مهاجرو تركيا... أفواج إضافية أم ورقة سياسية؟

مهاجرو تركيا... أفواج إضافية أم ورقة سياسية؟

01 اغسطس 2022
لاجئون سوريون على شاطئ في إسطنبول (سيمال يورتاس/ Getty)
+ الخط -

هل باتت تركيا مقصداً لمهاجري دول المنطقة غير المستقرة، بعد سنوات من اتخاذها مبادرة لفتح حدودها، وتطبيقها سياسة استقبال "الأنصار من مجتمعات المهاجرين"، ما أوصلها إلى درجة "الشبع" وربما إلى حال الخطر، بعد استنزاف البنى التحتية التي تملكها، وتصاعد حدة العنصرية، أم ثمة توجه حالي لتكريس تداول أخبار الهجرة والمهاجرين في وسائل الإعلام، من أجل تحقيق مكاسب من الدول المانحة، سياسية أو اقتصادية، أو حتى لاستخدام المهاجرين ورقة قبل الانتخابات المقررة منتصف العام المقبل؟
يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون بإسطنبول، شان تورك، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أسباباً كثيرة تقف وراء كثرة تداول أخبار الهجرة وضبط من يدخلون البلاد سرّاً، أهمها أن عدد اللاجئين النظاميين زاد عن 5 ملايين، ولدى هؤلاء، كما الأتراك، مشاكلهم الخاصة ومعاناتهم، لكن الإعلام بات أكثر تركيزاً خلال الفترة الأخيرة على أخبار اللاجئين، سواء النظاميين أو السرّيين، في ظاهرة يمكن القول إنها تستجيب لرغبة الشارع، وتلبي رغبات الحكومة التي توفر الأرقام والبيانات وتفاصيل حوادث للإعلام، وهو ما لم تكن تكشفها في السابق".
يضيف: "باتت تركيا، بسبب الحروب وعدم استقرار بلدان الجوار؛ سورية والعراق وأفغانستان وإيران، مركز جذب، زاده واقع عدم حصول تضييق وملاحقة في السابق. وفي الفترة الأخيرة، اتخذت الحكومة قرار التشدد وتطبيق القانون، والإعلام مرآة للواقع بطبيعة الحال، فكثرت أخبار اللاجئين مع ملاحظة عدم خلو بعضها من مبالغات في الشارع أو من بعض ممثلي المعارضة، من أجل تأليب الرأي العام، وتحقيق مكاسب داخلية".

تبدّل أحياء
وينفي تورك علاقة هذا الأمر بملف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، أو بهدف تحصيل مواقف ومساعدات "لأن تركيا لا تعتمد على أموال خارجية، علماً أن الدول المانحة لم تفِ بوعودها في موضوع اللاجئين"، فيما يشير إلى "تنفيذ بعض اللاجئين أعمالا غير قانونية، لذا نرى في فترة ما قبل الانتخابات، أن هذه الأخبار تشكل وجبات إعلامية دسمة. كما يجب الأخذ في الاعتبار أن زيادة عدد اللاجئين لدرجة أنهم باتوا أكثر من الأتراك في بعض الولايات، أو كثرة عددهم عموماً في بعض الأحياء، دفع الحكومة إلى وضع ضوابط في الآونة الأخيرة، بهدف إعادة توزيعهم لمحاولة تخفيف حدة المشاكل، والحفاظ على بعض الطقوس التركية التي بدأت فعلياً بالتبدل في بعض الأحياء، مثل الفاتح واسينيورت في مدينة إسطنبول، أو غيّرت بالكامل أحياء أخرى في ولايات مثل شانلي أورفا، حيث يزيد عدد السوريين عن 400 ألف".

إجراءات ترحيل
وفي حزيران/يونيو الماضي، أعلنت تركيا إنزال عدد من المهاجرين السرّيين من زوارق نجاة، دفعتهم عناصر يونانية إلى ركوبها ودخول المياه الإقليمية لسواحل ديكيلي بولاية إزمير، وكذلك إنقاذ آخرين قبالة سواحل مرمريس بولاية موغلا واعتقال عشرات، وتسليمهم إلى المديرية الإقليمية لإدارة الهجرة.

مهاجرة صومالية في إسطنبول (توناهان تورهان/ Getty)
مهاجرة صومالية في إسطنبول (توناهان تورهان/ Getty)

وبدأت تركيا بترحيل المهاجرين السرّيين، بعد احتجازهم في مراكز الترحيل التابعة للمديرية الإقليمية لإدارة الهجرة. وكشفت مصادر إعلامية ترحيل 227 من أصل 1135 مهاجراً سرّياً قدموا من أفغانستان، ما رفع عدد الأفغان المرحّلين منذ مطلع العام الجاري إلى 32.106، وإجمالي عدد المرحلين من البلاد خلال الأشهر الماضية من العام الحالي أيضاً إلى أكثر من 41 ألفاً، نقلتهم 89 رحلة طيران مستأجرة إلى وجهات مختلفة.
وتأتي إجراءات الترحيل التركية في إطار المساعي التي تبذلها الحكومة لمكافحة الهجرة السرّية، علماً أن نحو مليونين و616 ألف أجنبي منعوا من دخول البلاد منذ عام 2016، منهم حوالي 153 ألف أجنبي في العام الحالي، بحسب ما تفيد بيانات مديرية الهجرة التركية، ما يكرّس واقع أن الإجراءات الأمنية المتخذة والجدار الإسمنتي الذي بنته تركيا بطول 1028 كيلومتراً على حدودها الشرقية والجنوبية، لم تمنع تسرّب 74 ألف شخص إلى الداخل، ألقي القبض عليهم هذا العام، وترحيل أكثر من نصفهم لاحقاً.

إلى ذلك، ارتفعت في الفترة الأخيرة وتيرة ترحيل اللاجئين السوريين تحديداً. وباتت السلطات تستغلّ أدنى مخالفة ذريعة لتنفيذ هذا الأمر إلى المنطقة التي ما زالت تشهد توترات عسكرية، من دون النظر إلى أوضاعهم العائلية أو المشاريع التي يخططون لها.
ويعتبر كثيرون هذه الخطوة مقدمة لتقليص أعداد السوريين في البلاد قبل الانتخابات، ورسالة يوجّهها الحزب الحاكم إلى جمهوره الذي بات يشعر بأن السوري يقاسمه لقمة عيشه، في ظل ارتفاع نسبة التضخم وتراجع قيمة الليرة التركية.
وبين مبررات ترحيل السوريين، تنقّلهم بين الولايات التركية من دون إذن، إذ يحظر على السوري حامل بطاقة الحماية المؤقتة "كملك" التنقل بين الولايات من دون الحصول على إذن، كما ارتكاب مخالفات جزائية كالمشاركة في عراك أو نشر صور وتسجيلات مصورة تتضمن محتوى مخالفاً على وسائل التواصل الاجتماعي.

عائلة أفغانية لاجئة في تركيا (توناهان تورهان/ Getty)
عائلة أفغانية لاجئة في تركيا (توناهان تورهان/ Getty)

حساب بعد تساهل
يقول الناشط السوري في مجال الدفاع عن حقوق اللاجئين، زكي الدروبي، لـ"العربي الجديد"، إن الأمر "مركب ومختلط، باعتبار أنه لا يمكننا إنكار زيادة تدفق اللاجئين إلى تركيا من دول الجوار والقارة الأفريقية، لبلوغ دول الأحلام في أوروبا، بعدما زاد الفقر والقمع في مناطق عدة. لكن نشر أخبار كثيرة، وتركيز الحكومة ووسائل الإعلام على هذا الجانب، يهدف إلى تحقيق نتائج سياسية في المفاوضات مع بعض الدول الأوروبية، من خلال التلويح بورقة المهاجرين، وكذلك تحصيل أموال بموجب الاتفاق المبرم الذي أبرمته تركيا مع الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار عام 2016، لتنظيم الهجرة السرّية إلى أوروبا مقابل تقديم دولها تسهيلات لتركيا ومنحها دعماً مادياً".
وتقبل تركيا، بموجب الاتفاق، إعادة اللاجئين الذين وصلوا إلى الدول الأوروبية بطريقة سرّية، فيما تضمن الدول الأوروبية حرية تنقّل المواطنين الأتراك داخل الاتحاد، وتسريع مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد. كما تتعهد الدول الأوروبية بموجب الاتفاق بتقديم 6 مليارات دولار لدعم جهود تركيا لاستقبال اللاجئين. لكن بنوده لم تنفذ بالكامل، ما دفع تركيا إلى اتهام الاتحاد الأوروبي بعدم الوفاء بوعوده، خصوصاً أنها لم تتسلم سوى 2.7 مليار دولار من المساعدات المتفق عليها، بينما تقول بروكسيل (عاصمة الاتحاد الأوروبي) إنها دفعت 4.2 مليارات دولار لتركيا.
ويقول المحلل التركي علاء الدين شينغوللير لـ"العربي الجديد": "بعيداً من الخلاف حول تطبيق الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي، والتي لم يفِ الأوروبيون بها بالكامل، تتعدد أسباب تصدّر أخبار اللاجئين والمهاجرين السرّيين نشرات الأخبار ووسائل الإعلام، وفي مقدمها أن تركيا دولة قانون تحاسب كل من يتصرف بشكل غير قانوني، أكان مهاجراً أو لاجئاً أو مواطناً، وذلك من أبسط حقوق الدولة حتى إذا أظهرت بعض التساهل لاعتبارات إنسانية خلال الفترة الماضية".

يتابع: "استغلال المعارضة ورقة اللاجئين أو المهاجرين السرّيين بهدف استمالة الشارع وكسب الأصوات والتأييد، دفع الحكومة التركية إلى التشدد في تطبيق القوانين وإصدار قرارات، ومضاعفة حملات ملاحقة المخالفين. والإعلام ينقل أخبار وبيانات وزارة الداخلية وأرقاماً تصدرها مديرية الهجرة، في حين لم تكن تفعل ذلك في السابق لأسباب كثيرة، منها إنسانية. أما اليوم فحتم محاولة المعارضة أو حتى بعض الدول الخارجية استغلال قضية اللاجئين، تغيير الحكومة سياستها لتخفيف ضغط مزاعم المعارضة، وتطبيق الأنظمة على الجميع".
ويشير علاء الدين إلى أنّ "الحكومة ستطبق تدابير إضافية في هذا الشأن، بهدف محاربة توافد المهاجرين السرّيين إلى أراضيها، وترحيل أولئك الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني، وبينها التواصل دبلوماسياً مع الحكومات التي دفعت شعبها إلى الهجرة، وتعزيز عمليات الشرطة والدرك في ولايات محددة مثل فان، وترحيل المهاجرين الذين لا يملكون وثائق رسمية".

المساهمون