قصة عائلة طردها جيش الاحتلال من منزلها في غزة: 10 ساعات من الجحيم

قصة عائلة فلسطينية طردها جيش الاحتلال من منزلها في غزة: 10 ساعات من الجحيم

02 ابريل 2024
فلسطينيون نازحون في رفح يتجمعون لتناول الإفطار في 30 مارس (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- عائلة فلسطينية مكونة من هبة حداد وأفراد أسرتها أُجبرت على ترك منزلها في غزة تحت تهديد الجنود الإسرائيليين، وبدأت رحلة مرعبة سيراً على الأقدام إلى رفح مستخدمين عصي مضيئة للأمان.
- خلال رحلتهم الطويلة، شهدت العائلة مشاهد الدمار والخراب في منطقة الحرب، بما في ذلك الطرق المدمرة والمباني المحترقة، وسط تقارير عن طرد السكان ودمار واسع النطاق بسبب الهجوم العسكري الإسرائيلي.
- بعد وصولهم إلى رفح، وجدت العائلة مأوى مؤقت مع أقاربهم في ظروف مزدحمة، وهم الآن يواجهون مستقبلاً غامضاً ويسعون لجمع المال للبحث عن حياة أفضل بعيداً عن الدمار الذي خلفه النزاع في غزة.

أجبر جنود الاحتلال الإسرائيلي عائلة فلسطينية على مغادرة منزلها في مدينة غزة منتصف ليلة 21 مارس/آذار الماضي، لتقوم برحلة مرعبة سيراً على الأقدام، وسط منطقة حرب حتى الوصول إلى رفح.

وقالت هبة حداد لـ"أسوشييتد برس": إنّ مجموعة من 14 جندياً إسرائيلياً اقتحمت شقتها لإجبارها على المغادرة، وأمروها وزوجها ووالديه المسنين -الأب نصف أعمى والأم على كرسي متحرك- وابنيهما المراهقين وسبعة أفراد آخرين من الأسرة بالمغادرة.

وأكدت أن الجنود سلموهم عصياً مضيئة مع تعليمات صارمة: "السير جنوباً، على أن تكون في المقدمة امرأة تحمل عصا مضيئة حتى لا يطلقوا النار عليهم عند نقاط التفتيش".

وفي وقت لاحق، علمت هبة أن القوات أضرمت النار في المنزل بعد مغادرتهم. وقالت لوكالة "أسوشييتد برس": "لا أستطيع وصف رعبي عند مغادرة المنزل، مع علمنا أن في الخارج منطقة حرب".

وتحدثت من رفح، في أقصى الطرف الجنوبي من قطاع غزة، بعد رحلة سير مروعة استمرت 10 ساعات من الشمال على طول الطريق الساحلي الرئيسي، الذي أصبح الآن مليئاً بالحفر والحطام، وتصطف على جانبيه الدبابات والقناصة.

ويقول شهود إنّ القوات الإسرائيلية قامت بطرد للسكان في الأحياء المجاورة خلال الهجوم العسكري الذي استمر أسبوعين على مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وفي أنحاء المنطقة.

وأفادت هبة بأنها شاهدت القوات الإسرائيلية وهي تشعل النار في مبان مجاورة بعد طرد سكانها.

وقال باحث من المرصد الأورومتوسطي في رسالة صوتية شاركها مع "أسوشييتد برس": إنه عندما أطلق الجنود الإسرائيليون سراحه من مستشفى الشفاء، خرج ليجد نفسه وسط نيران انتشرت من حرائق المباني المحيطة".

وأفاد الجيش الإسرائيلي لـ"أسوشييتد برس"، بأنه لا توجد إجراءات محددة لعمليات الإخلاء، وأن الأمر "يعتمد على الوضع" وما إذا كانت هناك أي "تهديدات عملياتية". ولم يرد على أسئلتها حول حرق المنازل، وقال فقط إن قواته تنفذ "عمليات هدم البنية التحتية لحماس وأهداف عسكرية أخرى باستخدام وسائل معتمدة ومناسبة"، وإنه ليس بإمكانه التعليق على وضع عائلة الحداد تحديداً.

طوال حربه الدموية على غزة، اعتمد الجيش الإسرائيلي إلى حد كبير على إعلان أوامر الإخلاء من خلال منشورات أو رسائل نصية أو مكبرات صوت، يحث فيها السكان على المغادرة قبل الهجوم البري.

وقال رامي عبده، مدير المرصد الأورومتوسطي، إنه في حملة الإخلاء التي جرت في مدينة غزة، خلال الأسابيع الماضية، انتقلت القوات من بيت إلى بيت لطرد السكان. ويقدر المرصد أن نحو 7 آلاف شخص أجبروا على مغادرة الأحياء المحيطة بمستشفى الشفاء، حيث خلف القتال دماراً واسعاً.

هبة الحداد صيدلانية، وزوجها رائد الطباع محاسب وأستاذ جامعي، كانا مصممين على البقاء في مدينة غزة حتى في الوقت الذي أدى فيه الهجوم البري الإسرائيلي إلى تسوية مساحات كبيرة من شمال غزة بالأرض.

وكانا قد فرا من منزلهما بعد أن تعرض لضربة مباشرة في نوفمبر/تشرين الثاني، وانتقل رائد وعائلته إلى المبنى الذي يقيم به صهره، على بعد أقل من كيلومتر واحد من مستشفى الشفاء.

وقالت هبة إنه بعد بدء الهجوم على مستشفى الشفاء في 19 مارس/آذار سمعت الأسرة أشخاصاً يصرخون طالبين المساعدة عند مدخل المبنى الذي تقطنه. وتجمعت عائلتها تحت الدرج أو في وسط الشقة للاحتماء من إطلاق النار في الخارج، بينما كانت الدبابات تهدر في شارعهم.

ويوم 20 مارس/آذار ليلاً، أرسلت هبة رسالة صوتية إلى أفراد الأسرة الذين فروا بالفعل إلى الجنوب، قالت فيها إن الدبابات على أعتاب منزلهم. وأضافت "نحن بخير لأننا على قيد الحياة، لكننا مصدومون للغاية، لا أعرف ماذا أقول. نحن محرومون من أي قدر من إنسانية يمكن تخيله".

ثم جاء دور أسرتها. ففي الساعة 2:30 صباحاً استيقظت العائلة على صوت انفجار عندما قامت القوات بفتح مدخل المنزل. وعندما سمعتهم يصعدون الدرج، فتحت الأسرة باب شقتها كي تتجنب تفجيراً آخر. وقامت القوات بتفتيش الشقة، والتأكد من عدم وجود أي شخص على قوائم المطلوبين، ثم أمرت العائلة بالخروج.

وقالت هبة، بمزيج من العربية والإنكليزية، إن الأسرة طلبت السماح لها بالانتظار حتى الصباح، لأن الرحلة مستحيلة على كبار السن في العائلة. وأضافت أن الجنود قالوا لها "في وضح النهار قد يتم تفجير المبنى بأكمله. أنتم ستغادرون ونحن سنبقى". وأوضح لهم الجنود الطريق الذي يجب اتباعه على خرائط غوغل وأخبروهم بكيفية السير: تحمل امرأة في المقدمة، وامرأة أخرى في المؤخرة، العصي المضيئة، والرجال والأطفال وكبار السن في وسط المجموعة. وأضافوا أنه يجب التلويح بالعصي المضيئة عند الاقتراب من نقطة تفتيش في الظلام، حتى يعرف الجنود أنه جرى فحصهم.

وسُمح لهم بدراجة لحمل بعض الحقائب وكرسي متحرك لحماة هبة. ولكن ثبت أنه من المستحيل دفع الكرسي المتحرك وسط الطرق المليئة بمتاع لم يعد بإمكان المغادرين حمله.

وقالت هبة إن والدي زوجها، وهم في الثمانينيات والسبعينيات من العمر، سارا مضطرين لمسافة معينة، سقطا خلالها عدة مرات، وعندها كان الجنود يأمرونهم بمواصلة التحرك. وأضافت أنهم وصلوا في الثانية ظهراً إلى نقطة تفتيش إسرائيلية، حيث أمرهم الجنود بالمرور واحداً تلو الآخر عبر بوابة تفتيش إلكترونية، والنظر إلى كاميرا أمنية، ثم جمعوا معلومات عن كل شخص منهم.

والآن، بعد وصولهم إلى رفح، تجمعوا في منزل مع إخوتها وزوجاتهم وأطفالهم، أكثر من 15 شخصاً، ينام كل خمسة منهم في غرفة.

وذكرت هبة أنهم يفكرون في المكان الذي سيتوجهون إليه إذا هاجمت القوات الإسرائيلية رفح، حيث يتجمع أكثر من 1.2 مليون شخص، وأنهم يجمعون ما لديهم من مال لإيجاد وسيلة لمغادرة القطاع "لإنقاذ مستقبل أبنائي". وأضافت "هذه رحلة لا مثيل لها.... لقد بدأنا رحلة النزوح".

(أسوشييتد برس)

المساهمون