فلسطين على كيليمانجارو... من أجل صلاح الحموري ورفض الترحيل

فلسطين على كيليمانجارو... من أجل صلاح الحموري ورفض الترحيل

17 مايو 2023
خلال التدريبات استعداداً للصعود إلى كيليمانجارو (مبادرة فلسطين على القمّة)
+ الخط -

الوجهة هي جبل كيليمانجارو الأكثر ارتفاعاً في أفريقيا (5895 متراً عن سطح البحر). بعد أيام قليلة، سيكون العلم الفلسطيني مرفوعاً على القمّة. 19 شاباً وشابة من مختلف الأراضي الفلسطينية (القدس والضفة الغربية وأراضي 48) سيتوجهون إلى شمال شرق تنزانيا حيث يقع الجبل على مقربة من الحدود الكينية، من أجل دعم قضية المحامي الفلسطيني-الفرنسي المبعد قسراً صلاح الحموري الذي كان قد اعتُقل إدارياً في مارس/ آذار 2022 قبل أن يرُحَّل إلى فرنسا في ديسمبر/ كانون الأوّل من العام نفسه، وتسليط الضوء على قضايا الاعتقال الإداري والإبعاد وسحب الهويات والترحيل.
أبعدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحموري إلى فرنسا في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2022، بعد اعتقاله إدارياً لمدة تسعة أشهر، من دون تهمة أو محاكمة، وبعد المصادقة على سحب هويته وحرمانه من الإقامة في القدس، بحجة خطره على المواطنين وعدم الولاء لدولة الاحتلال والانتماء إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونشاطه فيها.
يقول مؤسّس مبادرة "فلسطين على القمّة" غير الربحية الناشط الفلسطيني خليل غرّة، والتي تقود المسار إلى جبل كيليمانجارو، عن تأسيس المبادرة "هو نتيجة رغبتي في بناء مساحة تجمع بين الرياضة والجوانب الاجتماعية والسياسية والوطنية، والسعي إلى تنظيم أنشطة لمناصرة قضايا سياسية واجتماعية تتعلق بفلسطين". ويوضح أنه "على الرغم من صغر المساحة التي يقطنها الفلسطينيون، إلا أن مساحات التلاقي والتعارف ومناقشة قضايا سياسية غير متوفرة". هذا النقص شجعه على إنشاء المبادرة وجمع الناس من خلال مسارات رياضية.  
قضى غرّة سنوات مشاركاً ومنظماً لأنشطة رياضية سياسية تتضمن المشي مسافات طويلة. وبعد حوالي عشر سنوات، "فكرتُ في أنه حان الوقت للصعود إلى قمم خارج فلسطين، ودمج قضايا سياسية واجتماعية خلال التسلق. هدفنا في الوقت الحالي هو تسلّق أعلى سبع قمم جبلية في العالم حتى نهاية عام 2028". خلال تجربتها الأولى، رفعت المبادرة قضية شيرين أبو عاقلة والعدالة لشيرين والحرية لفلسطين على قمة جبل أرارات الأعلى في تركيا، وذلك في أغسطس/ آب 2022. 

اليوم، اختارت ثلاث قضايا يجسدها الحموري. ويقول غرّة إن "إسرائيل تتمادى في الإبعاد والترحيل، وقد بدأت تهديد صلاح بالترحيل عام 2007، لتحقق تهديدها عام 2022. وتعمل على إبعاد المزيد من الناس عن محيط البلدة القديمة في القدس أو المسجد الأقصى". يضيف: "اعتاد الناس تلقي أوامر الابعاد ثمّ متابعة حياتهم. من هنا، فإن رسائلنا السياسية هي رفض الترحيل والابعاد وسحب الهويات من فلسطينيي 48 والمقدسيين، ورفض الاعتقال الإداري".
كما يلفت غرّة إلى أنه "غالباً ما يُناضل الأسرى فقط ضد الاعتقال الإداري علماً أن القضية تعني جميع الفلسطينيين. سابقاً، كنا نشهد تحركات أكثر من قبل جميع الفلسطينيين وليس الأسرى فقط. لكن مؤخراً، فإن حجم الالتفاف الجماهيري حول قضايا مختلفة بات قليلاً. لذلك، أردنا التركيز على قضايا تمس حياة آلاف الشباب في البلاد، وآخرين مهددين بالترحيل والنفي، عدا عن سحب الهويات من فلسطينيي 48 والمقدسيين".
وعن سبب اختيار جبل كيليمانجارو، يشير إلى أنه إحدى القمم السبع الأعلى في العالم، كما أن له رمزية سياسية للحرية والاستقلال لأفريقيا وتنزانيا على وجه الخصوص، كونها أول دولة تتحرر من الاستعمار الأوروبي. هو رمز لهذه الحرية ونضالات الشعوب للتحرر من الاستعمار. ويأملُ أن "تساهم الحملة في دفع الآخرين إلى إثارة مثل هذه القضايا، وأن يكون هناك وعي أكبر حول قضايا الإبعاد والترحيل والاعتقال الاداري، وأن نتمكن من كسر تعاملنا مع إسرائيل في هذا الإطار أي رفض الاعتقال الاداري والإبعاد وسحب الهويات، ونجبر إسرائيل على التفكير مرتين قبل إبعاد أو ترحيل أحد، على أن ينسحب الأمر على الدولة المضيفة". 

الصورة
تدريبات فلسطين على القمة
خضع الفريق لتدريبات مكثفة على مدى أشهر (مبادرة فلسطين على القمّة)

بعد ترحيله، قال صلاح في حينه لـ "العربي الجديد" إن "الشيء الحتمي والأكيد بالنسبة لي هو أنني انتقلت إلى مرحلة نضالية أخرى في مواجهة الاحتلال. صحيح أنني خرجت من الجبهة الأمامية في مقارعة الاحتلال بأرض الوطن، لكنني سأكون في موقع أستطيع فيه دعم نضال شعبي ومواجهة الاحتلال في ساحتي الخارجية".
واليوم، وقبل أيام من انطلاق فريق "فلسطين على القمة" في رحلته، يقول لـ "العربي الجديد" إن "المحامين تقدموا بطلب استئناف حول مدى شرعية قانون سحب الهويات، ويضم الاستئناف حوالي 13 شخصاً سحبت هوياتهم. وحتى الآن، لم نتلق رداً من الاحتلال". أما عن المبادرة، فيوضح أنها "لا تتعلق بصلاح فحسب إذ تحمل عناوين كبيرة وانعكاساتها ستكون على جميع الناس التي تندرج ضمن القضايا الثلاث". ولا ينسى الإشارة إلى البعد المعنوي الإيجابي للمبادرة.  

الصورة
تدريبات فلسطين على القمة
الفريق المشارك (مبادرة فلسطين على القمّة)

انتهاكات ثلاثة

أما أحمد البيقاوي، أحد الشباب الـ 19، فيتحدث عن تنظيم "فلسطين على القمة" العديد من المسارات داخل فلسطين بهدف التعرف على الأرض وزيارة قرى مهجرة والاطلاع على التمدد الاستيطاني وغير ذلك. وعن مدى قدرة نشاط رياضي على إحداث تغيير في قضية سياسية، يقول إنّه "ما من قضية تتعلق بفلسطين يمكن المساس بها بشكل مباشر من خلال الرياضة، لكن يمكن لهذه الأنشطة المساهمة في إثارة هذه القضايا وتسليط الضوء عليها ومناصرتها. في فلسطين، الأثر تراكمي". يضيف: "أعلنّا عن قضيتنا مبكراً، ونسقنا مع الحملة الداعمة لصلاح الحموري بهدف إثارة القضية"، لافتاً إلى أن "قضية الأخير تقودنا إلى ثلاثة انتهاكات: الاعتقال الاداري، سحب الهوية، والترحيل القسري. ونحن داعمون للمسار الذي انتهجه". ويؤكد أن "سبب إثارة القضية قبل بدء التسلّق هو رغبتنا بألا نكون الخبر، بل الانتهاكات التي نصعد الجبل من أجل تسليط الضوء عليها". 
ويتحدّث أحمد عن محفزين شخصي وعام. الشخصي يتعلق بلقائه أشخاصاً جدداً وممارسة الرياضة والحصول على إجازة. وعن العام، يقول: "اعتدنا كفلسطينيين عدم فصل السياسة عن اليوميات. كأن يرتدي الناس ثياباً عليها العلم الفلسطيني أو ما شابه. ويرتبط التغيير بإيماننا بأن أثره تراكمي. وبمجرد إثارتنا القضايا الثلاث، صرنا نتلقى العديد من الأسئلة من مختلف الناس عن المبعدين وأعدادهم والاعتقال الإداري وسحب الهويات. هذا النقاش هو جزء من المبتغى. ففي اللحظة التي تفكر إسرائيل بعزل شخص عن أهله وأرضه، يجب أن تعرف أن أهله سيدعمونه ويصلون إليه ويناصرونه".

الصورة
تدريبات فلسطين على القمة
يستغرق الصعود إلى قمة كيليمانجارو 6 أيام (مبادرة فلسطين على القمّة)

خوف وتحدٍّ

ليس جميع الشباب المشاركين رياضيين. إلا أنهم يخضعون لتدريبات مكثفة منذ حوالي أشهر، ليكونوا مستعدين نفسياً وبدنياً للصعود إلى الجبل. من بين هؤلاء المحامية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والمتحدرة من الناصرة آية حاد عودة. الأخيرة تولت بعض قضايا أولئك الذين سحبت إسرائيل هوياتهم، موضحة أن سحب الهويات يعني أن هؤلاء باتوا عديمي الجنسية، وقد جردوا من كل حقوقهم.  
تضيف: "القضايا التي نصعد الجبل لتسليط الضوء عليها هي سحب الهويات والترحيل والاعتقال الإداري". وعن الأخير، تقول إن "إسرائيل تعاقب الفلسطيني على أفكاره ومشاعره وتمارس اعتقالاً غير ممؤسس إذ ما من إثباتات لتكوين لوائح اتهام. تعتقل إنساناً حتى لا يرتكب تهمة ما في المستقبل". تضيف: "نعي تماماً أن نشاطنا لن يؤدي إلى عودة صلاح. إلا أنه يساهم في رفع الوعي حول العالم". 
لا تخفي آية خوفها "مع ذلك، نريد خوض هذا التحدي والوصول إلى القمة ومناصرة القضايا الفلسطينية الثلاث وصلاح الحموري". وتقول: "آمل ألا يخذلني جسدي وأنجح في الوصول إلى القمة". وأكثر ما يقلقها هو نقص الأكسجين. من جهة أخرى، يحفزها أهلها وأصدقاؤها المؤمنون بأهمية هذه القضايا. الوصول بالنسبة إليها هو الشعور، وإن معنوياً، بالقدرة على التحرر يوماً ما. 

الصورة
تدريبات فلسطين على القمة
جرى تمويل المبادرة بشكل فردي (مبادرة فلسطين على القمّة)

تدريبات مكثفة

أما أمجد بدرية المتحدر من القدس، والذي يتولى الإشراف على التدريبات الرياضية لكونه رياضياً ممارساً لركوب الدراجات الجبلية وغيرها، فيوضح أن مسار كيليمانجارو يختلف عن غيره إذ يتطلب قوة بدنية والعديد من التجهيزات. ويقول: "بشكل عام، رياضة التسلق تتضمن العديد من الصعوبات، أبرزها نقص الأكسجين لكون القمة تقع على ارتفاع 5895 متراً. ونقص الأكسجين يؤثر على قدرة المتسلق على التحرك والتنفس. وفي حال لم يكن المتسلق جاهزاً بدنياً أو لديه أمراض تنفسية كالربو، يمكن أن يتعرض لسكتة قلبية أو دماغية. لذلك، هناك حرص على إجراء تدريبات تساهم في زيادة نسبة الأكسجين في الدم ليكون المتسلق جاهزاً بدنياً".
كما يتحدث عن معوقات أخرى، منها الطقس، موضحاً أن "الطقس في كيليمانجارو يتغير باستمرار، وقد نشهد جميع الفصول خلال رحلتنا من درجة حرارة مرتفعة إلى هبوب رياح وتساقط ثلوج وأمطار غزيرة لا تشبه تلك التي نشهدها في بلادنا". يضيف أن "التضاريس صعبة في وقت يحمل المتسلقون معهم معدات ثقيلة وثياباً ومدعمات غذائية ومشروبات طاقة وغير ذلك". ويوضح أن الفريق المشارك خضع على مدى أشهر لتدريبات ترفع من قدرة التحمل لدى المتسلقين، كالمشي في مسارات طويلة وتضاريس صعبة، وحمل أوزان لا تقل عن 15 كيلوغراماً، والسباحة لتحسين مستويات الأكسجين في الدم والتنفس. ومع قرب الانطلاق، عملنا على تعديل النظام الغذائي من خلال الحد من تناول السكريات في مقابل زيادة النشويات". 

يستغرق الصعود إلى قمة كيليمانجارو 6 أيام في مقابل ثلاثة أيام للنزول، وساعات المشي تكون أقل في الأيام الأولى. أما اليوم الأخير، أي يوم الوصول إلى القمة، فقد تسير المجموعة حوالى 18 ساعة من دون توقف. ويوضح: "نبدأ السير ليلاً للحد من الرهبة التي قد تصيب المشاركين، الأمر الذي قد يجعلهم عاجزين عن المتابعة. وفي حال كان هناك ثلج، فإن برودة الليل تجعل السير أكثر أماناً إذ تحمينا من الانهيارات الثلجية أو الصخرية، كما نكون قد اجتزنا مسافة قبل شروق الشمس، الأمر الذي يحفز المشاركين على المتابعة". يضيف: "حين نصل إلى القمة، لا يمكننا البقاء طويلاً أو الاستراحة. بالكاد نحتفل بالوصول ونلتقط الصور لنبدأ بالنزول". ويلفت إلى أن "الارتفاعات قد تصيب المتسلقين بالدوار أو تؤدي إلى التقيؤ. وفي حال عانى أحد منا من نقص أكسجين حاد، لدينا تجهيزات تكفينا خلال مدة الرحلة. وهناك فحص يومي لنسبة الأكسجين في الدم لجميع المشاركين. فإذا ما كانت نسبة أحدهم غير مطمئنة، يمنع من المتابعة". 
جدير بالذكر أن هذه المبادرة جرى تمويلها بشكل فردي، ومن المفترض أن يصل المشاركون فيها إلى قمة كيليمانجارو في 25 مايو/ أيار الجاري، لقول اللاءات الثلاث: لا للاعتقال الإداري، لا لسحب الهويات، ولا للترحيل القسري، على أمل أن يستجيب العالم.

المساهمون