معاناة أطفال التوحد متواصلة في الجزائر

معاناة أطفال التوحد متواصلة في الجزائر

03 سبتمبر 2022
الرغبة في الانعزال أبرز سمات أطفال التوحد (ليو جين/فرانس برس)
+ الخط -

أحصت الجزائر ما يقارب ستة آلاف حالة توحد منذ عام 2019، ما دفع أخصائيين نفسيين وجمعيات مدنية ناشطة في هذا المجال إلى دق ناقوس الخطر، والمطالبة بوضع استراتيجية وطنية للتكفل الأمثل بهذه الفئة تطبيقاً لخطط حكومية سبق إقرارها في إبريل/ نيسان 2021.
لم تتفطن عائلة الطفل صالح، والقاطنة في منطقة "أغبال" بأعالي محافظة تيبازة، شرق العاصمة الجزائرية، إلى إصابته بالتوحد مبكراً، ويقول والده محمد بن صافية، وهو عامل يومي بورشات البناء والفلاحة، لـ"العربي الجديد"، إن "العائلة اكتشفت إصابته بعد بلوغه سن الرابعة. في سنواته الأولى كانت تظهر عليه أعراض الانعزال، ثم تطور الأمر لاحقاً، إذ أصبح يرفض اللعب مع أقرانه، وأدمن مشاهدة التلفاز، واللعب على الهاتف، وكان خاملاً طول الوقت، كما يصبح في بعض الأوقات عدوانياً".
ويضيف بن صافية: "بالصدفة، زارتنا قريبة لنا تعمل كطبيبة نفسانية بمستشفى حكومي، وقالت لنا إنه مصاب بمرض التوحد، وقامت بتوجيهي إلى مركز متخصص لمتابعة حالته. قررت التوجه إلى المركز لمتابعة حالته، لكن معاناتي تضاعفت عندما علمت أن المركز يوفر برنامجاً نفسياً وتربوياً للأطفال المصابين بالتروزوميا، والمعوقين ذهنياً فقط، وقاموا بتوجيهي إلى مركز في ولاية البليدة، أو مركز آخر في العاصمة الجزائر التي تبعد نحو 150 كيلومتراً عن قريتي، لتبدأ رحلة العذاب بحثاً عن علاج لابني قبل أن يصل إلى سن الدراسة".
تشير حالة الطفل صالح بوضوح إلى غياب الوعي بمرض التوحد لدى العائلات الجزائرية، والذي يدفع الغالبية إلى الاعتقاد بأن الأمر لا يعدو كونه مشكلة عارضة ستزول بمرور الوقت، أو أن الانعزالية ستزول بمجرد التحاق الطفل بالمدرسة، واحتكاكه بزملائه، وهذا الاعتقاد الخاطئ يفوت على الطفل المصاب بالتوحد فرصة الرعاية المبكرة، ويزيد من صعوبة العلاج والتخفيف من آثار التوحد على حياة الطفل وعلى مساره الدراسي والاجتماعي.
بخلاف كثير من الحالات، ساعد الاكتشاف المبكر لحالة الطفل ياسر عائلته على التكفل بعلاجه جيداً. تقول والدته فريال بن جدو، من محافظة البليدة، قرب العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد": "تفطنت لحالة ابني عندما كان عمره ثلاث سنوات، وكان ياسر فاقداً للتركيز تماماً، وتصدر عنه سلوكيات غريبة، من بينها الدوران المستمر في ساحة البيت، وعدم الاستجابة السريعة لمناداته باسمه، ولم يكن يتوقف عن الحركة طوال الوقت، كما كان عدوانياً في ردة فعله، خاصة عند رفض طلباته".

الصورة
مراكز علاج أطفال التوحد ضرورية لإدماجهم (دانييل بوزارسكي/Getty)
مراكز علاج أطفال التوحد ضرورية لإدماجهم (دانييل بوزارسكي/Getty)

وتضيف الأم: "عرضته على الأطباء المختصين فأكدوا لي إصابته بالتوحد، فاتصلت بجمعية التوحد في المحافظة، والتي ساعدتني في وضع برنامج خاص لمتابعة حالة ابني، واستفدت من تدريب قدمه لي مختصون نفسيون تابعون للجمعية، فتمكنت خلال أقل من سنتين من تحقيق تحسن ملحوظ في حالة ابني عبر التعامل معه بطريقة صحيحة، وتحول من طفل توحدي إلى طفل عادي، والتحق بمقاعد الدراسة. بطبيعة الحال كان اندماجه في البداية صعباً، غير أن المتابعة الصحيحة مكنته من متابعة دروسه من دون مرافقة، وحالياً يتواصل بطريقة جيدة، بصرياً وحسياً، كما تحسن من ناحية النطق بعد أن كان يعاني نوعاً من التأتأة".
ويقول رئيس مكتب الفدرالية الوطنية للتوحد بمحافظة تيارت (غرب)، رمضاني سفيان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تزايداً لافتاً في عدد الحالات في منطقة تيارت كمثال، تجاوز العدد هذا العام 140 طفلاً متوحداً، ونستقبل يومياً عدة شكاوى من طرف الأولياء. هناك معاناة يتكبدها مرضى التوحد وأولياؤهم نظراً لانعدام أدنى شروط التكفل الصحي بهذه الشريحة، وعشرات الأطفال المصابين لا يتمكنون من الدراسة بسبب نقص الإمكانيات من جهة، ورفض المدارس استقبالهم كونهم يعرفون بالعدوانية، أو الانعزالية، وسبق أن قدمنا اقتراحاً بتوفير مركز تعليمي متخصص يجمع المصابين في كل منطقة".

ومع نقص المراكز الخاصة للتكفل بهذه الفئة من الأطفال، تضطر العائلات إلى التنقل مسافات طويلة للحصول على العلاج، ومتابعة حالات أبنائها المصابين بالتوحد وتطور حالاتهم الصحية والنفسية، خاصة في الولايات الداخلية، ما دفع الجمعيات الأهلية المهتمة بهذه الفئة إلى طرح المشكلات التي تواجههم، والمطالبة بضرورة تشكيل لجنة وزارية تتولى تنسيق وضع برنامج نفسي وصحي وتربوي، وبحث أسباب تزايد عدد الإصابات بالمرض بين الأطفال، إضافة إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة للتكفل بهم.
وكشفت وزارة الصحة الجزائرية في مطلع شهر إبريل الماضي، عن إطلاق منصة خاصة للتكفل بمرضى التوحد ومتابعتهم، وأكد وزير الصحة أيمن بن عبد الرحمن أن عدد الأشخاص المصابين بالتوحد الذين تجري متابعتهم في الهياكل الصحية يبلغ 5557 مصاباً، من بينهم 996 من الإناث، موضحاً أن 19 مصلحة ووحدة خاصة بالطب النفسي للأطفال تعمل على رعايتهم، وأنها اكتسبت خبرة جيدة في رعايتهم وتعزيز حقوقهم.
وأعلن مجلس الوزراء، قبل أشهر، عدة قرارات خاصة بالتكفل بملف المصابين بالتوحد ومعالجة مختلف مظاهره. لكن هذه القرارات لا تزال غير كافية للتكفل بجميع الأطفال المصابين.

المساهمون