منازل "اللبن" تلائم سكان الجزيرة السورية

09 نوفمبر 2023
منازل وغرف "اللبن" مطلوبة في الجزيرة السورية (سلام حسن)
+ الخط -

يحرص سكان منطقة الجزيرة السورية على امتلاك بيوت "اللبن" المصنوعة من الطين الذي يتضمن التراب والماء والتبن والأخشاب التي تستخدم في بناء السقوف مع مادة القش من بقايا محصول القمح، وذلك رغم تطور الهندسة المعمارية التي تعتمد في بناء المساكن على مواد حديثة من إسمنت وحديد وأحجار ومواد طلاء حديثة.
ويحاول هؤلاء تجهيز منازل طينية كاملة أو غرف مستقلة لأن مادة الطين تتناسب مع البيئة والمناخ السائدين في المنطقة الحارّة صيفاً والباردة شتاءً. أيضاً يحوّل كثير من السكان في مدن مثل القامشلي والمالكية وعامودا منازل طينية إلى مقاهٍ ومطاعم في استعادة للتراث الذي يستقطب الزبائن للترفيه عن النفس.
يقول المزارع فواز العيسى الذي يسكن في مدينة القامشلي لـ"العربي الجديد": "نجلب خلال فصل الخريف التراب من أرض نظيفة أو من إحدى التلال الترابية، ونغربل التراب لتنظيفه من الشوائب ثم نخلطه مع التبن والماء، ونتركه لمدة أسبوع أو أقل. ونبدأ في العمل قبل موسم هطول الأمطار، ونصلح الجدران والسقوف، لأن هطول الأمطار خلال الشتاء القارس قد يحدث تسربات مياه إلى داخل المنزل".
ويشير إلى أن "غالبية المنازل في الجزيرة كانت مشيّدة من اللبن سابقاً، ثم بُنيت باستخدام الإسمنت تدريجاً. وفي الأرياف والقرى لا تزال تتواجد منازل مصنوعة من التراب والطين لأنها صحية وأكثر ملاءمة للسكن، كما يبني أشخاص غرفاً من اللبن والطين رغم أنهم يمتلكون بيوتاً حديثة مصنوعة من الإسمنت والحديد". يضيف: "نتعاون خلال فصل الخريف لإنهاء العمل قبل هطول الأمطار، وهذه عادة ننفذها خلال هذا الفصل".
ويقول المزارع عماد موسى من سكان مدينة القحطانية لـ"العربي الجديد": "أملك منزلاً حديثاً لكنني بنيت غرفة طينية كبيرة أقضي معظم وقتي فيها، خاصة في فصلي الصيف والشتاء حيث أجد الراحة النفسية المطلوبة في ظل درجات حرارة تتناسب مع كل الفصول، وأهمها في الشتاء حين يصعب تأمين تدفئة ووقود، وأيضاً الصيف الذي بات يخلو من المكيفات بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء أو عدم توفرها فترات طويلة".
واللافت أن بعض البيوت المبنية من الطين ضمن المدن تتحوّل إلى مقاهٍ ومطاعم تستقطب الكثير من الرواد بسبب الطراز المعماري والتصميم الداخلي أو الفسيفساء التي تغطي الأرضيات والزجاج المعشق في الشبابيك والأبواب.

تشد مقاهي منازل "اللبن" الشبان لقضاء أوقات ممتعة (سلام حسن)
تشد مقاهي منازل "اللبن" الشبان لقضاء أوقات ممتعة (سلام حسن)

ويتحدث نيرودا الآغا الذي يملك مقهى في القامشلي عن سبب اختياره بيتاً طينياً من الطراز القديم لمشروع المقهى، ويقول لـ"العربي الجديد": "اخترت البيت العربي القديم لأن تصميمه مميّز ويلفت نظر المارة، وهو أشبه بلوحة فنية مجسمة تتوسط الشارع المكتظ بالبيوت الحديثة".
ويتضمن منزل الآغا صحناً يشكل قلب البيت العربي ومحوره الذي يستقبل معظم النشاطات. وبأبسط أشكاله يكون الصحن مربعاً أو مستطيلاً يُحيط به رواق ويتوسطه حوض ماء أو نافورة، ويدخله سكانه عن طريق ممرات محاطة بورود. ويعلّق الآغا: "هذا الأمر يشد الزبائن خاصة الشبان لقضاء أوقات ممتعة يبتعدون فيها عن الضغوط النفسية للحياة ومواقع الأعمال ضمن مربعات إسمنتية. ويحرص الكثير من الزبائن على تصوير المكان للذكرى".
ويشرح حسن العليان، وهو من سكان مدينة القامشلي ويعمل في مهنة البناء طريقة بناء البيوت الطينية وصيانتها وترميمها، ويقول لـ"العربي الجديد": "المواد التي تستخدم في بناء الطوب الخاص بالبيوت الطينية هي التراب والتبن اللذين يخلطان بقليل من الماء، ويشكلان مزيجاً يترك لليوم التالي ثم يوضع في قالب لصنع قطع الطوب الجاهز بقياسات محددة ثم يعرّض يومين لحرارة الشمس، قبل تنظيفه. وكل غرفة تحتاج إلى 1000 أو 1500 قطعة طوب". ويكون أساس المنزل من الحجارة السوداء المكسورة التي يجري رصفها جنباً إلى جنب على شكل جسر متماسك لوضع اللبن عليها من أجل منع وصول الرطوبة إليها ثم تبنى جدران فوقها.

وتختلف طلبات الزبائن بالنسبة إلى الأبواب والشبابيك، وبعضها مربعة الشكل وأخرى مقوّسة أو مستطيلة. وبعد الانتهاء من بناء الجدران تأتي مرحلة رفع أعمدة للسطح وربطها كلها بنوع قاسٍ من الأسلاك، ووضع الحصيرة فوقها ثم القش. ومن أجل منع تهريب الماء إلى داخل القش يوضع نايلون فوق القش ثم تبدأ مرحلة وضع الطين بشكل أملس لمساعدة حركة جريان الماء في فصل الشتاء.
ويقول العليان: "نضع نوعاً من الصاج يسمى رف على طرف الحائط لمنع نزول الماء إليها فنكون قد انتهينا من مرحلة البناء ووضع السقف، وننتقل إلى تلبيس الجدران بالوحل المجبول بالتبن جيداً حيث يكون نسبة التبن عالية، ويزداد الخلط لمنع ظهور تشققات في الجدران، ونحرص على تلبيس الجدران بشكل جيد من الداخل والخارج".

المساهمون