مصر: رفضٌ لمشروع قانون العمل الجديد

مصر: رفضٌ لمشروع قانون العمل الجديد

19 ديسمبر 2022
لا يتمتع بحقوقه كعامل بناء (أحمد حسن/ فرانس برس)
+ الخط -

مع طرح مشروع قانون العمل الجديد بمجلس النواب في مصر استعداداً لمناقشته، أُثيرت أزمة في الأوساط الحقوقية والقانونية والعمالية نتيجة تفرد المجلس بمناقشته من دون إجراء حوار مجتمعي، وبسبب بعض مواده التي وصفها حقوقيون ونشطاء ونقابيون بـ"استنساخ للقانون الحالي رقم 12 لسنة 2003 الذي مضى عليه الزمان".
وكانت لجنة القوى العاملة بمجلس النواب قد شرعت، قبل نحو أسبوع، في مناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة، الذي خرج من لجنة القوى العاملة بالبرلمان عام 2017 بعدما نظمت بشأنه جلسات استماع محدودة العدد والمشاركة، وأدخلت عليه بعض التعديلات قليلة الأثر، متجاهلةً الكثير من الملاحظات التى رفعها خبراء ونقابيون ومهتمون بالشأن العمالي، فضلاً عن تجاهل بعض ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة التي أرسلها المجلس القومي لحقوق الإنسان بشأن القانون، وبعض ملاحظات منظمة العمل الدولية. 
ويرى خبراء ونقابيون ومهتمون بالشأن العمالي أنّه لا مجال لإعادة استنساخ قانون مضى عليه أكثر من عشرين عاماً، ويجب أن تتماشى التشريعات الاجتماعية مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الطارئة مع مضي السنوات، فضلاً عن قدرتها على فض النزاعات بشكل عملي وواقعي نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية المحيطة. 
وتشكل كثرة المنازعات العمالية من دون توفر الآليات الفاعلة الكافية لتسويتها أو الفصل فيها، وعدم احترام بعض أحكام القانون، والاختلاف في تفسير بعضها الآخر أمام المحاكم العمالية المختصة، وتغير البيئة التشريعية بشكل عام، دواعي قوية ينبغي النظر فيها عند تقديم تشريعات جديدة، كما يؤكد خبراء. كما يجب أن تتضمن فلسفة مشروع القانون الجديد عدم تعثر التسوية الودية بين طرفي علاقة العمل، وأن تتجاوز بنوده بطء التقاضي وعدم جدوى الجزاءات الجنائية التي تؤدي إلى بقاء العديد من النزاعات العمالية معلقة لم يبت فيها بالتراضي أو أمام القضاء. كما يجب أن يراعي مشروع القانون الجديد التنسيق والتجانس بين قانون العمل والتشريعات الاجتماعية الأخرى.
ويؤكد مراقبون وخبراء في الشأن العمالي ونقابيون أن مشروع القانون الجديد يحتوي على نصوص تناقض الدستور والاتفاقيات الدولية، وعلى نصوص أخرى تتعارض مع مثيلاتها في قانون الخدمة المدنية، الأمر الذي يعد تمييزاً غير دستوري بين المواطنين، بخلاف أنه يكاد يكون هو نفس القانون الحالي مع تعديلات تضيف امتيازات جديدة لأصحاب الأعمال، وخصوصاً بشأن الأجور والعلاوات والتوظيف، بالإضافة إلى السلطات الواسعة في تسريح العمالة. كما اعتبروا أن مشروع القانون الجديد لم يواكب التغيرات الكبيرة والجذرية في سوق العمل خلال الأعوام العشرين الماضية، منذ صدور قانون العمل الحالي عام 2003، من تقلص عمال القطاع العام إلى 250 ألفاً فقط، ويجرى التعامل معهم بآليات القطاع الخاص، واكتساح العمالة غير المنتظمة لكل قطاعات العمل، حتى داخل القطاعين العام والحكومي، بإسناد أعمال دائمة بطبيعتها لعمالة بعقود مؤقتة تُجلب عبر شركات توظيف لتسهيل سلب حقوق هؤلاء العمال، والتخلص منهم عند اللزوم، ناهيك عن العمالة غير المنتظمة في القطاع الخاص بكافة مستوياته، والبالغة أكثر من 14 مليون عامل.
إلى ذلك، لم يحل مشروع القانون المشاكل التي كشف عنها تطبيق القانون الحالي خلال عشرين عاماً. ويتضمن المشروع الجديد بابين لتسريح العمال يسهلان لصاحب العمل التلاعب في المحاكم والتحايل على القضاء، وتوجد نصوص خاصة بفصل العامل إذا ارتكب مخالفات محددة في القانون على وجه الحصر، ولا يجوز فصله في غيرها، وفي نفس الوقت يوجد باب لإنهاء خدمة العامل متى أراد صاحب العمل.

في هذا الصدد، ونتيجة تجاهل الاستماع للعمال بشأن قانون العمل الذي "يهدد الاستقرار الاجتماعي"، أصدرت منظمات حقوقية ومجتمع مدني، ولجان عمالية في أحزاب سياسية ونقابيون، من بينهم "حملة الدفاع عن الحرية النقابية وحقوق العمال، ودار الخدمات النقابية والعمالية، والحزب الشيوعي المصري"، بياناً موحداً طالبوا فيه بـ"حق الغالبية الساحقة من المجتمع المصري، وفي مقدمتها العاملين بأجر، البالغين نحو 27 مليوناً، في إجراء حوار مجتمعي واسع، حول مشروع قانون العمل الجديد، المقدم من الحكومة دون الاستماع لممثلي الطرف الرئيسي صاحب المصلحة فيه، باعتباره أهم وأخطر التشريعات الاجتماعية في أي مجتمع".
وقال الموقعون على البيان المشترك إن "إصرار الحكومة على عدم إجراء حوار مجتمعي بشأنه، وعدم الاستماع لرأي الطرف الرئيسي في علاقات العمل، وهم العمال، وتجاهل طلبات المنظمات النقابية المستقلة التي أنشأها العمال طبقاً لقانون الحرية النقابية، وحق التنظيم بعقد جلسات استماع لها عند مناقشة المشروع في مجلس الشيوخ ثم في مجلس النواب، سيؤدي بالضرورة إلى تزايد التوترات في بيئة العمل، التي يشكل استقرارها أهم عوامل الاستقرار الاجتماعي".

يعمل على توصيل أرغفة الخبز (روجر أنيس/ Getty)
يعمل على توصيل أرغفة الخبز (روجر أنيس/ Getty)

ولفت الموقعون إلى أن قانون العمل لا يهم العمال فقط، بل يشمل فئات واسعة من المهندسين والمحامين والتجار والأطباء والصحافيين وغيرهم، الذين يعملون بأجر في مواقع العمل بمختلف القطاعات. وبذلك، يشمل القانون كل القوى العاملة، التي تشكل مع أسرها الغالبية الساحقة من المجتمع.
ويؤكد أن الدعوة إلى حوار وطني للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نتجت عن السياسات المتبعة طوال الأعوام الست الماضية، تتناقض تماماً مع مواصلة الحكومة منفردة، ودون الاستماع لأي آراء أخرى، تنفيذ نفس سياساتها المتسببة في تفاقم الأزمات، والتمادي في إصدار تشريعات اجتماعية دون حوار مع الطبقات صاحبة المصلحة فيها، مكتفية بالتحاور مع رجال الأعمال، لتزيد من إهدار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والكادحين وتدفع بالمزيد من شرائح الطبقة الوسطى إلى الفقر والبطالة. واعتبروا أن "استسهال إصدار القانون مع استبعاد قطاعات عديدة من العاملين من الفئات المخاطبة بشأنه، والتي تشمل قطاعات واسعة من العمالة غير المنتظمة وعمال المنازل وغيرهم، يعني حرمانهم من أي غطاء تشريعي يضمن حقوقهم، ويشكل انتهاكاً للمبادئ الدستورية والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي وقعت عليها مصر وأصبحت قانوناً واجب التطبيق محلياً".

ودعت الجهات والمنظمات والأحزاب الموقعة على البيان، جميع الفئات المتضررة من إصدار هذا التشريع الجديد إعلان رفضها له، محذرة الغالبية الحكومية من أعضاء مجلس النواب من استسهال إصدار هذا التشريع الاجتماعي الأهم دون الاستماع إلى العمال ومنظماتهم النقابية، ومن الاكتفاء بالاستماع لممثلي اتحاد النقابات الحكومي، الذي لا يضم سوى أقل من 10 في المائة من القوى العاملة بعضوية إجبارية، والذي يتوافق تماماً مع رجال الأعمال والسياسات المعادية للعمال، لخطورة ذلك على استقرار بيئة العمل، ومن ثم على الاستقرار الاجتماعي.

المساهمون