- مبادرات مجتمعية ودعم من المغتربين ومنظمات دولية تساهم في ترميم وتجهيز 23 مدرسة في دوما ودرعا، مع تحمل المجتمع المحلي لتكاليف الامتحانات ونقل الطلاب.
- الوضع التعليمي يواجه تحديات بسبب إهمال الحكومة وتوجهها نحو خصخصة التعليم، مما يحرم الكثيرين من حق التعليم الجيد ويزيد الأعباء المالية على الأهالي.
لم تكتفِ وزارة التربية التابعة لحكومة النظام السوري بتحميل الأهالي أعباء المساهمة في ترميم بعض المدارس عن طريق جمع التبرعات وتجهيزها بالمستلزمات المدرسية كلما اقتضت الحاجة، بل لجأت إلى تحصيل ثمن أوراق الامتحانات وتكاليف طباعتها منهم عبر معلمي الصفوف، وبطرق أقرب إلى التوسل والاستجداء.
تقول إحدى المعلمات في مدارس ريف دمشق، والتي رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد": "أصبحنا مثل متسولين على أبواب ذوي التلاميذ والطلاب. نتواصل منذ أعوام مع ذوي التلاميذ عبر مجموعات واتساب من أجل خلق حالة من التعاون بين المعلمين وأسر التلاميذ، ومحاولة تحقيق الفوائد العلمية والتربوية والنفسية وغيرها، أما اليوم فأصبحت الغاية من هذا التواصل نقل الواقع السيئ للخدمات والتجهيزات التعليمية، وطلب مساعدات من الأهالي".
تضيف: "طالبنا الأهالي خلال العام الدراسي الحالي بشراء معظم الكتب المدرسية لأن الوزارة لم تطبع نسخاً حديثة للبيع في المكتبات المدرسية. وكنا طالبنا مرات أيضاً بتوفير مبالغ للتدفئة وترميم تجهيزات غرف الصفوف، في حين أجرى بعض المعلمين الاختبارات الفصلية على دفاتر الطلاب بسبب عدم توفر أوراق الامتحانات بسبب خجلهم من تحميل الأهالي هذا العبء. واضطر بعضهم أيضاً لجمع ثمن أوراق الامتحانات وتكاليف طباعتها والهدايا التي ستقدم للمتفوقين من أجل ضمان تنظيم الامتحانات النهائية".
وبحسب محمد العمر، أحد المتطوعين في العمل المدني، دعمت فرق عمل مدنية بالتعاون مع أهالي مدينة دوما بريف دمشق ومنظمات دولية، وبمساهمة كبيرة من مغتربين، ترميم 23 مدرسة وتزويدها بالمقاعد والمستلزمات وقرطاسية الامتحانات، وغطى المجتمع المحلي بمفرده تجهيز سبع مدارس. ويشير إلى أن "هذه المبادرة ليست الأولى، إذ اعتاد المجتمع المحلي تعويض العجز الحكومي في السنوات السابقة لتأمين أوراق الامتحانات ولوازمها، وتسديد تكاليف النقل الطلاب إلى المدارس، لكنها نوعية على صعيد الشمولية".
وفي محافظة درعا، يتحمل المجتمع المحلي أيضاً تكاليف الامتحانات. ويقول المدرّس محمد الحريري (اسم مستعار) لـ"العربي الجديد": "أوراق الامتحانات معضلة تواجهها مدارس محافظة درعا، لأن المبالغ المالية التي تمنحها الوزارة لا تكفي إلا لتأمين نسبة 10 في المائة من الاحتياجات". يضيف:" بالنسبة إلى الشهادتين الأساسية والثانوية، يتمثل العائق الأكبر في المواصلات، حيث يتكفل الأهالي بنقل التلاميذ بحافلات بالتعاون مع مديري المدارس". ويشير الحريري إلى أن "البيئة التعليمية غير مريحة للتلاميذ، فالأطفال بين سن السابعة والتاسعة يقدمون امتحاناتهم بواسطة السبورة بعد كتابة المعلمين الأسئلة عليها".
يقول أحد المدرسين في الريف الشرقي لمحافظة درعا، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "تضم قاعة الصف أكثر من 40 طالباً، وتسود الفوضى في المكان من دون أن يستطيع المدرّس ضبط الوضع أو إيصال الأفكار بسهولة، ما يؤثر على الحصاد العلمي للتلاميذ، ويحتم إعداد 90 في المائة منهم في المنازل عن طريق الدروس الخصوصية". ويلفت الى أن "المغتربين ينظمون بالتعاون مع مديري المدارس دورات مجانية للتلاميذ في كل المراحل لمحاولة تحسين مستواهم".
ويقول حسن المنصور، من طرطوس، لـ"العربي الجديد": "يجمع الميسورون والمغتربون من أبناء المحافظة تبرعات مالية خاصة بدعم التلاميذ والمدارس خلال فترة الامتحانات من أجل توفير أوراق الأجوبة والأسئلة مع تكاليف طباعتها، وتنفيذ مبادرات لتأمين نقل التلاميذ إلى مدارسهم، وطلاب الشهادتين إلى مراكز الامتحانات". وبحسب المنصور الذي يعمل ضمن فريق مجتمع مدني في المحافظة، ستُوزّع 21 مليون ليرة سورية (1500 دولار) على المدارس في أرياف المحافظة، تمهيداً لإنفاق نصفها لجلب لوازم الامتحانات، والباقي لنقل طلاب الشهادتين من الأرياف إلى مراكز الامتحانات وغالبيتها في المدن الرئيسية.
ولا يختلف الوضع في مناطق حلب عن طرطوس، حيث يطبق المجتمع الأهلي الآلية نفسها، بحسب ما يقول مدير مدرسة في ريف حلب الجنوبي فضل استخدام سليم الحسين اسما مستعارا. ويتحدث الرجل عن تلقي باقي المدارس مساعدات مالية دورية من المجتمع الأهلي خلال موسم الامتحانات لجلب اللوازم التي عجزت وزارة التربية التابعة للنظام عن توفيرها في السنوات الأخيرة.
ومن خلال متابعة واقع المدارس، يتضح تعمّد إهمال المدارس الحكومية المجانية، في حين بات واضحاً توجه الحكومة إلى خصخصة التعليم أو جزء منه، كما يجرى في باقي الوزارات مثل النقل والصحة والاتصالات، ما يمهد لفقدان الشريحة الأكبر من المجتمع السوري حقها في الحصول على تعليم سليم، خصوصاً أن أجور المدارس الخاصة مرتفعة جداً، ما لا يسمح باستقطاب شريحة محددة من التلاميذ. وفيما باتت المدارس الخاصة أو مراكز المتابعة تملأ المدن السورية، يزداد التسرّب من المدارس الذي يشكل خطراً كبيراً على المجتمع.
يقول المدرّس المتقاعد نادر الشامي، من أهالي بلدة جرمانا في ريف دمشق، لـ"العربي الجديد": أصبح التعليم مكلفاً وشاقاً خاصة في السنوات الأخيرة، وبتنا نتحمل تكاليف الدروس الخاصة أو المعاهد الخاصة لأبنائنا من تلاميذ وطلاب الشهادات الثانوية والإعدادية تعادل تلك في المدارس الخاصة الباهظة، ونضطر في الوقت نفسه لمتابعة أبنائنا في المدارس الابتدائية عبر إرسالهم إلى معاهد خاصة، أو منحهم دروس تقوية نتيجة إهمال المعلمين والإدارة وسوء الخدمات المدرسية، كما زادت طلبات الإدارات والمعلمين التي لا تُحصى خلال العام الدراسي.
وفي محافظة السويداء (جنوب)، يهتم المجتمع المحلي منذ سنوات بمعالجة مشكلات التعليم من خلال التبرعات الممنوحة للمدارس والطلاب. وفرضت مناطق عدة في المحافظة اقتطاع نسبة 20 في المائة من "الحسنات" التي تقدم عن أرواح الأموات لدعم التعليم. كما نشطت في هذه المناطق مجموعات أهلية ومدنية لجمع تبرعات تدعم التعليم.