظلّ الأزمات المتلاحقة لغاز الطهي التي يشهدها القطاع المحاصر منذ نحو 17 عاماً، علماً أنّ الحروب الإسرائيلية المتلاحقة على غزة تسبّبت أيضاً في أزمات في مختلف مناحي الحياة. تضيف خديجة أنّ الأوامر الإسرائيلية بإخلاء الحيّ الذي يسكنون فيه ثم قصفه، كما حال الأحياء المجاورة، حالت دون حمل الأسطوانات معهم في خلال نزوحهم، وبالتالي الاستفادة منها.

وتشير خديجة، التي تبدو منهَكة، إلى أنّها لم تتوقّع في يوم أن تخبز أو تطهو الطعام بهذه الطريقة، وفي الشارع أو في ساحة مدرسة أو في أيّ مكان غير المطبخ. وتقول إنّ "إعداد الطعام يحتاج إلى نار ثابتة وإلى توفّر المستلزمات المطبخية، لكنّنا مضطرون إلى الطهي بهذه الطريقة البدائية لإطعام عائلاتنا".

ومنذ الصباح الباكر، يبدأ محمد المُغربي بإشعال النار لزوجته، فيما تقوم هي بإعداد العجين وتقطيعه وتوزيعه قبل خبزه على الصاج الحامي. وبعد الانتهاء من عملية الخَبز، تطهو خديجة صنفاً من الطعام لا يتطلّب تحضيره وقتاً طويلاً مثل الأرزّ أو المعكرونة.

وتركّز الأسر النازحة في غزة بصورة أساسية على الخبز بعد خروج المخايز عن الخدمة، سواء أكان ذلك نتيجة أضرار لحقت بها بسبب القصف الإسرائيلي، أم لنفاد الوقود اللازم لتشغيلها، أم لعدم توفّر المواد المطلوبة لإعداد الخبز مع إطباق الحصار على القطاع ووقف إدخال الإمدادات الأساسية إليه. كذلك تحاول الأسر الفلسطينية تحضير وجبات تصلح لأكثر من يوم، أو تكتفي أحياناً بالخبز مع الأجبان المطبوخة أو اللحوم المعلّبة والفول والتونة التي تتسلّمها كمساعدات غذائية.

وعلى الرغم ممّا يسبّبه إشعال النار بالحطب الذي يُباع عند مفترقات الطرقات وفي الأسواق، أو بالأخشاب التي تُجمَع من الطرقات أو من بين الركام، فإنّه الوسيلة الوحيدة المتاحة للعائلات النازحة حتى تعدّ طعامها.

في سياق متصل، يقول أبو سعيد حمودة من مخيّم جباليا للاجئين الفلسطينيين، شمالي قطاع غزة، وهو يراقب قدر الأرزّ الذي جهّزته زوجته ووضعته على النار، إنّه من الصعب جداً توفير المواد اللازمة لإعداد وجبات الطعام. ويعيد ذلك إلى إقفال المعابر وعدم إدخال مواد غذائية ولا مياه، مذ شنّ الاحتلال الإسرائيلي حربه الأخيرة على قطاع غزة.

ويلفت أبو سعيد، الذي خسر منزله في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منطقة سكنه، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ إعداد الطعام يتطلّب عملية تمتدّ طوال اليوم. ويؤكد أنّ "ثمّة فرقاً كبيراً ما بين الطهي في مطبخ مجهّز وبين حالة التشتّت التي نعيشها التي خسرنا خلالها الخصوصية وسلاسة الحياة الطبيعية".

ولا ينكر أبو سعيد أنّ الأوضاع الاقتصادية لطالما كانت صعبة في قطاع غزة، وأنّ الأزمات ترهق الفلسطينيين في كلّ محافظات قطاع غزة، بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل. لكنّه يلفت إلى أنّ العدوان الأخير الذي شلّ كلّ نواحي الحياة وتسبّب في خلق أزمات إنسانية ومعيشية صعبة يُعَدّ العدوان الأصعب والأقسى على الإطلاق الذي يتعرّض له أهل غزة.

وفقدان الغاز أثّر سلباً أيضاً على أصحاب أكشاك المشروبات الساخنة مثلاً، الأمر الذي دفعهم بدورهم إلى تسخين المياه على نار مواقد مستحدثة. ويخبر عبد اللطيف الراعي "العربي الجديد" أنّ أسطوانة الغاز الاحتياطية فرغت في الأسبوع الثالث للحرب، وكذلك البنّ. لذا اضطرّ إلى إشعال نار بالقرب من كشكه الصغير أمام مدرسة تابعة لوكالة أونروا تحوّلت إلى مركز إيواء للنازحين، وصار يقدّم مشروبات أخرى غير القهوة.

ويلفت عبد اللطيف إلى أنّ تسخين المياه على الغاز أسهل ويتيح له إعداد كميات أكبر من المشروبات، لكنّ لا حلول أخرى أمامه، تماماً كما هي حال آخرين يسعون إلى تأمين لقمة عيش عائلاتهم من خلال ما يبيعونه في أكشاكهم.

المساهمون